فاعلون يؤكدون على أهمية التنسيق للنهوض بالشأن الثقافي في سلا

خلص لقاء بمدينة سلا حول «إشكالية الثقافة في تصورات وبرامج المتدخلين العموميين»، إلى ضرورة التنسيق بشكل حثيث بين مختلف الفاعلين من وزارة الثقافة كجهاز وصي على القطاع ووكالة تهيئة أبي رقراق التي باتت فاعلا رئيسيا في تأهيل العدوتين على ضفتي أبي رقراق، والجماعات الترابية على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي.
ويهدف هذا التنسيق، حسب خلاصات هذا اللقاء الذي نظمته مؤسسة سلا للثقافة والفنون، بشراكة مع جماعة سلا، إلى بلورة تصور يوفر جميع الإمكانيات المالية والمادية، بما فيه الوعاء العقاري، للنهوض بالشأن الثقافي والارتقاء عبره بالمدينة وجعله قاطرة حقيقية للتنمية.
وأكد لطفي لمريني، رئيس مؤسسة سلا للثقافة والفنون، في كلمة تأطيرية لهذا اللقاء الذي نظمته مؤسسة سلا للثقافة والفنون، بشراكة مع جماعة سلا، والذي عرف مشاركة كل من جامع المعتصم رئيس جماعة سلا، ومحمد عواد نائب رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، ومحمد السمار، مدير التراث والآثار بوكالة تهيئة أبي رقراق، والوزير الأسبق لوزارة الثقافة محمد أمين الصبيحي، وحضور ممثل عن وزارة الثقافة والاتصال، وكذا مشاركة كل من امحمد الكرومبي محافظ المآثر التاريخية بسلا، وعدد من الفاعلين في المجال الثقافي وممثلي هيئات المجتمع المدني بالمدينة، على الحاجة إلى تعميق وتقوية النقاش حول إشكالية السياسات العمومية بخصوص الشأن الثقافي والأدوار التي يضطلع بها مختلف المتدخلين، وذلك في مسعى لوضع تصور واضح حول قطاع الثقافة بالمدينة وجعله مصدرا لتحقيق الثروة أي عنصرا يحقق قيمة مضافة للمدينة التي تقع ضمن جهة الرباط.
ودعا لطفي لمريني، في هذا الصدد، إلى تجاوز لغة الخطابات إلى الاهتمام بعناصر عملية تخص الشأن الثقافي بضبط المعطيات والمؤشرات الإحصائية بالمرور إلى المعطيات الرقمية والميزانيات، وذلك لوضع وإنجاز وتقويم السياسات العمومية في المجال، خاصة وأن الهيئات المنتخبة والسلطات على مستوى المدينة قررت أن تجعل من الثقافة محورا رئيسيا لتدخلاتها.
واستعرض في هذا الصدد تجارب مقارنة، خاصة على مستوى بلدان أوروبا، التي تمكنت من جعل الثقافة تحظى بالأهمية اللازمة وباتت من العناصر الأساسية التي حققت النهوض على مستوى النسيج الاقتصادي والاجتماعي بل وباتت مصدرا للثروة، وكشف في هذا الإطار عن المشروع الذي تنجزه حاليا مؤسسته والذي يتجه لإحداث مركز للدراسات، علما أن المؤسسة تعد لمشروع تنظيم منتدى دولي حول الثقافة والمدينة ويتم التحضير له بشراكة بين المؤسسة السالف ذكرها وجماعة سلا وشركاء آخرين.
وأشار المتحدث إلى أن هذا اللقاء تم الاقتصار فيه على المتدخلين العموميين على مستوى الجماعة ومجلس الجهة والوزارة الوصية، على أن تتبعه لقاءت أخرى مرتبطة بأدوار المجتمع المدني ومساهمات القطاع الخاص في المجال.
من جهته، أبرز رئيس جماعة سلا، جامع المعتصم، أن الشأن الثقافي يمثل جزءا من مشروع أساسي ضمن برنامج عمل الجماعة، للفترة من 2019-2023، الذي جعل من الرهان الثقافي مدخلا لتنمية المدينة، قائلا إن «هذا البرنامج كان نتاج تشاور موسع مع مختلف الفاعلين داخل المدينة، الذين اعتبروا أن الثقافة قاطرة للتنمية.
وذكر المتحدث في هذا الصدد بالتوجيهات الملكية، حيث نبه جلالته إلى أهمية الاهتمام بالشأن الثقافي على أساس «أن بلدا لا ثقافة له لا وجود له»، وحث جلالته الفاعلين على استغلال عناصر الإشعاع التي يمتلكها المغرب كبلد له تاريخ وحضارة تمتد لقرون، ومدن تتوفر على رصيد زاخر في هذا الجانب.
وقال جامع المعتصم، في هذا الإطار، إن «عنصر القوة الذي تتميز به بمدينة سلا، هو العنصر الثقافي، فقد شكلت عبر الأزمنة ملتقى للثقافات وهي تزخر حاليا بتراث مادي وغير مادي، بل وحظيت بالتصنيف ضمن التراث الوطني سنة 2016، فهي تضم أكثر من 12 موقعا أثريا وينتمي إليها عدد من المبدعين والمثقفين المرموقين على الصعيد الوطني».
وأقر المسؤول عن جماعة سلا، بالدور المحدود الذي تقوم به المؤسسات المنتخبة بالرغم من الاختصاصات المخولة لها، وبالعدد المحدود للمنشآت الثقافية الحقيقية الكبرى، هذا بالرغم من توفر المدنية عن عدد من الفضاءات الثقافية، مشيرا في هذا الصدد إلى أن العديد من التظاهرات الثقافية الدولية التي تتميز بها المدينة تنظم بمبادرات من المجتمع المدني وفعاليات سلاوية حيث أن الدور المؤسساتي محدودا فيها»، حسب ذكر المعتصم.
من جانبه، شدد محمد عواد نائب رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، على أهمية هذا اللقاء الذي يقارب مسألة الشأن الثقافي والذي ينظم في سياق يطبعه تنزيل أوراش ثقافية كبرى خاصة على مستوى الجهة، مستعرضا العناصر الأساسية لبرنامج الجهة في الجانب المتعلق بالشأن الثقافي، حيث يدفع مجلس الجهة في اتجاه جعل الثقافة قاطرة للتنمية.
وأفاد أن المجلس، في هذا الإطار يعمل بشكل حثيث من أجل الحفاظ على المواقع الأثرية التراثية والتاريخية التي تتوفر عليها الجهة مع الحفاظ على الطابع الخاص للجهة، موازاة مع تنظيم تظاهرات فنية وثقافية وذلك سعيا إلى جعل المنطقة تحوز أحد عناصر الجذب للسياح والاستثمارات في المجال.
أما ممثل وزارة الثقافة، فقد نبه إلى الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة على مستوى حماية والنهوض بالمورث العمراني التاريخي، معلنا أن الوزارة تدخلت أكثر من مرة لإرجاع مجموعة من المشاريع خاصة التي ينفذها الخواص للطريق الصحيح، ذلك أن عددا من المتدخلين يشتغلون دون احترام للخاصيات التاريخية والمعمارية لبعض المباني.
وأفاد أن الوزارة في إطار إعادة تهيئة وترميم العديد من بنيات الموروث المعماري التاريخي، تحرص على تقديم تجربتها وخبرتها في الميدان، وهو إذ كان في بعض الأحيان ليس دعما ماديا ولكن هو دعم تقني مبني على دراسات تحترم الصيغة الأصلية للمآثر التاريخية المراد ترميمها، كما هو الشأن بالنسبة للأسوار القديمة التي يتم ترميمها حاليا.
هذا فيما اختار محمد السمار مدير التراث والآثار بوكالة تهيئة أبي رقراق، التأكيد على التصور الذي تمتلكه الوكالة خاصة على مستوى الحفاظ والنهوض بالموروث الثقافي للعدوتين، مبرزا أنه، كما العاصمة الرباط، فإن مدينة سلا تحضر ضمن استراتيجية الوكالة في إنجاز مشروع التهيئة، مشيرا في هذا الصدد إلى العمل الدؤوب الذي تقوم به الوكالة بتنسيق تام مع مختلف المتدخلين لتنفيذ مشروع تهيئة الواجهة الساحلية لمدينة سلاـ عبر ترميم المآثر التاريخية الأسوار على امتداد يشمل جل مكونات السور المحيط بالمدينة العتيقة عموما، وذلك في احترام تام للخصائص ألأصلية لهذه المآثر.
لكن في المقابل نبه المسؤول بالوكالة إلى عناصر معرقلة للشأن الثقافي بالمدينة أبرزها نوع من البيروقراطية على مستوى بعض الإدارات، داعيا إلى تحميل المسؤولية لموظفين يحملون الانشغال الثقافي وهم الدفاع عن الشأن الثقافي حتى يتم التمكن من النهوض بالشأن الثقافي وحماية الموروث التراثي خاصة العمراني منه على مستوى المدينة.
واستعرض امحمد الكرومبي محافظ المآثر التاريخية بسلا، بالأرقام المنشآت الثقافية التي تتوفر عليها المدينة، مشددا على ضرورة بلورة صورة جديدة لمدينة سلا، وتظافر الجهود لإعداد ملف وتقديمه لتحوز على التصنيف ضمن التراث العالمي، إذ لا يعقل أن يتم تصنيف الرباط الواقعة على الضفة الجنوبية لأبي رقراق وتغيب عن ها التصنيف مدينة سلا، الواقعة على الضفة المقابلة، والتي تتوفر على بنيات تراثية فريدة، فهي حازت على التصنيف الوطني سنة 2016 على لائحة التراث الوطني، وتتوفر على 20 موقع أثري مصنف، ولازالت تقدم المزيد على هذا المستوى من خلال الحفريات الأركيولوجية التي تم القيام بها حيث تم العثور على ورش لصناعة وحدات من الفخار كان يعتقد أنه لا يوجد إلا في إسبانيا.
من جهته، أكد محمد أمين الصبيحي، الوزير السابق لقطاع الثقافة، أن تدخل السلطات العمومية والمجالس المنتخبة في المجال الثقافي أمر جد طبيعي بل وضروري، مؤكدا على عنصر التنسيق كمقاربة ينبغي أن تعتمد كنهج للتدخل من قبل مختلف المتدخلين، معتبرا أن أحسن وسيلة لتدبير الشأن الثقافي بالمدينة يجب أن يمر عبر إقامة الشراكات سواء مع المجتمع المدني أو منظمي التظاهرات.
واعتبر المسؤول الحكومي السابق أن المجهود الذي يتم القيام به بمدينة سلا على مستوى توفير البيات الثقافية والفنية الضرورية يبقى مهما، لكن لازال ينبغي مضاعفته والعمل علىتجاوز العراقيل التي تحول دون تنزيل عدد من المشاريع على أرض الواقع.
ونبه إلى أن العديد من المساحات التي كان ينبغي أن تخصص لإقامة بنيات ثقافية وفنية يتم تمريرها لمنعشين عقاريين، داعيا في هذا الصدد مسؤولي المدينة إلى الحرص على مصالحها ومصالح الساكنة، فالشأن الثقافي ليس عنصرا هامشيا بل يشكل أساسا وجوهرا لانطلاق الحركية الاقتصادية والاجتماعية داخل أسوار المدينة العتيقة، بل المدينة ككل.

> فنن العفاني

Related posts

Top