قتل العنصرية.. الوجه الآخر للوباء في فرنسا

أحدثت تدابير الحظر التي فرضها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحد من جائحة كورونا تداعيات خاصة على سكان ضواحي باريس، والذين يمثل العرب والأفارقة شريحة هامة منهم.

وفي باريس وغيرها من المدن الفرنسية، امتثل السكان، مواطنين فرنسيين ومن أصول أجنبية، للقوانين والإجراءات التي فرضتها الحكومة، والتي عطّلت الكثير من الممارسات الثقافية والدينية، وخاصة تلك التي تخص المسلمين.

من خلال التقيد بالإجراءات، أظهر المسلمون تمسكهم بقوانين الجمهورية، رغم بعض أصوات الأقلية المتطرفة المعارضة التي تطالب بعدم الانصياع لهذه القوانين. هذه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية، بما في ذلك إغلاق المساجد، اتخذت أيضا من قبل حكومات أغلبية الدول الإسلامية. ولأنه تم التصديق على هذه التدابير من قبل السلطات الدينية العليا في تلك الدول، فقد تم سحب البساط من تحت أقدام الأئمة الأصوليين وأولئك المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين.

ويعد الإجراء الأكثر لفتا للنظر من قبل الحكومات هو إغلاق المساجد وأماكن العبادة للصلاة الجماعية، وخاصة صلاة الجمعة. وفي فرنسا، تم اتخاذ هذا الإجراء من قبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ودعمه عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيظ.

وأصدر حفيظ، المعروف بخطابه المعتدل والمنفتح، بيانا صحافيا في 13 مارس أبلغ فيه المسلمين “بقراره الخطير بإغلاق المسجد الكبير في باريس لفترة غير محددة”.

ونادرا ما يتم استخدام مصطلح “بلادنا” في تصريحات صادرة عن مسلمين فرنسيين. ويوضح استخدام حفيظ لهذا المصطلح في هذه الظروف إلى أي مدى يشعر مسلمو فرنسا بأنهم فرنسيون يتمتعون بكامل الحقوق والواجبات.

اتخذ قادة الجالية المسلمة في جميع أنحاء فرنسا إجراءات متشددة تتماشى مع التوجيهات الحكومية. فقد حظروا، على سبيل المثال، طقوس غسل الموتى في حالة الوفيات المرتبطة بالفايروس. لكنهم لم يكونوا وحدهم من فرضوا هذه التدابير. فقد حظرت هذه الطقوس ديانات أخرى.

أما إعادة الجثث إلى وطنها فقد أصبحت مستحيلة بسبب نقص المواصلات.

ومن المسلم به أن إجراءات الحظر المتشددة التي تمليها السلطات والمشاهد المتواصلة والمرعبة في وسائل الإعلام لضحايا هذا الوباء الذي يسقطهم بالمئات كل يوم في الدول التي كان يعتقد أنها مستعدة جيدا لإدارة أزمة صحية كبيرة، قد أسكتت الأقلية المتطرفة، التي استمرت في التعبير عن أفكارها ضيقة الأفق، لكنها الآن أصبحت غير مسموعة في مجتمعاتها.

وبعد تدابير الاحتواء التي اتخذتها فرنسا ودول المغرب العربي، تم تعليق الروابط البحرية بين ضفتي البحر المتوسط، وكانت هذه آخر وسيلة نقل منتظمة بعد قطع الخطوط الجوية.

ونتجت عن ذلك رؤية الآلاف من الأشخاص الذين يسعون إلى مغادرة أوروبا والعودة إلى ديارهم، ممن يريدون بشدة النجاة بحياتهم من فايروس كورونا، الذي وصل في نهاية المطاف إلى الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط. وتتعارض هذه الحركة السريعة والإجراءات المتبعة مع النظرية اليمينية المتطرفة المسماة بـ”الاستبدال العظيم”، والتي ترى جميع الأجانب غزاة محتملين لأوروبا.

وفي الخطوط الأمامية في المعركة ضد الوباء، كان حضور الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية من المهاجرين ملحوظا. وكان اختفاء الخطاب العنصري البغيض والحاث على كراهية الأجانب وكراهية الإسلام والمعادي للهجرة، الذي أثار منذ وقت ليس ببعيد الجدل السياسي في فرنسا، أمرا رائعا.

يجب على فرنسا تقييم المساهمة القيمة التي يقدمها الأشخاص الذين سبق ذكرهم في اقتصادها وصالحها العام. وقد شجع النقص المقلق في القوى العاملة في القطاع الزراعي، خاصة بعد إغلاق الحدود للعمال الموسميين، جان لوك ميلينشون، زعيم حركة “فرنسا المتمردة”، على طلب إعادة تنظيم المهاجرين غير الموثقين، ولم تستفز كلماته أحدا من أقصى اليمين.

ومع ذلك، لا تزال أمام فرنسا تحديات كبيرة. فبمجرد السيطرة على الوباء ستظهر تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة. وفي هذا الصدد، أكد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير في تصريح مباشر قائلا “منذ منتصف فبراير رأينا تأثيرا ملموسا على الاقتصاد. سيكون هناك تقييم كمي جديد عندما يتم تقديم ميثاق الاستقرار في 15 أبريل. بعض القطاعات تأثرت بشكل ملحوظ منذ بدء الأزمة”.

وكلما طالت مدة الحجر زادت الأزمة المدمرة. ويبدو أن ماكرون، الذي دافع عن الامتثال للتوجيهات الليبرالية المتطرفة من قبل الاتحاد الأوروبي وتمسك بعقيدة الميزانية، قد غير عقيدته في مواجهة الوباء.

كان هذا ما اقترحه في 13 مارس عندما وضع فرنسا والفرنسيين قيد الحجر قائلا “غدا، سيتعين علينا تعلم دروس هذه الأزمة التي نمر بها، وأن نتحقق من نموذج التنمية الذي انخرط فيه عالمنا منذ عقود والذي كشف عن عيوبه في وضح النهار، وكذلك سيتعين علينا التشكيك في نقاط الضعف في ديمقراطياتنا.

إن ما يكشفه الوباء هو أن هناك سلعا وخدمات يجب وضعها خارج قوانين السوق. لا يمكن ببساطة تفويض الآخرين بتحمل مسؤولية طعامنا وحمايتنا وقدرتنا على توفير الرعاية الصحية وبيئتنا المعيشية. يجب أن نستعيد السيطرة على كل ذلك، وأن نبني فرنسا ذات سيادة وأوروبا ذات سيادة”.

وكانت إحدى النتائج غير المتوقعة لهذا الخطاب حول السيادة إعلان الاتحاد الأوروبي عن التعليق غير المسبوق لقواعد انضباط الميزانية. ومن الآن فصاعدا، ستتمكن كل دولة أوروبية من الإنفاق بقدر ما هو ضروري للتعامل مع الأزمة الصحية.

ربما هناك حاجة إلى وضع خطة لتجنب انفجار الأراضي المهجورة والمهمشة في فرنسا، وبشكل عاجل، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الكبيرة القادمة. وبهذا يمكن هزيمة “الانفصالية الإسلامية”، التي أعلنها ماكرون قبل ذلك عدوا للجمهورية. وخلاف ذلك، سوف تنتشر الثورات الاجتماعية بشكل أسرع وأكثر انتشارا وخطورة من فايروس كورونا.

Related posts

Top