في انتظار مأسسة التعليم عن بعد

حقيقة أن وزارة التربية الوطنية قامت بمجهود كبير في تدبير توقف التعليم الحضوري واستبداله بالتعليم عن بعد في زمن كورونا، وقد تأتى لها هذا من خلال تسخير الموارد الرقمية المتاحة، وتسجيل الدروس وبثها عبر القنوات التلفزية المغربية وهذا شيء ايجابي يحسب للوزارة المعنية في انتظار مأسسة التعليم عن بعد وجعله أداة يعتمد عليها في استكمال المعرفة وتطويرها بهدف تجويدها والرفع من مردوديتها كرهان لاستشراف المستقبل لا أن تكون فقط أداة لسد ثغرات حالات طارئة أو استثنائية.
لكن ما يعاب على هذا النمط من التعلم عن بعد، هو الطريقة التي قدمت بها جل الدروس حيث اقتصرت على الجانب الإلقائي الأحادي هذا وإن كانت هذه الطريقة معتمدة هي من مميزات المحاضرات الجامعية، فهي لا يمكن أن تكون كذلك بالنسبة للابتدائي والإعدادي والثانوي، لأن أهمية العملية التعليمية تكمن في التجاوب اللحظي بين الأستاذ والتلميذ في تداخل وتجاذب من أجل الفهم والاستيعاب خصوصا إذا علمنا أن القسم، هذا الفضاء الذي يحيط به أربعة جدران، هو مجموعة مترابطة من عناصر يعتمد عليها المعلم في تقييم درجة الارتياح من العملية التربوية ككل.
فنحن نعلم جميعا أن درجة الفهم عند التلميذ إما سريعة أو بطيئة أو ضعيفة. لذا كان من الأجدر أن تقدم هذه الدروس كيفية معالجة المعوقات أو الاختلالات التي يقع فيها التلميذ خصوصا ذلك الذي يحتاج إلى دعم مكثف لاستيعاب مافاته من دروس بطريقة تكفل تكافؤ الفرص للجميع وتحفز على التنافس والتميز لا أن تكون مجرد كفايات جاهزة في نظر المعلم وعديمة الأثر بالنسبة للتلميذ.
لا أريد أن أتكلم عن بعض المعوقات التقنية التي تأثر منها التلاميذ ولو نسبيا، كرداءة الصوت والصورة أحيانا في بث هذه الدروس المصورة أو غيرها. لكن، بالنظر إلى أن التعلم عن بعد، في الظرفية التي أفتتها جائحة كورونا، يبقى تجربة في مخاضها الأول وتطمح إلى أن تتطور مستقبلا إلى الأفضل للرفع من جودة التعليم وجعله رافعة إلى الرقي والصدارة، لا يمكن إلا أن نكون متفائلين في قرارات وزارة التربية الوطنية وفي طاقات بلادنا العزيز.
وتبقى الحكمة مستقبلا لدى كل المتدخلين في الشأن التربوي، هو كيف يمكن الربط بين حاجيات المتعلم وتنمية التعلم الذاتي والمهارات الاكتسابية من جهة، وصقل ذكائه بالنقد والتحليل المندمجين من جهة أخرى، اتجاه هذه الدروس المقدمة عن بعد، والتي كانت تركز أكثر على الانتقائية وعلى المضامين الكمية بدل التعليمات الذاتية واكتساب المهارات الحلولية.

> عبد الصادق أغرابي

Related posts

Top