في لقاء حزب التقدم والاشتراكية مع أعضاء اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد

دعا محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إلى إحداث مجموعة من القطائع التي وصفها بـ “المهمة”، والتي تحول دون بناء دولة الحق والقانون وتكافؤ الفرص.
وأكد الأمين العام الذي كان يرأس وفدا من الديوان السياسي لحزب “الكتاب” في اجتماع له مع أعضاء اللجنة الملكية الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، يوم الجمعة الماضي، على أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لجائحة كورنا المستجد، تقتضي بالضرورة إعادة ترتيب أولويات السياسات العمومية، واضطلاع الدولة بأدوار جديدة على مستوى التوجيه والضبط والتدخل المباشر في مجال توفير خدمات اجتماعية أساسية جيدة وضمان الولوج إليها، وكذا في مجال الأنشطة الإنتاجية ذات الطابع الحيوي، والاستراتيجي، مع التأكيد على الدور الذي يمكن أن يلعبه قطاع خصوصي منتج وناجع، مسؤول اجتماعيا وبيئيا.
وقال نبيل بنعبد الله، في معرض إجاباته على أسئلة أعضاء اللجنة “إنه لا يمكن لأي نموذج تنموي أن يتحقق دون القيام بمجموعة من القطائع المهمة التي تحول دون بناء دولة الحق والقانون وتكافؤ الفرص، وفي مقدمة ذلك القطع مع اقتصاد الريع، ومع الفساد والاحتكار والمنافسة غير المشروعة، والحد من نظام الاستثناءات وإخضاعه إلى معايير جديدة لفائدة المقاولة الصغرى والمقاولين الشباب”، مؤكدا على أن حزب التقدم والاشتراكية لديه رؤية واضحة في الجانب الاقتصادي، وهي رؤية جديدة ومتجددة.
وأشار بنعبد الله إلى أن تأكيد حزبه على أهمية ومحورية الاستثمار العمومي لا تعني أن هذا الأخير قادر لوحده على حل كل الإشكالات، لكن في الوقت ذاته، يضيف المتحدث، لا يمكن الحديث عن التمنية دون تعزيز الاستثمار العمومي واعتماد مقاربات مالية وميزاناتية وجبائية متجددة ومرنة، ودعم المقاولة الوطنية والحفاظ على مناصب الشغل في إطار ميثاق اجتماعي، والعمل على تحقيق تموقع جديد لاقتصاد البلاد، وتعزيز مؤهلاته في مهن المستقبل.
وفي موضوع ذي صله، أكد محمد نبيل بنعبد الله على أهمية تعزيز وإحداث آليات عمومية للمساهمة في تمويل المشاريع التنموية الكبرى، ومنها صندوق استثماري عمومي مهمته الأساسية المساهمة في رأس مال عدد من المقاولات الصناعية، بهدف تعزيز السيادة الصناعية الوطنية، مشيرا إلى أنه عندما يقول حزب التقدم والاشتراكية باعتماد سياسة التصنيع، فإنه يعي جيدا بأن ليس هناك نموذج مثالي يمكن استيراده والاقتداء به، لكنه، في الوقت ذاته، يؤكد على ضرورة إعادة النظر في المقاربة الشمولية في هذا المجال، على اعتبار أن التصنيع الذي يدعو إلى بلورته حزب الكتاب، هو التصنيع القادر على خلق قيمة مضافة، واستعمال التكنولوجيات الدقيقة، بالإضافة إلى تشجيع استهلاك المنتجات الوطنية.
وبما أن حزب التقدم والاشتراكية يدرك جيدا حجم الآثار السلبية التي ستخلفها الجائحة، خاصة على الفئات التي تعيش في وضعية هشاشة، والتي كشفت هذه الجائحة عن حجمها الحقيقي والذي يصل إلى حوالي 25 مليون مواطن ومواطنة، أكد محمد نبيل بنعبد الله على ضرورة القضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية، وإقرار دخل حد أدنى للكرامة بالنسبة للفئات التي لا تتوفر على دخل، من خلال توحيد برامج الدعم الاجتماعي وإخراج السجل الاجتماعي الموحد، بالإضافة إلى تفعيل التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة لجميع الفئات المهنية، وإقرار دعم استثنائي خاص بالفلاحين الصغار، وتعميم الحماية الاجتماعية الشاملة على جميع الفئات والمهن، في أجل لا يتعدى خمس سنوات.
وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ضرورة تعزيز الحياة الديمقراطية والبناء المؤسساتي، وتفعيل مقتضيات دستور 2011، وذلك بأن تلعب كل مؤسسة أدوارها الأساسية، ليس فقط الأحزاب السياسية، بل أيضا الحكومة والبرلمان ومؤسسات الحكامة، مشيرا إلى أنه بدون مؤسسات قوية، وبدون ديمقراطية لا يمكن لأي نموذج تنموي أن يتحقق.
وبخصوص مآل ومصير وثيقة النموذج التنموي بعد بلورتها من طرف اللجنة الخاصة، قال زعيم التقدميين المغاربة، “إذا لم يكن هناك جو ديمقراطي حقيقي، ولم تكن هناك حكومة قوية تمارس صلاحياتها المنصوص عليها في الدستور، فلن نصل إلى أي شيء، لأن الحكومة في نهاية المطاف هي التي ستفعل مخرجات النموذج التنموي الجديد”، مشيرا في الوقت ذاته، إلى أن بعض القضايا والتوجهات الكبرى يمكن أن تشكل موضوع توافق بين مختلف الفرقاء السياسيين، ويمكن أن تشكل الوثيقة في مجملها، إطارا مرجعيا، لكن ذلك لا يعني، يضيف الأمين العام، إلغاء المنافسة السياسية، وإلغاء التعددية السياسية، مما يفرض، بحسبه، ضرورة إعادة الاعتبار للعمل السياسي، لأنه لا يمكن لأي مشروع تنموي أن ينجح دون ذلك، ودون إخضاع كل الاختيارات للمحاسبة، وأن من يقوم بذلك هم الأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن الدول الديمقراطية، تعتمد على طاقاتها السياسية وعلى الصراع السياسي الشريف عبر الانتخابات الشفافة.
وتأسيسا على كل ذلك، دعا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إلى الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية، ورفع اليد عنها، وضمان استقلالية القرار الحزبي، والكف أيضا عن التدخل في وسائل الإعلام، وتوسيع مجال الحريات، واعتبار الديمقراطية شرطا لازما، دستوريا وعمليا، للتنمية، وتفعيل المسؤولية السياسية للحكومة طبقا للدستور، والانكباب الفعلي على مشاريع الإصلاح، مشيرا إلى أنه إذا لم يكن هناك حقل سياسي في مستوى دستور 2011، فلن يكون هناك أي تفعيل للدستور وسيبقى مجرد نص كباقي النصوص.
وعبر محمد نبيل بنعبد الله عن رفضه تعديل الفصل 47 من الدستور، مشيرا إلى أنه من غير المقبول أن نسير ضد اختيار الشعب المعبر عنه من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وأن في ذلك عودة إلى الوراء، وستكون له تداعيات جد سلبية على مسار البناء الديمقراطي، وذلك في إشارة إلى بعض الأطراف السياسية التي سبق ودعت إلى تغيير الفصل السابع والأربعين من الدستور لفسح المجال أمام تعيين رئيس الحكومة من حزب آخر غير الذي فاز بالانتخابات.
يشار إلى أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، استمعت خلال هذا اللقاء الثاني من نوعه، إلى مقترحات حزب التقدم والاشتراكية على ضوء المستجدات التي أفرزتها جائحة “كوفيد – 19” بانعكاساتها السلبية العامة على كافة المجالات.
وكان حزب التقدم والاشتراكية قد قدم للجنة الخاصة وللرأي العام الوطني مذكرة، في بداية العام الجاري، تتضمن اقتراحاته الخمسين بخصوص النموذج التنموي البديل، والتي تقوم على خمسة مداخل ومرتكزات محورية هي: وضع الإنسان في قلب العملية التنموية؛ نمو اقتصادي سريع ومضطرد؛ تحسين الحكامة، إصلاح القضاء، وضمان مناخ مناسب للعمل والأعمال؛ البعد القيمي والثقافي والمجتمعي؛ ثم الديمقراطية لحمل النموذج التنموي.
وهي المذكرة التي تعززت مضامينها من خلال وثيقةٍ ثانية هي “ما بعد جائحة كورونا: مقترحات حزب التقدم والاشتراكية من أجل تعاقد سياسي جديد”، والتي أنتجها الحزب، في بداية شهر يونيو الفائت، إسهاما منه في استشراف الحلول الوطنية لمعضلات ما بعد جائحة كورونا.
وتأسست هذه الوثيقة الاقتراحية على ثلاثة أجزاء مترابطة ومتلازمة، وهي بلورة مخطط اقتصادي للإنعاش؛ والقضاء على الهشاشة والفقر وإعمال العدالة الاجتماعية والنهوض بالثقافة والإبداع، بالإضافة إلى تعميق المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي.
ويأتي هذا اللقاء في إطار تعميق اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد لأشغالها ضمن سلسلة جديدة من جلسات الاستماع والتشاور مع مختلف الفاعلين من أجل تقوية مقاربتها التشاركية الرامية إلى البناء المشترك للنموذج التنموي، أخذا بعين الاعتبار تداعيات الأزمة الناجمة عن تفشي وباء كورونا.

> محمد حجيوي
تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top