“قبل الجنون بقليل” للكاتب المغربي عبد الغفور خوى

> بقلم: حسن الرموتي
بعد رواية الطيور تغني كي لا تموت، يصدر القاص والروائي عبد الغفور خوى رواية قبل الجنون بقليل، وهي رواية صدرت عن دار رحاب الحديثة 2016. رواية قبل الجنون بقليل، هي رواية الأحلام المحبطة، لجيل اكتوى بمرارة الواقع  وانغلقت أمامه  أبواب الأمل في ظل نظام مستبد.. أهم ما يميز هذه الرواية أنها تعالج قضايا كثيرة بطريقة بعيدة عن التفاصيل المملة، وتترك للقارئ فرصة لمشاركة الكاتب في بناء نصوص موازية وفتح باب التأولات ..تتناول الرواية رغم حجمها المتوسط 108 صفحة الكثير من القضايا ..الفساد، الدعارة، التطرف، الإرهاب،  العمال البسطاء، الحب -حبه القديم -رشيدة – وحبه الجديد – علية-، الهجرة السرية، فقهاء الظلام ، الفلسفة، الدين، القانون . .. صابر الصالحي بطل الرواية  والتي جعلها الكاتب على شكل مذكرات  تحمل عنواين مقامات: تبتدئ  بمقام الرحيل وتنتهي بمقام  لم يضع له صابر الصاحي عنوانا، ليجتهد الكاتب عند قراءته لهذه المذكرات – المقامات – ويضع لها عنوانا، وهو ما قبل الجنون بقليل والذي حملته الرواية عنوانا لها.
صابر الصالحي كاتب هذه المذكرات  والذي درس الفلسفة، وربما دراسته لهذه المادة كانت من أسباب انتهائه إلى الجنون ..الفسلفة معناها البحث عن السؤال و الجواب في نفسه الوقت، وصابر الصالحي  يطرح الكثير من الأسئلة  دون أن يجد لها جوابا …أسئلة ترتبط بواقعه في مجتمع طافح بالظلم و القهر و العاهرات واللصوص و السماسرة.. وغيرهم، مثلا حين سؤالا: ما الجدوى من هذا القتل بالجملة، التعمير الأرض، أ لخلافة الله فيها؟ هو لا يقدم جوابا، فكيف لشخص درس الفلسفة و تشبع بقيمها و هو القادم من الهامش – قرية لعوينة – أن يحلم بالتغيير؟ ..فتتحول الأحلام إلى مجرد سراب خادع ..عمل صابر في البناء ثم في ملهى ليلي ليس سوى محاولة للهروب من واقع جاحد و قاس نحو عالم أخر أكثر قسوة و مرارة، طريقة تعامل رئيس الورش معه و هو الدارس للفلسفة، حتى اسمه يغدو فقط صابر دون الصالحي، فقدان للهوية ..في ملهى الليلي يكتشف واقعا مرا، أجساد أنهكها الفقر ترتمي بين أحضان عباد اللذة  خاصة – الاكباش السمان – يستبيحون كرامة الوطن و بناته . صابر كانت الفلسفة وبالا عليه، لم تمنحه ما كان يطمح إليه: صابر لا يسعد بسهولة ضلّلت الفلسفة طريقه نحو الفرح و أنتم أفسدتم عليه نعمة التلذذ ص 57…المنصورة بدورها، لم تعد مكانا كما كان يحلم به صابر، غدت مكانا للتفاهات والعوالم المتناقضة، العودة للجذور والأصل هو الحل، العودة للعوينة بعد أن استسلم صابر أمام المنصورة وغياب علية، يقول: لقد علقت على شرفتي راية بيضاء و استسلمت لندائي الداخلي وجمعت كل أحلامي في حقيبة سوداء. ورميت بها في واد سحيق ص 106.
 قبل الجنون بقليل، رواية استطاعت أن تلامس بصدق، واقع عطالة الجامعيين ومعاناتهم في وطن تنكر لأبنائه، ودفعهم نحو المجهول، نحو الهجرة والتطرف، أو نحو الجنون، كما صابر الصالحي، صابر رمز لإحباط جيل بكامله ما زال يكتوي بسياسة ظالمة انسدت معها كل آفاق الكرامة والمواطنة نحو آفاق أخرى تنبئ بما هو أسوأ.

Related posts

Top