في رثاء الراحل العربي بابا هادي

غادرنا يوم السبت الماضي، إلى دار البقاء، الأستاذ والدكتور والفنان الكبير العربي باباهدي، ووري جثمانه الترى بعد صلاة الجنازة عصر يوم الأحد 13 يناير 2019 بمسجد حي السلام باكادير.. وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم القسم الثقافي لهيئة تحرير بيان اليوم بالتعازي الحارة إلى أسرة الفقيد الكبيرة والصغيرة راجين من العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنانه ويلهم ذويه وأصدقاءه جميل الصبر والسلوان..  

«إنني عدت من الموت لأحيا…»… لو جاءت هذه الجملة الشعرية على لسان طفل اسمه العربي سنة 1960 لتحولت إلى جملة حقيقية مطلقة.. إذ ولمدة يومين وهو يقاوم الموت تحت الأنقاض هنا بتلبرجت إلى درجة أن الأحجار تعاطفت معه وانخرطت في الصراخ… لذلك كان الأمر طبيعيا أن يكون الطفل الذي كبر تحت اسم الدكتور / الفنان العربي بابا هادي.. أن يكون وفيا لتلك الأحجار ويعنون آخر إصداراته «صرخة حجر»* من جنس السيرة الذاتية بأسلوب الحكي المصور بنفس تراجيدي ساخر..
بابا هادي وداعا..
وداعا بابا هادي..
وداعا بابا هادي..
وداعا بابا هادي..
نعم كانت الأحجار صائبة في تضامنها لأن العائد من الموت…عاد ليحيا ويغني ويبدع ويكتب ويؤطر …
عاد إلى طلابه كمكون للأساتذة بأسلوب تربوي يعتمد قاعدة الحب والاحترام مع طلاب الصف كمدخل للتكوين المعرفي، وهو من أوائل الحاصلين بالمنطقة على الدكتوراه في اللغة الفرنسية بالخارج….
عاد لكي يعيد رسم الحياة كما يراها كلوحة تشكيلية تتقاطع فيها كل عناصر الجمال والضوء والأمل.
عاد لكي يعيد الحياة نفسها إلى جذوره الثقافية واللغوية.. ألم يكن الكتاب الذي ألفه عن الرايس الحاج بلعيد وهو يصارع الورم الخبيث وسيلة للعودة مرة ثانية إلى الحياة؟..
لقد عاد إلينا جميعا كموهبة متعددة المشارب والاهتمامات ولعل القليل منا من يعرف أن الأستاذ بابا هادي يتقن العزف على الأوتار بموال الأطلس أو الكناوي.
وهو العائد، أراه يتأمل ويتابع بوادر تأسيس مهرجان للحي / للمدينة.. يتذكر كل محاولاته السابقة بداية الثمانينات لتأسيس مهرجان كناوة بالمدينة قبل أن يسفّر إلى جهة أخرى… وتلك حكاية أخرى تحرج بشكل كبير بعض الأدوات المحلية…
تلك حكاية أخرى… وحكايات كما تقول دائما نتركها للتاريخ…
عدْت أستاذي لتعطي للحياة معنى.. وأدركت منذ زمان أن المرء لا يكون حيّا لمجرد أنه يتنفّس، لذلك لا تترك كل صباح يمر دون أن تلقي نظرة على قلبك… كي تعثر على الجمال فيه… بداية طقوسك اليومية وأنت تؤمن بأن الصلاة بقلب حاقد لا تجوز…
هو قلبك الذي انكسر مرات تلو المرات ولم ينقبض… بل سر انفتاحك وإلهامك..
ولم تقعد وتنتظر بل انطلقت إلى الخارج كي تشعرنا بالحياة.. باللون كما الرسم… بالحركة كما الإيقاع… تدعونا إلى أن نمزق أقنعتنا… حتى نرى وجوهنا جميلة… كي تقنعنا بأن من يسعى إلى الحب لا يهرب من ذاته…
ها أنت أيها المسافر الآن… لم تودعنا لأنك وزعت قلبك على كل المنازل…
لم تودعنا… لأن العاشق للناس بروحه وقلبه… لا انفصال…
أنت كأنت أستاذي.. لقد بصمتنا بحبك…
وهكذا… وإلى الأبد.

* أصدر الأستاذ الجامعي والفنان الراحل العربي بابا هادي كتابا بعنوان «صرخة الأحجار» يحكي فيه قصته تحت الأنقاض مع زلزال أكادير الشهير سنة 1960 بحي تالبورجت، وخلال الدورة الأولى لمهرجان تالغيتارت الدولي (فبراير 2018)، قدم الراحل هذا الكتاب في جلسة ثقافية بمقر جمعية إيزوران بحي تالبورجت.

> بقلم:  يوسف غريب 

Related posts

Top