في ندوة نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني بسلا حول قضايا وانشغالات المجتمع

 

قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إن “المغرب اليوم يعيش في حيرة، وأن الواقع المر هو أن جميع الأوساط تعيش في ظل هذه الحيرة”، مشيرا إلى أن هذه الحيرة تخترق كل الفئات وكل الطبقات من رجال الأعمال إلى الطبقة الفقيرة مرورا بالطبقة الوسطى وفي كثير من أوساط الرأي والفكر والثقافة.
وأعرب محمد نبيل بنعبد الله، في اللقاء المفتوح الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، أول أمس الأربعاء بسلا، والذي استضاف أيضا، نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، (أعرب) عن أسفه لما يعرفه الواقع المغربي بعد الطفرة التي شهدها بداية الألفية الحالية، مقارنة مع ما كان عليه الأمر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن التحول الذي عرفه المغرب في بداية الألفية الحالية مكن من تحقيق العديد من المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحقوقية.
وعوض أن يحافظ المغرب على نفس الوتيرة، قال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، “بدأ التراجع عن هذا المسار بدء من سنة 2007 وماتلاها سنة 2009، حيث إن هناك من روج للخطر المرتبط بالمرجعية الدينية، وأن الموجود من الأحزاب غير قادر على مواجهة مدها، وبالتالي هناك حاجة إلى الجديد”.
وأكد بنعبد الله على ضرورة البحث من داخل اليسار على إيجاد الصيغ الكفيلة بإثبات الذات الحزبية والسياسية، وإعادة اليسار المغربي بقيمه وأفكاره إلى قلب المعادلة السياسية، لأنه ينبغي الصمود أمام ما يجري، وأن يتجاوز اليسار المغربي كل خلافاته التي اعتبرها ثانوية، مشيرا إلى أن الغاية الفضلى هي بناء الدولة الديمقراطية بمؤسسات قوية وبسلطة تنفيذية قوية، مع حفظ مكانة ودور المؤسسة الملكية، والأهم أن تكون عندنا حكومة تحكم بأحزاب قوية ومستقلة، وتحظى بثقة الشعب.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن من بين المهام الأولى لليسار المغربي، هو العودة إلى الساحة الفكرية، وفسح المجال للمفكرين والباحثين من أجل التعبير عن أراء ومواقف يسارية وتقدمية، مشيرا إلى أن هذا الأمر أصبح شبه منعدم، ويشكل مظهرا من مظاهر تراجع الفكر اليساري، وعلى الجميع أن يقر بذلك.
واعتبر نبيل بنعبد الله أن الخطاب القائل بأن الأحزاب هي الطامة الكبرى وأنها لا تتحمل مسؤوليتها، وهو الخطاب الذي بات يغزو بعض الإذاعات الخاصة، بـ “الخطير” و”المهدد لأي بناء ديمقراطي”، داعيا إلى الكف عن ترويج هذا النوع من الخطاب الذي يبخس الأحزاب السياسية، ملفتا الانتباه إلى كثرة المحليين السياسيين، الذين يلبسون كل محاولة فاشلة بالأحزاب السياسية، وأن باقي المستويات لا يأتيها الباطل، بما فيها بعض القطاعات الحكومية، التي لا يجرؤون على انتقادها والاقتراب منها.
واستغل نبيل بنعبد الله فرصة السؤال حول موقفه من استقلالية النيابة العامة، ليذكر بالنقاش الذي كان يدور داخل الحكومة التي كان يرأسها عبد الإله بنكيران، حول هذا الموضوع، مشيرا إلى أن حزب التقدم والاشتراكية كان هو الحزب الوحيد من داخل الحكومة، الذي طرح الإشكالات الكبرى التي يمكن أن يطرحها موضوع استقلالية النيابة العامة، وطالب من جميع الفرقاء التفكير مليا في الموضوع، خاصة في ظل الواقع المغربي وحتى في بعض الدول الأخرى، حيث أدت هذه العملية إلى ممارسات غير سليمة ولا علاقة لها بالممارسة الديمقراطية، وأضاف أن العديد من الأطراف كانت متفقة مع موقف حزب التقدم والاشتراكية لكنها لم تجرؤ على أن تجهر بذلك للعموم.
وأعرب زعيم التقدميين المغاربة، عن أمله في أن تبين تجربة استقلالية النيابة العامة، التي هي في الجوهر مبدأ ديمقراطي سليم على مستوى التدبير القضائي، عن نجاعتها، وعلى أنها ستقدم المسار القضائي في بلادنا، مشيرا إلى أنه إلى حدود اليوم، ليست هناك مؤشرات للحكم على نجاح أو فشل التجربة، لكن “الحذر ضروري على هذا المستوى لأن النيابة العامة يتعين أن تكون في ارتباط مع بقيت المؤسسات، وبديمقراطية هذه المؤسسات بكاملها”، يقول نبيل بنعبد الله.
وفي إجابته على سؤال حول شروط تحقيق انفراج سياسي، عبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عن أمله في اتخاذ بعض المبادرات التي قال “إنها ستكون إيجابية” خاصة تلك القضايا الرائجة أمام القضاء، والتي أدت إلى اعتقالات، مشيرا إلى أن تلك المبادرات يمكن أن تكون من طرف القضاء، أو من خلال ما يتيحه الدستور من عفو، لطي جميع الملفات، وأن تشكل مدخلا لإحداث انفراج سياسي، وهو ما سبق لحزب التقدم والاشتراكية أن عبر عنه في حينه، في بلاغات المكتب السياسي، رغم ما يمكن أن يحدث من نقاش على هذا المستوى.
خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء

من جانبها، أكدت نبيل منيب الأمينة العام لليسار الاشتراكي الموحد، على أن الإشكالات الكبرى التي تؤرق المجتمع المغربي، هي عديدة ومتعددة، خاصة في ظل النيوليرالية المعولمة وما لها من تأثيرات على المغرب، لأنه عالم لا يتكلم إلا لغة القوة، مشيرة إلى أن أكبر دليل على ذلك، هو ما يقع من فوضى هدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وما يقع بالنسبة للقضية الفلسطينية، مما أصطلح عليه بـ “صفقة القرن”، في الوقت الذي كان فيه العالم الحر يبحث عن فرصة القرن للمساهمة مع الشعب الفلسطيني المكافح في تحرير أرضه، وبناء دولته المستقلة.
وبخصوص الواقع المغربي، قالت نبيلة منيب إن “المغرب منذ حصوله على الاستقلال وهو يخطو خطوة إلى الأمام وخطوات إلى الوراء، وكأننا لا نراوح مكاننا، مشيرة بأن هناك انجازات، غير أن الأرقم والمؤشرات التي تعممها المندوبية السامية للتخطيط أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تجعل المغرب في مؤخرة الترتيب على جميع المستويات.
وشددت نبيلة منيب على أنه وأمام ما يقع في العالم، يبقى المغرب في حاجة إلى بناء الديمقراطية ودولة المؤسسات القوية، التي تؤدي بالضرورة إلى دمقرطة المجتمع، مشيرة إلى أن ذلك يطرح سؤال مركزة حقوق الإنسان وتوقيع المغرب على العديد من الاتفاقيات الدولية، ونص عليها دستور 2011 في ديباجته، لكن، تضيف المتحدثة، سؤال إحقاق الحقوق لازال مطروحا، مستدلة على ذلك بالحق في التعليم، كحق أفقي لم يتحقق حتى اليوم، في ظل غياب الجودة، مشيرة إلى المجتمع المغربي اليوم، يوجد أمام تعليم يسير بأكثر من خمس سرعات كلها متناقضة وغير متجانسة، مؤكدة على ضرورة إقرار تعليم موحد في القرى وفي الجبال وفي المدن كي يدرس المغاربة نفس الشيء ونفس القيم ونفس الثقافة، من أجل تحقيق تكافئ الفرص.
وأوضحت في هذا السياق، أنه على الدولة أن تعتبر الاستثمار في التعليم استثمارا استراتيجيا، لأنه، بحسب نبيلة منيب، لا يعقل أن تقدم اليوم رؤية 2015 – 2030 مع قانون الإطار وفيه تخلي عن مجانية التعليم بإدخال رسوم عن التسجيل تفرض على الأسرة المغربية، خاصة وأن من يلج إلى المدرسة العمومية والجامعة العمومية هم الفقراء من أبناء الشعب، وأنه في حالة فرض تلك الرسوم، فإن ذلك يعتبر إقصاء لكل الفقراء من التعليم ومن إمكانية التحصيل المعرفي والعلمي.
وذكرت الأمينة العام لليسار الاشتراكي الموحد أن غياب حقوق الإنسان أفرز فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة، مما أدى إلى بروز الحركات الاحتجاجية والاجتماعية في الريف وجرادة وغيرها، والتي كان يتعين الاستجابة لمطالبها العادلة عوض تخوينها والزج بها في السجون، مشيرة إلى أن زمن القمع والاستبداد لم يعد له مكانا في العصر الحديث، وأن الشعب المغربي مجمع على الملكية، لكنه يريد ملكية برلمانية حداثية وديمقراطية، ملكية تلج العصر الحديث بأدوات عصرية وحديثة.
وشددت نبيلة منيب على البديل التنموي المنشود يتعين أن يقوم على الديمقراطية الكاملة وعلى محاربة الفساد، وبناء نموذج اقتصادي منتج ويراعي التوازنات الاجتماعية والمجالية، ويحترم المرأة ويقر المساواة بين المرأة والرجل في كل المجالات.
ودعت اليسار المغربي إلى تحمل مسؤوليته ورص الصفوف حول مشروع مجتمعي، يعيد الوهج للنضال الديمقراطي بنبله وقيمه، مشيرة إلى ضرورة إعمال قراءة نقدية وتحليل عميق لتجربة حكومة التناوب، وكيف أضاع اليسار الفرصة سنة 2011 بعدم التفافه حول حركة 20 فبراير، ولماذا لم يقف مع حراك الريف؟ فبالإضافة إلى مسؤولة الدولة العميقة فيما يحدث، قالت نبيلة منيب إن “مسؤولية النخب في عدم تحملها المسؤولية ثابتة، وكان على اليسار والقوى الديمقراطية والتقدمية أن تشكل كتلة لتجاوز الوضع وإحداث التغيير الذي ينشده الشعب المغربي”.
وكان رئيس مؤسسة الفقيه التطواني أبوبكر التطواني قد طرح في بداية هذا اللقاء الذي أطره الزملاء حفيظ الزهري والشرقي لحرش وعبد الحق بلشكر، (طرح) مجموعة من الأسئلة الحارقة التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، خاصة في شقها المتعلق باليسار والأدوار التاريخية التي ظل يضطلع بها، والحاجة إلى أحزاب سياسية قادرة على إعادة الأمل للمواطن المغربي، وأن تعيد لهم الثقة في ممثليهم، وفي برامجهم التي يتعين أن تكون مطبوعة بالوضوح والشفافية والواقعية، مشيرا إلى أن مؤسسة الفقيه التطواني تنخرط بإيمان في النقاش العمومي، معززة بإرادة بناء الأمل والسعي نحو بلوغه، مؤكدا على أن الأحزاب السياسية بإمكانها أن تنعش الأمل في النفوس وتعزز بناء الدولة العصرية الديمقراطية، في جو يطبعه النقاش الحر والديمقراطي الصريح.

> محمد حجيوي

تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top