قراءة في أفلام اليوم الرابع للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

حياة مجاورة للموت

يعد إدراج السينما الوثائقية ضمن المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، – وإن كانت هذه المشاركة تتراوح بين فيلم واحد وفيلمين في كل دورة- اختيارا صائبا، على اعتبار أن هذا النوع من الأفلام ينبغي أن يعطى له الاعتبار ويكون منافسا للفيلم التخييلي على جوائز المسابقة، بالنظر لأنه يحمل مسحة من الإبداع وإن كان يقوم بعرض مشاهد وثائقية، ويعالج وقائع حقيقية من خلال إشراك بعض شهود هذه الوقائع في المتن الفيلمي.
وفيلم “حياة مجاورة للموت” للمخرج لحسن مجيد، يدخل في هذه الخانة، خانة الفيلم الوثائقي المعالج بلمسة إبداعية، تبرز سواء من خلال تقنية التصوير والصوت المعتمدة في تشخيص الوقائع التي يسردها الشهود الحقيقيون، من طرف أشخاص ليسوا بالضرورة ممثلين محترفين.
توزعت مشاهد وفصول هذا الشريط الوثائقي الطويل – مدته ست وتسعون دقيقة- على عدة أشكال من التوثيق، منها ما هو صوتي، ومنها ما هو كتابي، وأيضا تشخيصي، وكل ذلك كان مصاحبا بموسيقي تصويرية نابعة من عمق المعاناة، من إبداع الفنان المغربي عبد الحق التكروي.
يتمحور الشريط حول تجربة المعاناة التي مر بها مواطنون مغاربة وهم في قبضة المخابرات الجزائرية، ويبرز الظروف التي نشأت فيها جبهة البوليزاريو، والدور الذي لعبته الجزائر وإسبانيا في خلق الصراع المفتعل حول الصحراء، سيما وأن الحركة التي كانت تناضل ضد المستعمر الإسباني في منطقة الصحراء، لم يكن واردا في ذهنها فكرة الانفصال وتأسيس جمهورية صحراوية، بشهادة من عاشوا هذه التجربة في بداياتها الأولى وتم التغرير بهم من طرف البوليزاريو.
حقائق عديدة سواء بواسطة الوثائق المكتوبة أو الشهادات الشفوية أو ما إلى ذلك، تثبت أن تندوف التي توجد بها حاليا مخيمات المحتجزين، هي أرض مغربية، وأن عددا كبيرا من المقيمين بهذه المخيمات يتحينون الفرصة للفرار من هذا السجن، منهم من ساعده الحظ في ذلك، وتمكن من الالتحاق بأرض الوطن، عملا بوصية الملك الراحل: إن الوطن غفور رحيم.
مشاهد متكررة لأشكال العنف التي كانت تمارسها المخابرات الجزائرية على الأسرى المغاربة في الأقاليم الصحراوية، ولعله كان من الأفضل التقليص منها، اعتبارا لأن الرسالة وصلت، وبالتالي كان الأجدر لو تم استغلال المساحة الزمنية الممططة لأجل إدراج مزيد من الوثائق، سواء المصورة أو المكتوبة، فهي أكثر إفادة وغنى على المستوى المعرفي، من مشاهد العنف المتكررة التي لا تكاد تضيف شيئا.
لا بد مع ذلك من التنويه بالأسلوب العفوي والطافح بالصدق، للأشخاص الذين كانوا يدلون بشهاداتهم حول تجربة الأسر، وهو ما أضفى شحنة قوية على وثائقية هذا الشريط.
وكان السؤال الكبير لخاتمة شريط “حياة مجاورة للموت” هو:
ما الحل؟
وجاء على لسان بعض المطلعين على قضية الصحراء، أن الحل يكمن في إنشاء الولايات المتحدة المغاربية، ويكون ذلك في إطار الديمقراطية بعيدا عن الحقد والكراهية.

عاشوراء

يتناول الشريط السينمائي الطويل “عاشوراء” للمخرج طلال السلهامي، موضوع اختطاف الأطفال، وقد قام بربط ذلك بليلة الاحتفال بعاشوراء، مستحضرا الكائن الخرافي المسمى بوغطاط.
سعى المخرج إلى خلق مشاهد التشويق مستعينا بالموسيقى التصويرية المفزعة وتحركات الممثلين المتوجسة وتعتيم الفضاء والأشكال البصرية المخيفة، غير أنه لم يتحقق هذا التشويق، لسبب بسيط هو أنه لم يكن هناك أي داع له، بالنظر إلى أن هذه التقنية لها ظروفها الخاصة التي تتأسس عليها، وليس لمجرد أن نفكر في خلق فيلم للتشويق سيتحقق ذلك.
كما سعى المخرج إلى أن يجعل من هذا العمل السينمائي فيلما بوليسيا، من خلال القيام بالبحث عن المسؤول عن اختطاف الأطفال، لأجل خلق مزيد من الإثارة والحركية على مشاهد الشريط، ولذلك تكررت مشاهد الرعب والموسيقى المنذرة بوقوع الخطر دون أن يساهم ذلك في تطوير الأحداث، إلى حد يصيب بالملل، سيما وأن هناك غيابا لخط درامي ناظم بين المشاهد المغرقة في الظلام.
لجأ المخرج كذلك إلى تقنية الخدع السينمائية من خلال توظيفه للإمكانيات التكنولوجية الرقمية لأجل عرض المشاهد الخارقة، اعتبارا لأن الشريط يتطرق إلى حكاية خرافية.
من خلال هذا الشريط، يتجدد طرح السؤال حول وظيفة السينما، سيما عندما تكون بعض العروض شبيهة بحصص التعذيب، علما بأن السينما تنتج لخلق المتعة لدى المتفرج، وكما يقول المثل المأثور بهذا الخصوص: “عندما نكون سعداء نذهب إلى السينما”، ولكن على هذه السينما أن لا تجعل المتفرج السعيد تعيسا.
كل مقومات إنتاج عمل سينمائي كبير، كانت متوفرة لدى مخرج شريط “عاشوراء”: طاقم بشري كبير من الممثلين، متكون خصوصا من الأطفال، إمكانيات تقنية عالية، كفاءات في تقنيات الصورة والصوت، غير أن كل ذلك لم ينتج لنا غير مشاهد متكررة من الرعب في غياب خيط ناظم بينها.

مرشحون للانتحار

بأسلوب ساخر تناول الشريط القصيرة “مرشحون للانتحار” للمخرج حمزة عاطفي، حكاية مؤسسة تساعد المواطنين الذين لا يفيدون بلدهم على التخلص من حياتهم، لأجل المصلحة العامة، على غرار التطهير الجنسي الذي كان يقوم به هتلر، لكن هؤلاء المواطنين سيقومون بذلك من تلقاء أنفسهم، بمساعدة مؤسسة أنشئت لهذا الغرض، تسمى: دار التضحية.
ويتم استجواب هؤلاء المرشحين حول السبب الذي يدفع بهم إلى التفكير في وضع حد لحياتهم، فيظهر من خلال ردودهم أنهم متعجلون للموت إلى حد أنهم لا يريدون تضييع الوقت في الرد على أسئلة الموظفة المكلفة بالمرشحين للانتحار.
إن هذه القصة الطريفة التي اعتمدها المخرج، تتناسب إلى حد بعيد مع الأشرطة السينمائية القصيرة، مدة هذا الشريط تسعة عشر دقيقة، على اعتبار أن قصته ترتكز على تبليغ إشارات رمزية، من قبيل أن مؤسسة الدولة، عوض أن تبحث لهؤلاء المواطنين اليائسين من العيش؛ عن فرص العمل للمساهمة في تنمية بلدهم، تختار الحل الأسهل وهو مساعدتهم على التخلص من حياتهم، عبر تقديم عدة خيارات، في حين أنه ليس لديها أي خيار لإبقائهم على قيد الحياة.
لقد أضفت هذه الخيارات المعروضة على فئات مختلفة من المجتمع، دينامية على فصول الشريط، وباعتبار أنها منافية للمنطق، فقد ساهمت في خلق مشاهد باعثة على السخرية السوداء، إذا شئنا القول، ومن ثم يكون شريط “مرشحون للانتحار” قد أدى وطيفته الجمالية والمعرفية، بالنظر إلى أنه قام من جهة بإيصال رسالة بأسلوب غير تقريري، أسلوب يعتمد على الرمز والإيحاء، ومن جهة أخرى خلق متعة المشاهدة لدى المتفرج.

الزنزانة

تدور أحداث الشريط السينمائي القصير “الزنزانة” للمخرج ربيع الجوهري، داخل زنزانة، ويعرض التجربة القاسية لفتاة سجينة، فمنذ المشاهد الأولى للشريط، يتم عرض معاناة هذه السجينة، من قسوة التعذيب والحرمان، تمتد هذه المعاناة طيلة الشريط، أحيانا يتدخل الجلاد ليمنع السجينة من الحق في النوم، فيمارس قسوته عليها، دون أن يكون القصد من وراء ذلك الاستنطاق أو أي شيء من هذا القبيل.
لقد تم الإمعان في وصف مشاهد البشاعة والتقزز في هذه الزنزانة، سواء ما يتعلق بطبيعة وجبات الأكل، أو الأوساخ المتراكمة أو حالة السجينة أو غير ذلك.
وتم بذلك خلق نوع من التشويق لدى المشاهد، ترى ماذا بعد هذه المشاهد المتكررة والمتواصلة من المعاناة القاسية للسجينة، سيما وأن مدة الشريط قصيرة، مدته عشرون دقيقة، ويبرز بعد ذلك حديث معين يشكل نقطة التحول في الشريط، إذا شئنا القول، وهو عندما ما بدأت تطرق جدار الزنزانة بواسطة آلة حادة، فيصلها صدى، يمنح الانطباع بأن هناك خلف الجدار من يرد على طرقاتها، وتستمر في الطرق على الجدار، لم تكتف بذلك بل شرعت في الحفر بكل الوسائل الممكنة، لتتمكن في النهاية من إحداث كوة في الجدار، فيتسلل ضوء شمس ساطعة، غير أنه يتبين في ما بعد أنه لا شمس هناك ولا أمل، بل نسخة مكررة من السجينة، وفي ذلك إحالة على أن ما يوجد خارج الزنزانة، أي في عالم الحرية، لا يختلف في شيء عن ما بداخل هذه الزنزانة في حد ذاتها، وبالتالي يكون مخرج هذا الشريط قد تمكن من أن يبلغ رسالة بطريقة تعتمد على الإيحاء والرمز.

برنامج يومه الخميس

الثالثة بعد الزوال
الفيلم القصير “ياسمينة” لعلي الصميلي
الفيلم الطويل “هلا مدريد فيسكا بارصا” لعبد الإله الجوهري
السادسة مساء
الفيلم القصير
لإدريس الروخ MKS86
الفيلم الطويل “طفح الكيل” لمحسن البصري

> عبد العالي بركات

Related posts

Top