في طنجة

 يمكن اعتبار مدينة طنجة محظوظة في ما يخص وفرة فضاءات العرض السينمائي: سينما روكسي، سينما غويا، المركب السينمائي ميغاراما.. واستقبال أكثر من مهرجان سينمائي هام: المهرجان الوطني للفيلم، مهرجان الفيلم القصير المغربي، مهرجان الفيلم القصير المتوسطي.. وكل هذه المهرجانات يسهر على تنظيمها بحرفية المركز السينمائي المغربي، وطبعا هناك مهرجانات سينمائية أخرى، مثلما أن هناك فضاءات عرض أخرى للأفلام السينمائية، قد أكون سهوت عن ذكرها.

 هذه الحظوة لا تتمتع بها أغلب المدن المغربية، سيما إذا علمنا أن الكثير من هذه المدن لا تتوفر على أي قاعة سينمائية، مع أنها تعد من المدن الكبرى، ولعل المفارقة التي يمكن إدراجها في هذا السياق هي حالة مدينة وارزازات التي يتم بها تصوير عدة أفلام سينمائية عالمية كل سنة، دون أن يجرؤ أي مستثمر على أن يبني بها ولو قاعة سينمائية واحدة.
  وجه مدينة طنجة يتغير سنة بعد أخرى، مع ذلك فإن الجانب الثقافي لا يندثر بها، وهذا شيء طبيعي، لأنه متجذر فيها، وليس شيئا طارئا، يكفي التذكير بأن العديد من الأدباء والفنانين العالميين أقاموا بها وخلفوا أهم إنتاجاتهم الأدبية والفنية.
 هناك مكتبات تستحق الزيارة، بالنظر إلى قيمة ما تعرضه، خاصة في محيط شارع باستور، هناك أكثر من مركز ثقافي دائم الحركة، وبالرغم من أن سكان هذه المدينة يبدون زاهدين في تلقي الأنشطة الثقافية، وغالبا ما تسرقهم مقابلة في كرة القدم بالبطولة الإسبانية من عالم الثقافة الذي يؤسس له أكثر من فضاء في المدينة، بالرغم من ذلك فإننا لا نعدم حضورا للكثير من  الشغوفين بما جد من أنشطة ثقافية، سواء في مجال السينما أو الأدب أو التشكيل أو غير ذلك.
 العديد من المطاعم تحرص على الحفاظ على جودة ما تقدمه من أطعمة، وحسن خدمة الزبناء، غير أن الملاحظة السلبية التي يمكن تسجيلها على المقاهي بالخصوص هو ارتفاع أسعار مشروباتها، هناك أسعار مبالغ فيها، مع ذلك فلا يمكن لك أن تقوى على الامتناع عن شرب كأس شاي طويل بالنعناع، سواء صباحا أو مساء.
 وجه الشريط الساحلي تغير بشكل جذري، حيث تمت العناية بمرافقه، وتم إغناؤه بفضاءات ترفيهية، كما تم تخصيص مساحة وافية للخضرة، واستغلال التحت أرضي لموقف السيارات.
 إن مدينة تحظى بهذه الدرجة من الاهتمام بما هو ثقافي وترفيهي، لا يمكن تصورها إلا مدينة نظيفة ومتحضرة، وهذا لمسته بنفسي سواء خلال الزيارة الأخيرة لها بمناسبة مهرجان الفيلم القصير المتوسطي، أو خلال زيارات سابقة بدون مناسبة، حيث أن عمال النظافة منتشرون بشكل جيد في مختلف جهات المدينة، وليس هناك تمييز بين هذا الحي أو ذاك، كما هو حاصل في بعض المدن حيث تتمتع الأحياء الراقية بحظوة أكبر في مجال الخدمات الاجتماعية.
 الشيء الثاني الذي ينم عن تحضر سكان هذه المدينة، يكمن في الاحترام التلقائي لممرات الراجلين، من طرف مختلف السائقين، قد نخجل نحن سكان المدينة التي لا يقام فيها اعتبار لهذا الجانب، حين يترك لنا السائق فسحة المرور حتى لو لم تكن هناك أي إشارة مرورية.
 أستنتج من كل ذلك أن العناية بما هو ثقافي، لا يمكن أن إلا أن ينعكس بشكل إيجابي على فضاء المدينة وعلى سلوك سكانها معا؛ فلنأخذ العبرة.     

عبد العالي بركات

الوسوم ,

Related posts

Top