عيوب سياسة دعم الإنتاج الغنائي المغربي

منذ حوالي عشر سنوات أو أكثر بقليل، خصصت وزارة الثقافة منحة لدعم الإنتاج الغنائي، على غرار الفنون الأخرى، وبالفعل خرجت إلى الوجود مجموعة من الألبومات الغنائية المدعمة، لفنانين من أجيال مختلفة، وبالأخص الأجيال الجديدة، علما بأن العديد من رواد الأغنية المغربية أصبحوا مقلين في العطاء الإبداعي، ومنهم من فضل الانسحاب من الساحة الفنية، لإيمانه بأنها أصبحت ملوثة، وإن كان هذا القرار غير صائب، وعيا منا بأن الأغنية المغربية بحاجة إلى روادها بالقدر نفسه الذي تحتاج فيه إلى الأصوات الجديدة المجددة ذات العطاء الإبداعي الجاد بطبيعة الحال.
لقد تحقق على امتداد سنوات دعم الإنتاج الغنائي المغربي، تراكم لا بأس به، من شأنه أن يملأ الفراغ الذي تعاني منه ساحتنا الفنية على هذا المستوى.
لكن ما مدى حضور هذا الإنتاج في سوق الأغنية؟
إلى أي حد ما تم تسويقه سواء داخل المغرب أو خارجه؟
من الملاحظ أن الجهة الداعمة المتمثلة في وزارة الثقافة، حصرت دورها في تعيين هيئة التحكيم وفرز المشاريع المرشحة وتخصيص الغلاف المالي لمنحة الدعم. ولم تهتم بمواكبة هذه المشاريع ومبدعيها.
كان من المفروض على وزارة الثقافة أن تخصص يوما دراسيا عقب الإعلان عن نتائج الدعم، تستدعي له النقاد والباحثين بالإضافة إلى وسائل الإعلام، وفتح نقاش حول الوضع الراهن للأغنية المغربية إلى جانب تقييم حصيلة الإنتاجات الغنائية التي تم دعمها خلال السنة الماضية على الأقل.

كان من المفروض أن يتم تنظيم مهرجان وطني للأغنية المغربية -على غرار ما هو معمول به في ما يخص الإنتاج المسرحي- في موعد محدد وقار كل سنة، تعرض فيه بصفة حصرية، الأعمال الحاصلة على الدعم، ويتم بث هذه العروض بشكل مباشر، أرضيا وفضائيا.
إلى غير ذلك من المبادرات التي تساهم في التعريف بالأغاني المغربية الحديثة الإنتاج، وإنجاح تسويقها على نطاق أوسع، علما بأن التسويق يلعب دورا أساسيا في إيصال هذا الإنتاج إلى قطاع واسع من الجمهور.
في غياب هذه المبادرات الهامة والأساسية التي من شأنها أن تخدم الأغنية المغربية، تم فسح المجال واسعا للإنتاج الذي يفتقد إلى أدنى مقومات الإبداع الغنائي، على كافة المستويات: اللحن والأداء والكلمات والعزف والتوزيع الموسيقي… إنتاج غير حاصل بطبيعة الحال على دعم وزارة الثقافة ولا ينبغي له أن يحصل عليه، لكنه وجد في وسائط الاتصال الرقمية ملاذا، فقد ساهمت هذه الوسائط في تعميم نشر الرداءة التي تخضع لحسيب ولا لرقيب، والأدهى من ذلك أن هذا النوع التافه والسخيف من الإنتاج يحقق نسبة عالية من المتابعة والمشاهدة، ومنه ما تم اعتباره بمثابة أغنية الموسم.
لنأخذ على سبيل المثال الأغنية التي تحقق حاليا أعلى نسبة من المتابعة وتتربع على عرش الإنتاج الغنائي المغربي الذي تم إنتاجه خلال السنة الجارية.
أغنية تحمل عنوان “حلوفة” للفنانين الشعبيين عادل الميلودي والشيخة الطراكس، تقول كلماتها:
(علاش مابقيتيش تنعسي حدايا؟
غادي نخلي دار بوك)
لم أكن أتصور أنه في يوم من الأيام، سيهبط فيه الإنتاج الغنائي المغربي إلى هذه الدرجة من الضحالة، لكن الطفرة التي تحققت على مستوى وسائط الاتصال، استغلها أشباه الفنانين لإيصال تفاهاتهم إلى قطاع واسع من الجمهور، بعيدا عن كل رقيب وحسيب، الأدهى من ذلك أن أغلب هذا النوع من الإنتاج يحظى بمتابعة أكبر، ويخلق الوهم لدى أصحابه بأنهم حققوا نجاحا، في حين أنه ليس سوى نجاح وهمي، بدليل أنه لا يمر وقت قصير حتى يكون هذا الإنتاج قد تبخر، ولا تعود الأذن راغبة في الاستماع إليه بالمطلق.
في الوقت الذي نجد فيه الإنتاج الغنائي المبني على أسس متينة، المراعي للقيمة الفنية للإبداع، يستمر حضوره في وجداننا، وتحن إليه الأسماع.
لنأخذ على سبيل المثال هذا المقطع الغنائي للفنان عبد الوهاب الدكالي وهو من ألحان الموسيقار عبد السلام عامر وكلمات الشاعر المغربي محمد الخمار الكنوني:

(لم يعد قلبي ولا فكري معك
لم تعد كل المنى أن أسمعك
خمد الحب … خمد الحب الذي اذكيته زمنا
حبي الذي ما أقنعك)
طبعا لا مجال للمقارنة بين أغنية “حلوفة” لعادل الميلودي والشيخة الطراكس، وأغنية “آخر آه” لعبد الوهاب الدكالي، بالنظر لوجود الفارق الشاسع، لكن كان من المهم إدراج نماذج من إنتاجنا الغنائي، لإبراز التحول الذي طرأ على صعيد هذا الإنتاج، بين الأمس واليوم.
من هنا تظل سياسة دعم الإنتاج الغنائي المغربي التي تنهجها وزارة الثقافة محتفظة بأهميتها، غير أنها لا ينبغي أن تقف عند حدود تخصيص الغلاف المالي لمنحة الدعم، بل من الضروري أن تواكب الإنتاج المدعم، من حيث التسويق والدراسة والتنظيم.. لأجل الوقوف في وجه الإنتاج الذي يصب في اتجاه الحط من الأغنية المغربية، لا بل من ساحتنا الفنية ككل.

> بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top