قافلة إنسانية يقودها طلبة  “ENSAM ” بالدار البيضاء إلى أعالي جبال إيمينتانوت

هو عمل إنساني جمعوي تطوعي، مؤسسوه والمشاركون فيه، ليسوا سوى  طلبة المدرسة العليا للفنون والمهن ENSAM بالدار البيضاء، عمل جمعوي كانت بداياته سنة 2014، من خلال ناد يجمع طلبة المؤسسة بمستوياتها التعليمية الخمس، يطلق عليه حروف “J-L-M ” أي نادي رواد الشباب المغربي “JEUNES LEADERS MAROCAINS” والذي تأسس بعضوية 100 طالبة وطالب مهندس، يتمتعون بروح دينامية لخدمة الأهداف الإنسانية النبيلة، ويزاوجون بين تفوقهم في دراستهم العلمية والعمل الجمعوي التشاركي الإنساني، وهي مؤهلات تجعل مؤسستهم العليا فخورة بهم وبِنُبْلِ الفكرة التي تأسس من أجلها نادي رواد الشباب المغربي، الذي عمل ومنذ تأسيسه وبدعم من إدارة المدرسة العليا، على جعل العمل الإنساني أحد أهدافه الرئيسية لإحياء تلك الروح الوطنية وتلك الهوية المغربية الصادقة لدىَ طلبة وطالبات يأتون من مختلف ربوع الوطن، تمر سنوات دراستهم الخمسة في التحصيل العلمي والتكوين المهني والفني، وبعدها يخرجون لسوق العمل، في انقطاع تام عن المجتمع وحركيته واحتياجاته وهمومه، وهو ما قطعت معه المدرسة العليا للفنون ونادي رواد الشباب المغربي منذ تأسيه إلى اليوم، من خلال مشاريع وقوافل إنسانية انطلقت من المحيط القريب للمؤسسة العليا، ليصل هذه السنة إلى أحد المناطق الجبلية المرتفعة بدائرة إيمينتانوت، إلى ما يسميه البعض “المغرب العميق”، ويسميه آخرون “مغرب الهامش”، ناد لا يجمع في عضويته من يريد التحصيل العلمي فقط، بل من يحمل دفئ العلاقات الإنسانية ويبحث عن التحصيل والهوية المغربية المعروفة بالتكافل والتعاضد وخدمة الوطن من خلال مبادرات تُدْخِلُ الفرحة والبهجة في قلوب من يعيشون منعزلين.

ولأنها تجربة متميزة، فقد كان لزاما أن نُنَوِهَ بهذه التجربة التي تركت أثرها الكبير في نفوس أعضاء النادي وفي نفوس ساكنة دوار “توك الخير” بأطفاله ونسائه ورجاله، تجربة سنحكي عنها بعفوية العمل الإنساني الصادق من طلبة أكبرهم في ربيعه الثاني والعشرين، وأصغرهم بالكاد وصل سن الثمانية عشر، بل منهن ومنهم من يسافر أول مرة بدون الأسرة، فقط زملاء وزميلات الدراسة، إلى مناطق لم يسمعوا عنها.

تحكي “بسمة” وهي واحدة من المشاركات ضمن مجموعة النادي، طالبة في سنتها الأولى على مستوى الدراسة الجامعية العليا، بِحُرقةٍ وألمٍ وفرحةٍ كيف انطلق الإعداد لهذه القافلة الإنسانية، تحكي عن حماسة شباب وشابات يقاتلن على جبهتين، التميز الدراسي والعمل التطوعي من خلال النادي، حيث كانت مفاجئتها وهي تتعرف على أهداف نادي الرواد، واستعداداته لعملية هذه السنة، وكباقي ولنقل أغلب الطالبات والطلبة بالمدرسة العليا، تحمست “بسمة”  للفكرة، خصوصا وهي تتابع عن كَثَب، الطالبة المهندسة “آلاء قاسمي” اليد اليمنى لرئيسة النادي، تسابق الزمن في كل مرة لتحفيز أعضاء النادي من أجل مراسلة المستشهرين والمؤثرين الاجتماعيين لدعم القافلة الإنسانية التي كان موعدها الحقيقي بعد شهر رمضان المبارك، خصوصا أن الزيارة التي قامت بها الطالبة ” آلاء” رفقة الطالب “حمزة تويرس” والطالبة “وئام عالمي”، للمنطقة قبل ذلك بشهور بينت أن القافلة ستحتاج هذه السنة مبلغا ماليا محترما لا يمكن توفيره إلا بدعم كبير من المستشهرين والمؤثرين وحتى بعض المحسنين وتبرعات الطلبة رغم قلتها، لذلك كان الجميع ورغم ظروف الدراسة يلتقون فيما بينهم لمعرفة الجديد في ما تمَ من مراسلات ونتائج تلك المراسلات، وكان العمل وكان الانتظار، لكن وفي صدفة غريبة تم اللقاء بين بعض أعضاء النادي وأحد قيدومي الطلبة بالمدرسة العليا للفنون والمهن، وكان عضوا قديما بنادي رواد الشباب بنفس المدرسة العليا، وفي خضم الحديث ومعرفة جديد النادي وبرامجه المستقبلية تحدثوا له عن حاجتهم لمستشهرين لحملتهم وقافلتهم الإنسانية،، وهنا وكأن أبواب السماء فُتِحَتْ، وكأن الظروف والأقدار الإلهية هي من وضعت في طريقهم زميلا قديما وأحد قيدومي النادي، والذي أكد لهم أن هناك مستشهر يمكنه دعم العملية الإنسانية كصدقة جارية لروح والده “السي إدريس” رحمة الله عليه، وأن المستشهر سيتكفل بكل المصاريف المتبقية والحاجيات الخاصة بالقافلة، وفق اتفاقية بينه وبين النادي، وطبعا بعد إعداد ملف متكامل حول الحاجيات كان المستشهر في الموعد ، حيث مَكَّنَ أعضاء نادي رواد المدرسة العليا ENSAM بالدار البيضاء من دعم مادي متميز، وهو الأمر الذي عجل بتغيير التاريخ المبرمج للقافلة، وتحويله إلى الأسبوع الأخير من شهر شعبان، لرمزيته الدينية وكذلك وسط هذه الأجواء من البرد والصقيع الذي تعرفه المناطق الجبلية المراد زيارتها.

وانطلق الاستعداد، كل يتكلف بمهمة تعطى له من قبل المسؤولة عن النادي ومساعديها ورؤساء المشاريع، وسط تكافل طلابي إنساني داعمه الأساسي والدائم السيد مدير المدرسة العليا بالدار البيضاء، ومن خلاله “السي عبد الرحمان”، الرجل الطيب الخدوم الذي آمن ويؤمن بقدرة نساء ورجال المستقبل على المساهمة في صُنْعِ هذا المستقبل الجميل لمغرب أجمل، فكان صِلَةَ الوصل بين النادي والإدارة، ومعه كانت هناك كل الأسماء التي تركت بصماتها قبل وأثناء الرحلة ووسط العملية، حيث كانت  “حسناء المشماشي” أمينة مال النادي رفقة “حمزة التويرس” المسؤول عن البرامج الإنسانية والأنشطة بالنادي، من تكفلا بنقل حاجيات القافلة من المتاجر بصرامة كبيرة وجهد إنساني رائع، ليجدوا هناك حراس وأعوان المؤسسة مشكورين، والذين قدموا يد المساعدة في ترتيب الحاجيات في انتظار نقطة الصفر، للانطلاق نحو الهدف، وبين الجميع كانت الطالبة المهندسة المسؤولة على المشاريع بالنادي “غيثة بنخالي” التي وبشهادة الكل تتوفر على مؤهلات إنسانية لا يوقفها لا لحظات غضبها ولا ثقل المسؤلية ولا محاولاتها إرضاء هذا وذاك من أجل القفز على المشاكل والمطبات بصبر جميل، وبينهم كان هناك “أسامة متفاطن” الطالب المهندس الفنان المسؤول على كل ما هو معلوماتي وإعلامي بالنادي، وبفضل عمله تحصلت صفحة النادي على التميُّز بين كل صفحات المدارس العليا بالمغرب، فيما كان المسؤول عن العلاقات العامة الطالب المهندس ” أحمد رضى بوعشرين” يقوم بدوره الكبير في كل شيء يتعلق بالقافلة قبل وأثناء العملية، فيما أسماء أخرى ستتحدث عنهم “بسمة”  وآخرون لدورهم الريادي في هذه القافلة وفي مختلف الأنشطة على غرار الطالبة ” دعاء سيف الدين”، التي قامت بدور كبير في اكتساب ثقة المستشهر الجديد الذي مَوَّلَ قافلة هذه السنة.

حكت الطالبة المهندسة “بسمة”  بأنه وبعد اجتماع قبلي على موعد الرحلة الذي كان مقررا زوال الجمعة 17 مارس من أمام المدرسة العليا، وبعد تدارس كل الأمور والجوانب المتعلقة بالحاجيات والمهام والمسؤوليات، تبين لهم بأن الوصول ليلا لدائرة “إيمينتانوت” لن يساعد في الوصول إلى الدوار المنشود بطريقة سهلة، خصوصا صعوبة الطريق الغير المعبدة التي سيقطعونها راكبين، فيما هناك مرحلة أخرى تحتاج المشي لوقت طويل ومعه إيصال الحاجيات الخاصة بالقافلة، لذلك قرروا تقديم موعد السفر ليكون ليلة الخميس 16 مارس والوصول باكرا ” لإيمينتانوت ” ومعه ربح الوقت لتنفيذ برنامج القافلة كاملا متكاملا والعودة مساء الأحد بعد تنفيذ البرنامج على أرض الواقع، وهناك كان ضروريا الإتصال بعدد من سكان الدوار لإخبارهم بتغيير موعد الوصول، وعليه كان أول لقاء لأعضاء النادي وقافلتهم الإنسانية في صبيحة يوم بارد بمنطقة ” إيمينتانوت ” بعد سفر ليلي كان فيه النقاش مطولا حول مسؤولية كل فرد من أعضاء النادي المشارك في القافلة، ليتخلل ذلك فترة من الراحة كانت عبارة عن تساؤلات للطلبة المشاركين لأول مرة، تُرى كيف ستكون القافلة ؟ وهل فعلا سيتحقق البرنامج على أرض الواقع ؟ وأسئلة أخرى، منها من حملت أكثرهم للنوم وسط حافلة تقطع الطريق السيار بين الدار البيضاء وشيشاوة عبر ” إيمينتانوت ” باتجاه نقطة البداية.

وكان أول لقاء بمنطقة إيمينتانوت مع عدد من رجالات الدوار الذين كانوا يرحبون بالطالبات والطلبة ومرافقهم الإداري “السي عبد الرحمان” وبالطلبة الثلاثة ” آلاء – حمزة – وئام”، الذين زاروا المنطقة قبل ذلك، وتعرفوا على حاجيات الساكنة، ووعدوا بالحضور بقافلة تقوم بواجب تنفيذ مشروعها الإنساني، كان وعداً أصبح واقعاً حين وصول الحافلة محملة بأطنان من الألبسة والمواد الغذائية والمعدات المدرسية ومواد وأدوات الصباغة والتشجير وكل الحاجيات، ولآن الحافلة لا يمكنها استعمال الطريق الفرعية المُتْرَبَة والغير المعبدة، فقد استعانوا بسيارات النقل المدرسي لنقل أعضاء النادي وشاحنة نقلت تلك الأطنان من المساعدات، وهنا سيبدأ الجميع بالتعرف على مغرب آخر، جبال وسهول ودواوير ومنازل مترامية هناك على سفح الجبل وهناك في نقطة عميقة من فَجٍ بين السهول، سفر آخر على مثن تلك السيارات، اكتشف المشاركون في القافلة تلك الطرقات الملتوية والدائرية والتي غالبا ما تكون على حافات السهول والجبال، التي يتنقل عليها جزء من أبناء هذا المغرب المنسي بشكل أو بآخر، ولعلهم أحسوا ولو قليلا بما يحسه المواطن والتلميذ وهو يقطع طريقا على وسيلة نقل غير مريحة، ترتفع وتنحدر وتقع في حفرة وتتفادى أخرى، إلى أن وصلوا لنقطة توقفت فيها السيارات والشاحنة، وهو دليل على أن هدير المحركات سيتوقف بانتهاء الطريق الخاصة بوسائل النقل،  وهو ما يعني بأن ما تبقى للوصول إلى دوار “توك الخير” سيكون سيراً على الأقدام، صعودا لدوار يحمل في اسمه الخير، وهو قابع وسط النسيان والإهمال، إنه المغرب الآخر أبنائي الطلبة القادمين من عالم آخر.

تروي “بسمة”  بأن حِنْكَةَ المجربين من المسولين بنادي رواد الشباب المغربي “J-L-M ” بالدار البيضاء، جعلتهم يقترحون عملا تشاركيا جميلا، عبارة عن سلسلة بشرية تربط بين الشاحنة وبين آخر واحد في السلسلة عبر الطريق الضيقة التي تُستعمل فقط للسير أو ركوبا على الدواب، بحيث يتم نقل الحاجيات والمواد  انطلاقا من الشاحنة، ومن يد لأُخرى لحين إفراغ الشاحنة، و بعدها القيام بالعملية عبر نفس السلسلة البشرية للمشاركين وعدد من أهل الدُّوار،  الذي وصل منه هو الآخر شباب ورجال ساهموا في إطالة السلسة وتسريع الوصول لنقطة التجمع التي أقيمت على شرف القادمين من المغرب الحقيقي إلى المغرب العميق، خيمة نصبت وسط الدوار، وبنات صغار وأطفال لبسوا أفخر الثياب الأمازيغية الجبلية، وبينهم نساء ورجال الدوار وممثل عن السلطة المحلية، وبالثمر والحليب ووسط كل ذلك زغاريد وعناق وغناء وترحيب صادق بضيوف قَدَّمُوا وعداً ذات يوم، وهاهًمْ يصِلون اليوم لتحقيق الوعد.

بعد أول فطور والذي كان يلفه كرم وشهامة النساء والرجال على السواء، كل يأتي بوجبته وإنائه محاولا أن يكون أكثر كرماً من جاره وأكثر جوداً من الباقين، رغم أنهم هم من يحتاجون للدعم ولِكَرَمِ المحسنين وجمعيات المجتمع المدني والبرامج التنموية للدولة، بسبب حاجتهم لكل شيء، بعد هذه الوجبة سينقسم الجميع للانطلاقة في عمليات ترميم وصباغة وتهيئة قسم المدرسة الوحيد، وكذا المسجد ومسيد الدوار، الكل شمَّر على سواعد الجد وانطلقوا في مهامهم بعد التوجيهات التي كانوا يتلقونها من المسوؤلة عن النادي، الطالبة المهندسة ” وئام عالمي ” والمسؤولين عن المشروعين JLM Junior و Smart Aide ، لينطلق الجميع كخلية نحل يسابقون الزمن لتحقيق ما تم تسطيره هنا بقسم المدرسة ومحيطها، وهناك بالمسجد ومسيد الدُّوارْ، حيث يزاوج السكان بين التعليم العصري بالمدرسة وحفظ القرآن بالمسيد، وكانوا فعلا مهندسين بالفطرة، وكانوا معلمات ومعلمين حرفيين مُحَمَّلين بروح الوطنية التي شربوها حليبا من أمهاتهم وأفكاراً إنسانية من آبائهم، خصوصا حين تتابع كيف تشتغل وكيف اشتغلت الطالبة المهندسة ” نهيلة أزمار” المسؤولة عن الموارد الإنسانية، إلى جانب صديقاتها وأصدقائها وكأنهم يعملون في شركة أو مقاولة، الصدق في العمل ومحاولة ضبط الوقت الزمني للقيام بعمل جيد وممتاز.

 

وبين هناك بالمسجد والمسيد، الذي كان بعيدا شيئا ما عن وسط الدُّوارْ، وهنا بقسم المدرسة ومحيطها،  كانت الثلاثة أيام كافية لإعادة صباغة القسم الوحيد من الداخل والخارج، وإعادة صباغة السبورة السوداء التي لا زالت تشتغل ويشتغل عليها رجال التعليم في القرن الواحد والعشرون ؟، وبعد الانتهاء من عملية الطلاء التي كانت بشكل احترافي نظرا لاحترافية الكثير من الطالبات والطلبة المهندسون، انطلقت عملية تزيين القسم بصور وملصقات تربوية تعليمية رائعة، كما تم إنشاء ركن للقصص التربوية التي كانت ضمن المقتنيات، ومعه تثبيت وصُنْع رفوف جميلة لها، ومعه دعم خزانة القسم بكتب تربوية وقصص للأطفال ومعه تمت تغطية الطاولات بأغطية جلدية أعطت للقسم جمالية، فيما انكب الفنانات والفنانون من طلبة المدرسة العليا للفنون والمهن ENSAM بالدار البيضاء، على رسم جداريات على جدران القسم المقابل لما يمكن تسميته ساحة المدرسة، وآخرون عملوا على إنشاء حديقة صغيرة تتوسطها نباتات وأحجار تمت صباغتها، فيما عمد من يثقن فن الخط العربي، لتخليد ذكرى القافلة الإنسانية برسم شعار نادي رواد الشباب المغربي JLM، ومعه تمت صباغة جدار البيت الصغير للمعلمة الوحيدة التي تعمل بالمؤسسة والتي كانت في عطلة دراسية، في الوقت الذي كانت فيه أخريات وآخرون يقومون بإعادة صباغة المسجد من الداخل والخارج، وإصلاح مكبر الصوت حتى يكون في الموعد مع صلوات التراويح في شهر رمضان المبارك إنشاء الله، كما تم تثبيت رفوف وضعت عليها عشرات من المصاحف تم جلبها ضمن حاجيات القافلة، فيما آخرون ورغم نفاذ مواد الصباغة، عمدوا إلى إصلاح جدران المسيد، وتثبيت رفوف وضعت عليها كُتُب دينية تتحدث عن الصحابة وعن السيرة النبوية وفق المذهب المالكي الحنيف خاصة بالأطفال، في انتظار وصول كميات من الصباغة حملتها سيارة من مراكش مباشرة للدُّوارْ بعد أن قطعت أكثر من 12 ساعة في الذهاب والإياب، وبعد الانتهاء تم وضع الأفرشة الجديدة بالمسجد والمسيد، والتي كانت من وصايا المستشهر بأن تكون من النوع المتميز كصدقة جارية لوالده رحمة الله عليه، وهو ما جعل بعض الطالبات والطلبة يخلدون اسم المتوفي “السي إدريس” رحمة الله عليه بلافتة صغيرة بجانب المسيد اعترافا من النادي لدعم المستشهر ودعم جمعية “باب مولاي إدريس” التي أسسها المرحوم للعمل الخيري، وهي اليوم تساهم في عمل خيري إنساني من خلال طلبة مهندسين، سيكونون هُمْ نساء ورجال المستقبل بهذا البلد الجميل بأهله وتآلفهم وتراحمهم وتكافلهم الموروث عن الآباء والأجداد.

بين كل ذلك، كان هناك قائد بمثابة القائد والقدوة ويتعلق الأمر بالطالبة المهندسة ” فاطمة الزهراء بلقايد” التي أبت ورغم كونها في تدريب مهني لآخر سنة لها بالمدرسة العليا، أبت إلا أن تشارك النادي والطلبة الجدد تجربتها بل تجاربها السابقة في هذا العمل الجمعوي والإنساني من خلال نادي JLM بالدار البيضاء،  ولم تتخلف منذ سنتها الأولى  بالمدرسة العليا عن الحضور والعمل في مختلف الأنشطة التي ينظمها النادي، حيث يعتبرها الجدد ومن تبعها بأنها القدوة في العمل الإنساني وفي التميز الدراسي.

ومع انتهاء اليوم الأول والنصف الأول من اليوم الثاني، ونهاية الأشغال بالقسم والمسجد والمسيد، تحوَّل الجميع نحو أطفال الدُّوارْ والمدرسة، الذين كانوا يتابعون تلك الحركية التي خلقها أعضاء النادي، فتم جمعهم في حلقات، حيث وزعت عليها لوحات تحمل رسوما أولية وأقلام التلوين، وتركوا الفرصة للصغيرات والصغار للإبداع، ووسط كل ذلك كان أعضاء النادي يقدمون تنشيطا للأطفال من خلال بهلوان، بَرَعَتْ فيه دينامو المجموعة والنادي، الطالبة المهندسة “هبة التسول” رئيسة مشروع JLM Junior ، وبين كل فقرات التنشيط والرسم والغناء تم توزيع ما جلبه المتطوعات والمتطوعين من حلويات وأدوات مدرسية، كما قدَّمَ أصحاب مشروع Smart Aide من خلال رئيسة المشروع الطالبة المهندسة “نهى أوزي” حاسوبا من النوع الجديد لأستاذة المدرسة لتتمكن من استعماله في دعم العملية التربوية لفائدة الصغار بقسمهم الوحيد.

حكت ” بسمة ” ورفيقاتها من خلال مقاطع صوتية وصور مباشرة، وفي الحكي كانت هناك نبرة حزينة لاكتشافات صدمتهم، منها ذلك الطفل الذي دخل القسم بعد صباغته وتزيينه، دخل تم انطلق يبكي ويردد “دابا هاذا قسم بحال داكشي تاع التليفيزيون”، فيما كانت الصدمة أكبر وهن يسمعن من أفواه تلميذات صغيرات بأن مسارهن الدراسي سيتوقف في الرابع ابتدائي بسبب بُعْد المدرسة التي يتواجد بها المستوى الخامس والسادس عن الدُّوارْ، وأن ذلك قدرا محتوما لا يمكن مناقشته، فيما أكَدَّ الكثير من التلاميذ الذكور بأن المستوى السادس هو آخر عهدهم بالدراسة، وبعدها التوجه للعمل بالضيعات أو الهجرة نحو المدن التي يتوفر فيها فرص شغل بسيطة، والسبب قِلَّة ذات اليد، وبُعْدُ الإعدادية بعشرات الكيلومترات، رغم وجود النقل المدرسي الذي يقطع المسافة بين الدُّوارْ والإعدادية في ساعة ونصف في الذهاب ومثلها في الإياب، فيما روت لي إحدى المشاركات بأنها صُدِمَت حقا حين اكتشفت بأن نفس القسم يتم فيه تدريس مستويين تعليميين في نفس الوقت والحِصَّة الدراسية ومن نفس الأستاذة التي لا تقضي بالمدرسة سوى سنتين تم تأتي آخري أو معلم آخر، ومعه مسلسل الهدر المدرسي بشكل مُخيف.

تحكي ” بسمة ” وهي تبكي كيف كان الوداع مُؤلِماً، وهي تسمع طفلة تقول لها ” بغيت نْوَلِّي بْحالكُم” في الوقت الذي يعرف الجميع بأنها لن تتمكن من ذلك، في وقت لا تتوفر فيه سُبُلَ استكمال الدراسة بسبب الكثير من السلبيات التي لازالت تعيق تطور جهات مُهَمَّشة بالمغرب، تحكي “بسمة” وصديقاتها والدموع تسابق أعينهن عما عايشنه وشاهدنه وتعرفن

 عليه وهم يصِلونَ إلى نقطة واحدة من نقطٍ كثيرة منسية بأعالي الجبال وسفوح الوديان، تحكي “بسمة” وهي تحاول أن تبرر دموعها بأنها فرحة لأنها تعرفت على الواقع الحقيقي لمغرب بعيد وعميق ما كانت لتتعرف عليه لولا تلك اللُحْمَة والتآخي الذي وجدته في مدرستها وفي نادي رواد الشباب المغربي بالدار البيضاء، وفي زميلاتها وزملائها الطالبات والطلاب المهندسون بمختلف المستويات والشعب التعليمية، وكذا دعم مدير المدرسة العليا المادي والمعنوي، فيما فرحتها هي ومن معها هو التنويه والشكر الذي وصلهم وهم عائدون إلى الدار البيضاء من الساكنة ومن مدير الوحدة المدرسية “توك الخير” نيابة عن كل الأطر، وكذا تنويه من الأستاذة التي جاءت في نفس وقت مغادرة القافلة، وفوجِئَتْ بجمالية القسم والساحة وجدران بيتها والهدايا والكتب واللوازم المدرسية، فيما كِبارُ وشيوخِ المنطقة، ترجموا ذلك من خلال شهادة تقديرية قدمتها جمعية توك الخير للتنمية والتعاون للنادي ولكل أعضائه وعضواته، وهو ما جعل رحلة العودة وكأنها انتصار ونجاح في مهمة مصيرية، كان هناك العناق والتشجيع وتجسدت روح العائلة وألقيت كلمات طيلة طريق العودة من هناك، عبَّرَ فيها المشاركون جميعا عن ما عاشوه وتعرفوا عليه، وقطعوا وعداً على أن تكون قافلة السنة المقبلة أكبر، وأهدف وأسمى للوصول لمنطقة أبعد، لمنطقة في حاجة لدعم كبير وللمسة حنان من جمعيات المجتمع المدني، وقبل أن تنتهي “بسمة” من الحكي هي وصديقاتها، قدمت اعتذارا لمن نسيته من زميلاتها وزملائها، ومعه شكر خاص لكل من ساهم في أن تعيش تجربة تعتبرها الأروع في مسارها الدراسي مع أعضاء النادي ومستشهرين، ومعه قدمت شكراً لساكنة المنطقة على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة والصدق في الكلام والسلام والعناق، والقدرة على مقابلة الخير القليل بالحب والامتنان الكبيرين.

عبد الغني دهنون

Related posts

Top