في افتتاح المؤتمر الدولي للقضاة بمراكش بحضور قامات قضائية وازنة وطنيا ودوليا

أوجار: هو ورش الرقمنة أهم الأوراش التي تنكب عليها وزارة العدل

تحولت مدينة مراكش، منذ يوم السبت الماضي، إلى قبلة لكل الأهرامات القانونية والقضائية الشامخة والقامات الفكرية والثقافية التي قدمت من أكثر من 87 دولة من مختلف قارات العالم، إلى جانب حضور رسمي وطني وازن لقامات قضائية، تحذوها رغبة أكيدة في تبادل الخبرات وتقاسم التجارب التجارب وتداول الأفكار والرؤى والتصورات، بمناسبة احتضان المغرب للمؤتمر الدولي للقضاة في نسخته الواحدة والستين، المنظم من طرف الودادية الحسنية للقضاة بشراكة مع الإتحاد الدولي للقضاة، في الفترة الممتدة مابين 14 و 18 أكتوبر الجاري.
وسيناقش المشاركون في هذا المؤتمر العديد من المواضيع ذات الصلة بالأساس، بكيفية التعامل مع الجهات والسلط ووسائل ومواقع التواصل الاجتماعي التي قد يقوم بعضها بالإخلال بالاحترام والاعتبار الواجب للمؤسسة القضائية ويحاول التأثير أو التشكيك في قرارات القضاة، وحدود حرية التعبير والآليات للحد من تدخل السياسي في الشأن القضائي، والاستراتيجيات الملائمة لتدبير جيد للزمن القضائي ولسير إجراءات المحاكم، وكيفية حماية الشهود والضحايا في قضايا الاستغلال الجنسي ومقاومة المنظمات الإجرامية العابرة للقارات، وكذا كيفية تعامل القضاء مع إشكاليات اللاجئين وضمان كرامتهم وصون إنسانيتهم، والتدابير الملائمة لمقاربة إشكاليات الهجرة ومحاربة جرائم الاتجار بالبشر. وتميزت الجلسة الإفتتاحية بإلقاء عدة كلمات، أجمعت على أن احتضان المملكة المغربية للمرة الثانية لأشغال هذا المؤتمر بعد المؤتمر ال 52 الذي انعقد سنة 2009 يعد دليلا على الثقة التي يضعها منظمو المؤتمر في المغرب كوجهة دولية تتمتع بالاستقرار واستقطاب المنتديات العالمية، ولما يحظى به قضاؤه من احترام، وما توليه سلطات هذا البلد من اهتمام لقضايا العدالة، كما تمت الإشادة بالتحول الجد الإيجابي الذي عرفه المغرب في المجال القضائي.

قال مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أمس بمراكش، إن احتضان المغرب للمؤتمر الدولي للقضاة في نسخته الواحدة والستين، يعتبر حدثا استثنائيا متفردا تلتقي فيه أسرة القضاء من مختلف قارات العالم لتتوحد بهذه المدينة من أجل القيم الإنسانية المشتركة، قيم العدالة والحرية والكرامة والأمن و المساواة.
وأضاف في كلمة خلال افتتاح أشغال المؤتمر الدولي للقضاة في نسخته الواحدة والستين المنظم من طرف الودادية الحسنية للقضاة والاتحاد الدولي للقضاة، أن يوم 6 أبريل 2017 كان علامة فارقة ومحطة لتتويج خيارات مغرب يتجه نحو المستقبل بخطى ثابتة ورؤية واضحة وإرادة صادقة من خلال مؤسسة دستورية تعبر عن سلطة قضائية مستقلة، ملزمة ليس فقط، بتدبير الوضعية الفردية للقضاة وتحقيق كافة الضمانات لهم طيلة مسارهم المهني، ولكن من أجل تكريس ممارسات فضلى كسلطة موكول لها ضمان الحقوق والحريات وتكريس الأمن القضائي وتحقيق التطبيق العادل للقانون.
وأشار في الوقت نفسه، أن هذه السنة، شهدت أيضا، لحظة رمزية ساهم فيها الجميع ألا وهي تسليم رئاسة النيابة العامة لمؤسسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، كما تم إحداث خلالها تجربة هامة متفردة تتجسد في إنشاء هيئة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل لتدبير المشترك وتنسيق الجهود وتيسير عمل الجميع خدمة للعدالة والمتقاضين. وشدد فارس، على أن السلطة القضائية كانت وستبقى دائما سلطة معركتها الحقيقية هي سمو الحق وسيادة القانون وصون المكتسبات ومكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله وضمان الحقوق والحريات، ومدخلها الأساسي للنجاح هو تغيير العقليات لتستوعب المستجدات والتحلي بالموضوعية والانكباب على العمل بروح الفريق كل من موقعه ومسؤولياته.
وقال إن هذه “العقليات يجب أن تستوعب بأن القضاة هم من يقودون يوميا معارك من أجل ضمان الأمن والسلم للجميع، ويبذلون الكثير من الوقت والجهد ويضحون بحقهم وحقوق أسرهم من أجل ضمان حقوق الغير وصون حرياتهم”.
وأكد فارس، أن لايمقراطية بدون قضاء مستقل، قوي، كفء ونزيه، وأن القضاة اليوم، أمامهم تحدي تكريس الثقة في ظل عالم متسارع ومفاهيم متغيرة وإشكالات معقدة تثير الكثير من اللبس والغموض تطالب القضاة بالتبصروالتجرد والشفافية، وبتدبير التوازن والتعاون بين السلط ومواجهة التأثيرات المختلفة بكل حزم ويقظة خدمة للعدالة وتجسيدا للقيم والأخلاقيات القضائية، مشيرا في نفس السياق، أن القضاة مطالبون جميعا بالإجابة على تساؤلات كبرى ذات طبيعة تنظيمية وقانونية وحقوقية وأبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وأخلاقية دقيقة ومركبة، وأمام رهان إيجاد عدالة قوية مستقلة مؤهلة ومنفتحة على محيطها الوطني والدولي تواكب كل هاته المستجدات بتفاعل إيجابي وتعاون مع باقي الفاعلين.
من جهة أخرى، ذكر فارس باحتضان المدينة الحمراء للمؤتمر ال52 للاتحاد الدولي للقضاة سنة 2009 ، مبرزا أنه منذ ذلك الوقت تطورت دينامية عمل هذا الإطار القضائي الدولي الكبير وتنوعت أنشطته وازداد أعضاؤه بمختلف القارات.
وأضاف أنه خلال هذه العشر سنوات عرفت السلطة القضائية بالمغرب، أيضا، تحولات عميقة وإصلاحات كبرى جعلت منها نموذجا متفردا وتجربة متميزة في مجال الاستقلال، مشيرا في هذا السياق، بالخصوص، إلى تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حلته الجديدة بعد دستور 2011، وتسليم رئاسة النيابة العامة لمؤسسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، فضلا عن إنشاء هيئة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل لتدبير المشترك وتنسيق الجهود وتيسير عمل الجميع خدمة للعدالة والمتقاضين.
ومن جهته، قال رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، إن القضاة يتعين عليهم استحضار البعد الحقوقي السامي لمبدأ الاستقلال، للتمسك بالاستقلالية في قراراتهم، لإصدار أحكام عادلة ومنصفة تستند للقانون والاجتهاد القضائي الراسخ. ودعا في كلمة خلال افتتاح أشغال المؤتمر ، القضاة إلى استعمال السلطات القانونية المخولة لهم لتحقيق الأمن القضائي وتوفير مناخ الثقة في المؤسسات، مما سيوفر الأجواء المناسبة للاستثمار والظروف المساعدة على زيادة الإنتاج ويتيح ظروف الشغل والاستقرار للساكنة.
وأبرز أن قضاة النيابة العامة بالمغرب يؤمنون بأهمية دورهم في حماية الحقوق والحريات ، وفي مكافحة الجريمة ، وتوفير الأمن واستثباب النظام، حتى ينعم المواطنون بحقوقهم وحرياتهم ، مؤكدا “عزمهم على مواصلة نضالهم من أجل فرض سيادة القانون ، مسلحين بدعم صاحب الجلالة وبما يوفره الدستور والقانون من إمكانيات وآليات ، متشبثين بوحدة السلطة القضائية واستقلالها”.
وشدد عبد النباوي، على أن الاستقلال المؤسساتي الذي حققه الدستور ثم القانون المغربي للقضاء وجعله سلطة دستورية قائمة الذات مستقلة كل الاستقلال عن البرلمان والحكومة، لا يحول دون تعاون السلطات في إطار التوازن، بحيث تتعاون سلطات الدولة الثلاث لتنفيذ السياسات العامة للدولة، وتؤدي كل سلطة واجبها المنوط بها دستوريا بما يكفل سلامة تدبير الشأن العام، في الحدود المرسومة بمقتضى القوانين، وفي مقدمتها القانون الأساسي للمملكة الذي يضمن استقلال السلطة القضائية. وأضاف أن الدستور لم يكتف بضمان الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولكنه أوجد كذلك الآليات المناسبة لضمان الاستقلال الذاتي للقضاة، حيث منع كل تدخل في أحكام القضاة أو التأثير عليهم، ووفر لهم حصانة من النقل والعزل. وأكد على أن هذه الحماية تمتد لجميع القضاة بمن فيهم قضاة النيابة العامة رغم انتمائهم لتسلسل رئاسي يملك فيه كل رئيس السلطة على أعمال مرؤوسيه، ويحق له إصدار تعليمات وتوجيهات إليهم.
أما محمد سعت وزارة منذ بزوغ أولى بشائر الإصلاح إلى التجند الصارم وحشد كل الإمكانيات وتسخير كل الكفاءات وتعبئة كل الطاقات من أجل تنزيل مقتضياته وتعبيد مساره ومواكبة محطاته وفتح مشاريع كبرى على عدة مستويات حقوقية وتشريعية وتحديثية وتجهيزية وبشرية واجتماعية وتواصلية وتنسيقية.
وأضاف أوجار، في الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الدولي للقضاة، أنه على المستوى التشريعي، صدر القانونان التنظيميان المتعلقان بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبالنظام الأساسي للقضاة، بالإضافة إلى القانون الذي انتقلت بموجبه رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
وقد قامت وزارة العدل في هذا الشأن، يوضح الوزير، بتحمل دورها التاريخي في إنجاح الإنتقال السلس والمرن للسلطة إلى مواقعها الجديدة،وتعبأت من أجل مواكبة هذا التحول ماديا وبشريا. كما تم الإشتغال، يؤكد نفس المتحدث، على جملة من المشاريع وعلى رأسها مشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة بالإضافة إلى قوانين ومشاريع قوانين ذات حمولة حقوقية ومجتمعية تنخرط ضمن التوجه العام للمملكة التي اختارت المضي قدما في اتجاه ترسيخ مبدأ احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه دوليا وتكريس دولة الحق والقانون والمؤسسات. ويبقى أحد أهم الأوراش التي تنكب عليها وزارة العدل، حسب الوزير هو ورش الرقمنة، إذ تسعى وزارة العدل، في نظره، إلى التخلي عن كل الدعامات الورقية لصالح الدعامات الإلكترونية وتقديم خدمات العدالة عن بعد بدء من الولوج إلى المحكمة ووصولا إلى الأرشفة الإلكترونية وما يتخلل ذلك من مسار التقاضي أو الخدمات التي تقدمها المحاكم مع حرص الوزارة على توفير الأمن السجلاتي والمعلومياتي والوثائقي.
وأوضح في هذا الصدد، أن المحكمة الرقمية رهان تسعى وزارة العدل إلى تحقيقه في أفق سنة 2021 بعد أن تم إعداد قد التصورات اللازمة بهذا الخصوص والشروع في تنزيل مقتضيات هذا المشروع الذي سيشكل طفرة نوعية على درب الإصلاح، في نظره، وسيعطي سندا قويا لتفعيل الحكامة والنجاعة القضائيين، ويسهل مهمة التواصل ويوفر الكثير من الوقت والجهد، ويتيح فرصا أكبر لتسريع وتيرة البث في الملفات المعروضة على المحاكم.
وفي إطار الجلسة الإفتتاحية دائما، أشاد رئيس الاتحاد الدولي للقضاة كريستوف رينيار، بالتحول ” الجد الإيجابي” الذي عرفه المغرب في المجال القضائي. وقال في كلمة له “إن المملكة المغربية عرفت خلال السنوات الأخيرة ، تحولا جد إيجابي في المجال القضائي، من شأنه تحسين وضعية القضاة وتعزيز استقلالية السلطة القضائية”. وأبرز رينيار أن الاصلاحات التي تبناها المغرب، من ضمنها قرار نقل رئاسة النيابة العامة من وزير العدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، من شأنها ارساء استقلالية النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، مؤكدا على أن “المغرب أضحى نموذجا يحتذى به في الميدان القضائي”.
من جهة أخرى، أعرب رينيار عن عميق قلقه بشأن ما يطال سيادة القانون واستقلالية السلطة القضائية عبر العالم بأسره، مضيفا أن الاتحاد الدولي للقضاة سيستمر في الدفاع عن النظام القضائي المستقل والمحايد، والدعوة إلى حماية القضاة عبر العالم. كما استعرض رينيار، القاضي الفرنسي، وضعية كل من العدالة والهيأة القضائية في العالم، مؤكدا أنه على الدول والمجتمع الدولي التحلي بالصرامة والحزم تجاه الذين يحاولون المس باستقلالية القضاة والسلطة القضائية.
وفي سياق آخر، نوه المسؤول الدولي بانخراط أربع جمعيات في الاتحاد الدولي للقضاة ، ليرتفع عدد أعضاء هذه الهيأة الدولية إلى أزيد من 90 عضوا ، مبرزا أن الاتحاد الدولي للقضاة ملتزم بتحقيق هدفه المتمثل في الاعتراف بالقانون الأساسي الكوني للقضاة والعمل على تقديم المساعدة للقضاة من أجل التكتل ضمن جمعيات.
من جهته، لاحظ الكاتب العام للاتحاد الدولي للقضاة غياكومو أوبيرتو، أن القضاء المغربي عرف، خلال السنوات الأخيرة، اصلاحات جذرية، جعلت من المملكة رائدة على المستوى الإفريقي والدولي في مجال الدفاع عن القضاة وفي إحداث نظام ناجع وعصري.
وبعد أن سجل أن المغرب عزز تعاونه مع المجلس الأوربي، وعلى الخصوص اللجنة الأوربية لفعالية العدالة، من خلال المشاركة في مختلف المبادرات، أبرز أوبيرتو أن الودادية الحسنية للقضاة، التي انضمت مبكرا إلى الاتحاد الدولي للقضاة ( 1963)، تعد إحدى الدعامات لهذه الهيأة الدولية.
أما رئيس الودادية الحسنية للقضاة عبد الحق العياسي، فذكر، من جانبه، بالمسار الحافل لهذه الودادية وبعض المبادرات التي قامت بها والرامية إلى الدفاع عن استقلال السلطة القضائية باعتبار ذلك يعد حجر الزاوية لمدى مصداقية العمل القضائي، مبرزا أن الدستور الجديد للمملكة ارتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة.وأكد العياسي ، أن استضافة المغرب لهذا المؤتمر، يعتبر دليلا آخر على انخراط قضاة المملكة في كل الجهود الرامية إلى الرقي بالسلطة القضائية وطنيا ودوليا.
هذا، وسيتم في إطار هذا المؤتمر تنظيم ندوة دولية حول موضوع ” استقلال القضاء وإرساء الوضعية الكونية للقضاة ” يومه الأربعاء 18أكتوبر الجاري بمشاركة متدخلين وازنين يمثلون منظمات دولية كبرى لمناقشة إشكاليات استقلال القضاء وتحديات تكريس الثقة وتحقيق العدل وخدمة المتقاضين.

Related posts

Top