في حوار مع عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان أجرت بيان اليوم سلسلة من الحوارات مع الفاعلين في الحقل الحقوقي في المغرب، أجمعوا على تحقيق المغرب لمكاسب في هذا المجال مع وجود معيقات ونواقص من الضروري النضال لإزاحتها من أجل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. في هذا الإطار، أجرت بيان اليوم حوارا مع مع عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، ننشر، فيما يلي نصه الكامل.

< تركز الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة «أزطا أمازيغ» اشتغالها على مسألة الحقوق الثقافية واللغوية، فبمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما هو تقييمكم لإعمال هذه الحقوق بالمغرب؟
> بالمناسبة نوجه تحياتنا لكل مناضلي حقوق الانسان عبر التراب الوطني، لصمودهم. فمجال حقوق الانسان ما زال يعيش نوعا من الركود والتقدم المحتشم لغياب استرانيجية وطنية واضحة للنهوض بحقوق الإنسان وتطوير الاليات الوطنية لحمايتها. وبالمناسبة نطرح السؤال حول مآل خطة العمل الوطنية من أجل  الديمقراطية وحقوق الانسان والتي كانت تتضمن مجموعة الاستراتيجية والتدبير للنهوض بحقوق الانسان وحمايتها.

< من وجهة نظركم ما هو مستقبل التعددية اللغوية والتنوع الثقافي في المغرب؟
>  في ظل المؤشرات السلبية، يصعب القول والتكهن ان المغرب ماض في إرساء تعددية ثقافية حقيقية،  ولهذا فان المدخل الأساسي هو اتخاذ جملة من التدابير التي تروم تعزيز التعدد اللغوي، بدءا بمراجعة مشاريع  القوانين التنظيمية  وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وبلورة ميثاق وطني للغات والتنوع الثقافي، نظرا لما سيوفره من ضمانات قادرة على ‏تشجيع وضع سياسات متماسكة تعني باللغات على الصعيدين المحلي والوطني من شأنها أن تمكـّن من ‏فرصة استخدام اللغات الوطنية في المجتمع استخداما ملائما ومتجانسا. هذا مع الحرص على عمل هذه السياسات على الترويج لتدابير ‏تسمح لكل جماعة لغوية محلية باستخدام لغتها الأم في مجالي التعامل اللغوي الخاص والعام، مع تمكين الناطقين بإحدى اللغات المحلية من تعلم واستعمال اللغتين الرسميتين واللغات الأجنبيةـ كما يتعين تشجيع ‏الناطقين بلغتهم الأم، على تعلم لغات البلد الأخرى وكذلك اللغات الإقليمية ‏والدولية. ‏والحرص على الاحترام والإدماج التدريجي للثنائية اللغوية بهدف تحقيق المساواة بينها، مع اتخاذ تدابير تفضيلية بالنسبة للأمازيغية لتدارك التأخر الحاصل في تعلم اللغة الامازيغية وتداولها، مع تشجيع وتحفيز المواطنين(ات) على استعمالها بين أفراد الأجيال الصاعدة. وخلق الاهتمام لدى الجيل الشاب وتنمية روح الاعتزاز بها، وبإحياء اللغة. أما على مستوى المؤسسات، فيجب مضاعفة الجهود في مجالات التعليم والإعلام، والمسرح والسينما والأغنية….الخ، التي تبدلها الدولة في دعم هذا القطاعات الحيوية للنهوض باللغة الامازيغية. ودعم المبادرات الجمعوية والجامعية والمؤسساتية الهادفة الى توثيق وإحياء اللغة الامازيغية، فضلا عن العمل على وضع مناهج دراسية مناسبة ثقافيا ولغويا يحظى فيها تاريخ الأمازيغ ‎ ‎وقيمهم ولغاتهم وتقاليدهم الشفوية بالاعتراف والاحترام والتشجيع.

< هل تنصيص الدستور على الأمازيغية كلغة رسمية، ووضع قوانين تنظيمية تعد آليات كفيلة بضمان إعمال هذا الترسيم على أرض الواقع؟
> الدستور وحده الى جانب مقترحات القوانين التنظيمية لا تمنح الضمانات الكافية لحماية اللغة والثقافة الأمازيغية والنهوض بها، وهذا نتاج المنهجية الإقصائية والتحكمية المعتمدة في إعداد مسودات مشاريع القوانين التنظيمية السابقة، فإقصاء الجمعيات ذات الخبرة ساهم بشكل كبير في هزالة وضعف المقترحات والمشاريع التي عرضت على المجلسين الوزاري والحكومي، وهو أمر مقصود حتى يتم التحكم في مخرجات اللجن، ويضمن للحكومة قوانين على مقاسها وتنسجم مع مواقفها الإيديولوجية الضيقة.
من هذا المنبر ندعو الى ضرورة اعتماد مبدأ التمييز الايجابي الذي أوصت به اللجنة الأممية مِؤخرا لأن ما لحق اللغة الأمازيغية من طمس وتهميش منذ عقود يحتاج إلى عمل وطني كبير لتدارك ما فات وهو ما سينعكس ايجابيا على بلادنا سياسيا وثقافيا وتنمويا، كما أن مراجعة تلك المشاريع أصبح ملحا حتى يوفر آليات فعالة لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد الامازيغية. والى جانب ذلك لابد من إحداث مؤسسة أو مؤسسات وطنية قوية ومستقلة تعنى بالأمازيغية، ذات اختصاصات واضحة في وضع السياسات العمومية في هذا المجال، خاضعة لمعايير ومبادئ إعلان باريس للمؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان. والتي تتلخص في مبدأ الاستقلالية الذي ينبغي أن يضمن بواسطة قانون أساسي أو الدستور، الاستقلالية عن الحكومة، ثم مبدأ التعددية، بما في ذلك التعددية في العضوية، وإعطائها صلاحيات واسعة ترتكز على المعايير العالمية لحقوق الإنسان، فضلا عن سلطات وموارد كافية.

< أعدت الحكومة في الولاية السابقة، مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، ومشروع القانون الخاص بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، اللذين صودق عليهما في آخر مجلس وزاري، ألا يعتبر ذلك وفاء بالالتزامات التي كانت قد أعلنت عنها في المخطط التشريعي؟
> نعتبر إصدار القوانين التنظيمية مهاما من صلب المسؤولية التشريعية للحكومة والبرلمان، ودعواتنا إلى بلورة قوانين تنظيمية دون تأخير أو مماطلة، ينخرط في استكمال تفعيل مقتضيات الدستور الجديد. ولكن للأسف فمضامين المشروعين لا ترقى الى مستوى تطلعات وانتظارات الحركة الامازيغية والحركة المدنية بشكل عام.
إن أزطا أمازيغ سبق وعبر عن موقفه الرافض للتصور المؤطر للقانونين التنظيميين الذي لا يطمح إلى تحقيق التغيير الجوهري المنشود على مستوى السياسة اللغوية والثقافية، ويرهن مستقبل الأمازيغية  بترسيم شكلي وغير عادل يكرس التمييز، وفق أجندة زمنية مرتبكة، مما يؤكد على عدم جدية الدولة في تقديم الإجابة السياسية الكفيلة بإنصاف الأمازيغية، وترجمتها في خطوات واضحة وذات أساس واقعي وعقلاني.
أولا، طريقة التعامل مع الملف ومع الحركة الامازيغية مازال محكوما بنوع من التعالي،حيث يتم نهج منهجية إقصائية وتحكمية في إعداد مسودات مشاريع القوانين التنظيمية. وهو ما رفضناه وكان وراء مقاطعتنا لآلية التشاور الاليكترونية عبر البريد الاليكتروني لرئاسة الحكومة.
ثانيا؛ المشروع يكرس التيه التشريعي، حيث أصبحت الخريطة التشريعية عبارة عن متاهة كبرى، حيث كرس مشروع القانون التنظيمي المزيد من الللبس والتعقيد في الخريطة التشريعية، حيث أنه أحال على قوانين او مخرجات مؤسسات أخرى(مجلس النواب، المجلس الأعلى للتعليم…)، عوض ان يقوم بالحسم في العديد من القضايا ويرسي التوجهات العامة لسياسة الدولة في هذا المجال، مادامت تلك القوانين والمؤسسات سبق لها وأن أحالت عدة إشكالات الى هذا القانون.
ثالثا؛ الأجندة المقترحة في المشروع غير مقنعة ولا تنبثق عن رؤية استراتيجة لتدبير ملف الأمازيغية واشكالات إرساء الثنائية اللغوية الرسمية بالبلاد، ما يعكس اننا بصدد تعاطي سطحي مع مسألة الادماج الحقيقي والمنصف للامازيغية لغة وثقافة وحضارة، كما انه يعكس خلطا متعمدا بين اللغة الامازيغية المعيارية والتعابير او اللهجات الثلاث.
رابعا، عدم استشراف المشروع لآليات العمل إلى جانب اقصائه وتقزيمه للمؤسسة الوحيدة الني تعنى باللغة والثقافة الأمازيغيتين » « IRCAM، يضعف الضمانات المؤسساتية لبلوغ الأهداف المتوخاة؛ ويغيب الآليات المؤسساتية للتنسيق وإعداد السياسات العمومية ذات الصلة بعملية الادماج وكذا بتتبعها وتقييمها، وتنفيذ السياسات ومخططات العمل بخصوص عمليات الادماج  في مختلف القطاعات، سيحول دون تحديد واضح ودقيق للاختصاصات والمسؤوليات ما ييتح إمكانيات وفرص للتملص من المسؤولية والمساءلة. خاصة وأن تدبير الملف يتطلب تنسيقا بين عدة قطاعات حكومية، وهو امر مستعصي في ظل ضعف الالتقائية بين مختلف المكونات.
كما أكدنا على استمرارنا في أزطا أمازيغ في التصدي لكل أساليب الاحتواء والاستيعاب اتجاه المطالب الأمازيغية عبر تقديم أنصاف الحلول؛ التي لا تعني سوى القبول بالموت التدريجي للغتنا. وإصرارها على مواصلة مسارها النضالي والترافعي حتى تحقيق الإنصاف الكامل للأمازيغية.

< أثيرت في العديد من المرات إشكالية الأسماء الأمازيغية بالنسبة للمواليد الجدد، هل تم تجاوز هذه المسألة، وأصبحت غير مطروحة بالمرة، أم لازالت تسجل بعض الحالات، (ماهي المناطق التي سجلت بها)؟
> بالنظر إلى تعدد الحالات التي عرضت علينا من طرف المواطنين سواء داخل المغرب او خارجه، خلال السنة الحالية بخصوص منع تسجيل الأسماء الشخصية الأمازيغية والتي تمس الحق في الشخصية القانونية والحق في الهوية، وهذا الأمر يسائل الحكومة  وباقي المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الانسان حول مدى التزامها بمقتضيات دستور 2011، الذي يقر في ديباجته بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وبتنوع أبعاد الهوية المغربية، وفي فصله الخامس على دسترة اللغة الأمازيغية لغة رسمية،  والتعهدات التي التزمت بها الدولة المغربية أمام المنتظم الدولي أثناء مناقشة تقريرها الدوري، أمام اللجنة الأممية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في شهر شتنبر2015، خاصة فيما يتعلق بضمان حق المواطنين الأمازيغ في حق اختيار وتسجيل أسماء الشخصية الأمازيغية،
ومن هذا المنبر نجدد في أزطا امازيغ مطالبنا بتنفيذ الالتزامات الدولية للمغرب في مجال احترام حقوق الإنسان كاملة دون أي تجزيء لها، ومنها التوصيات الصادرة عن اللجنة الأممية الخاصة بمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري، واللجنة الأممية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تدعو فيها اللحن الأممية صراحة إلى احترام جميع الحقوق الضامنة للكرامة ومنها حق اختيار وتسجيل الأبناء بأسماء امازيغية دون قيد أو شرط. والى إلغاء كافة القوانين والتشريعات المكرسة للتمييز العنصري بالمغرب. و تبني سياسات عمومية وطنية من شأنها تجاوز المعيقات السياسية في تفعيل مضامين الدستور  ذات الصلة بمجال الأمازيغية.

< منطقة شمال إفريقيا التي تتميز عدد من دولها بوجود ساكنة أمازيغية، شهدت أحداث عنف بارتباط مع ما سمي بالربيع الديمقراطي، وصعود تيارات سياسية لاتنتصر في غالب الأحيان للتعددية اللغوية والدينية، ما هي الخطوات التي تعتزمون القيام بها للنهوض بمستقبل للتعددية اللغوية والتنوع الثقافي؟
> تعتبر منطقة شمال افريقيا من بين المجالات التي باتت تعرف العديد من التوترات السياسية والاجتماعية، ومن وجهة نظرنا فالامازيغية كمنظومة قيم ومؤسسات اجتماعية ساهمت عبر التاريخ في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي بالمنطقة، كما أنها كانت ضامنة للتعايش الثقافي والديني والعرقي، ومن شأنها ان تلعب نفس الأدوار في المرحلة الراهنة.
وبالنظر إلى المناطق الأمازيغية بكل من ليبيا والجزائر نجد أن تلك المناطق هي الت كانت مجالات تحضى بالأمن والاستقرار في ظل الصراعات والحروب التي عاشتها وتعيشها تلك البلدان، كما أن الأمازيغية كلغة كانت وعاءا ثقافيا حاميا للدين من التطرف والغلو الذي اجج هذه الصراعات والحروب الاهلية.
ودعوتنا الى إعادة النظر في السياسات اللغوية والثقافية في المنطقة مما سيساهم بشكل كبير في إعادة الاستقرار والأمن، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة ككل، كما أن في أزطا أمازيغي من هذا المنبر ندعو دول شمال افريقيا الى  الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية ذات الصلة بالحقوق اللغوية والثقافية، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفق المعايير والمبادئ التوجيهية لماستريخت وليمبورغ المتعلقة بانتهاكات الحقوق الاقتصادية والثقافية، والاعلان العالمي للتعدد اللغوي والتنوع الثقافي…الخ.
كما أنها مطالبة بإحداث قطاعات حكومية توفر البيئة الملائمة للتأسيس والعمل الهادف والبناء بشراكة مع منظمات المجتمع المدني وبتشاور معها. وسن تشريعات قانونية منظمة للحقوق الثقافية وفق مبادئ الحرية والمسؤولية واحترام الكرامة الإنساني. إضافة الى وضع استراتيجية لدعم المجتمع المدني وتمكينه من لعب أدواره في التمكين من المشاركة الثقافية والتربوية.
كما ان الجمعيات والمنظمات المدنية اليوم مطالبة بتعزيز سبل وآليات التشبيك الجمعوي من أجل تضافر الجهود، وتكامل اجتهاداتها وتفاعل مبادراتها من أجل تعزيز وتوسيع التعاون والتضامن وتقوية وتطوير مقومات ومؤسسات التنمية الإنسانية المستدامة. الى جانب، إنشاء مرصد للحقوق الثقافية لتحديد المؤشرات التي تمكن من قياس درجة احترام هذه الحقوق، والمعوقات التي تواجه تطبيقها وتفعيلها في المنظومة التشريعية بهدف تأهيل المناخ الدستوري والقانوني لتعزيز الحقوق الثقافية ودسترها.

< ما هي انتظاراتكم كشبكة تشتغل على الحقوق الثقافية، اتجاه الحكومة القادمة في هذا الجانب الذي يهم التعدد اللغوي والتنوع الثقافي؟
> يصعب التكهن بمستقبل الأمازيغية في ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل الحكومة نفسها، مرت شهرين على الانتخابات التشريعية ل07 أكتوبر 2016، ولحدود الساعة، وبناءا على ما واكب عملية ومسلسل تشكيلها من أخبار واشاعات وبيانات وبيانات مضادة، لا يمكن الخوف على مستقبل الأمازيغية فقط بل على مستقبل الديمقراطية بالبلاد ككل.
 ما يقع اليوم، يفرض علينا طرح العديد من التساؤلات، حول مدى الجدية في التعاطي مع كل القضايا المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الانسان.  وبالمناسبة ندعو الحكومة المقبلة والبرلمان المنتخب حديثا إلى التفاعل الايجابي مع بعض المبادرات الجدية والجادة التي تقدمت بها لهم، وعلى وجه الخصوص مشروع القانون التنظيمي الذي أعدته أزطا أمازيغ بخصوص تفعيل الفصل الخامس من الدستور، كمقترح/مشروع القانون التنظيمي الخاص بآليات إعمال الطابع الرسمي للأمازيغية، والمذكرة الخاصة بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والمذكرة الخاصة بإدماج الأمازيغية في الجماعات الترابية…الخ. كلها كانت مبادرات قوية وذات قيمة علمية نظرا للمنهجية التي أعدت بها وحجم ونوعية الفاعلين والخبراء المشاركين(ات) والمساهمين في مختلف الأوراش واللقاءات، والمنتديات التي نظمت لهذه الغاية.
 أجرت الحوار :  فنن العفاني

Related posts

Top