فضاؤنا العمومي المشترك

اعتدنا على مشاهدة أفعال ذات طابع خيري، أفعال تدخل في خانة الصدقة الجارية، من قبيل إحضار قربة ماء وغراف ووضعهما في الشارع العمومي بمتناول عابري السبيل دون مقابل مادي.
لا شك أن مثل هده المبادرات، رغم بساطتها، تضفي على الفضاء العمومي المشترك طابعا جميلا، ناهيك عن ميزته الخيرية. غير أن هذا الفضاء في حد ذاته يفتقر إلى الكثير من المقومات التي من شأنها أن تجعله يصلح بالفعل للعيش المشترك.
هناك مبادرات لا تزال تستعصي على مجتمعنا القيام بها، مع أنها ممكنة التحقق. وهي لا تقل أهمية عن قربة الماء المشار إليها آنفا، ومن أي صدقة جارية أخرى.
مبادرات قد تسمح لنا بالقول إننا دخلنا فعلا عصر التحضر، وعيا منا بأن الفضاء العمومي المشترك هو مرآة مواطنيه. حيث لا يكفي أن يكون لنا آخر جيل من الاتصالات الهاتفية على سبيل المثال؛ لندعي أننا متحضرون، فنحن في نهاية المطاف نظل مجرد مستهلكين لا أقل ولا أكثر.
فضاؤنا العمومي المشترك في حاجة إلى النهوض به على عدة مستويات، لكن قبل ذلك من الضروري تحقيق مصالحة بين المواطن المغربي وبين هذا الفضاء في حد ذاته.
لا شك أن هناك العديد من المظاهر التي تؤكد على أن حس المواطنة مفتقد في ما يتعلق بتعاملنا مع الملك العمومي.
هناك عنف ممارس على كل ما يدخل في هذا النطاق:
عنف على عمود كهرباء، عنف على مقعد.. حتى لو كان من حديد، عنف على الشجر، عنف على حاويات القمامات، عنف عنف عنف.. عنف على كل الأشياء التي تمثل المشترك بيننا.
البشاعة والوسخ والتلوث والفوضى وغياب الصيانة.. وما إلى ذلك، هي الميزة التي تطبع الفضاء العمومي المشترك في أغلب مدننا، كما أن غياب شرطة البيئة له إسهام في استمرار هذا الوضع الذي يكرس تخلفنا وتأخرنا.
صحيح أن هناك وعيا بدأنا نلمسه لدى فئات من مجتمعنا بخصوص أهمية العناية بجمالية فضائنا العمومي والحفاظ على مرافقه التي تحمل وظائف متعددة تؤديها لمصلحتنا العامة، غير أنه لا بد من تكثيف الجهود لتربية النشء بصفة خاصة على احترام محيطه.
عندما يتحقق ذلك، يمكن أن نغني هذا الفضاء المشترك بعدة مبادرات، من قبيل: وضع مكتبات في متناول المارة بدون مقابل مادي، يكفي لأي عابر سبيل أن يضع كتابا ويأخذ واحدا بدله، إنشاء منحوتات ونصب تذكارية لأدبائنا ومفكرينا وفنانينا، ابتكار أشكال جميلة للمقاعد العمومية.. إلى غير ذلك من المبادرات والأفكار التي لا نشاهدها عادة سوى في البلدان المتحضرة.
إن الوضع الذي يوجد عليه حاليا فضاؤنا العمومي المشترك، لا يمكن إلا أن يكرس مظاهر العنف والعدوانية، وعيا منا بأن الجمال والعلم والمعرفة تساهم في تهذيب سلوك الإنسان والرقي به، وبالتالي ينعكس ذلك على محيطه ككل.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top