قراءة في مجموعة “مثل تفاحة مقضومة”

في مجموعته “مثل تفاحة مقضومة”، يقدم الكاتب المغربي الأستاذ عبدالهادي الفحيلي للقارئ عشرة نصوص قصصية قصيرة، تميزت باختلاف آليات الاشتغال والتقنيات في محاولة لاقتحام حقول التجريب اعتمادا على كتابة بقدر ما اشتغلت على شخصيات هامشية، عملت على رصد واقع الحياة في أحياء خلفية. وقد توسل الكاتب لإبراز ذلك بتوظيف فضاء الحلم في أكثر من نص اعتمادا على ساردين اثنين، لإرساء دعائم حكايتين تتقاطعان في النهاية. وإلى جانب توظيف فضاء الحلم، نلمس توظيف البعدين العجائبي والغرائبي، ناهيك عن تقنية الحوار لبناء ملامح نص بمداخل متعددة بين الواقعي والافتراضي، لإبراز كتابة الوهم، أو وهم الكتابة. إنها نصوص ترصد صراعا بين الذات والروح، تبرز الهواجس والاستيهامات، للكشف عن واقع الحرمان، والكبت الجنسي والدعارة، داخل فضاءات نادرا ما يتم اختراقها من طرف كتاب القصة القصيرة، لرصد واقع المهمشين وصراعاتهم الكثيرة والمريرة، وأحلامهم المصادرة. فالمجموعة عموما ترصد حكايات شخوص تعيش بين الفقر المدقع والقهر المادي، والكبت الجنسي، مما يضطرها للجوء إلى الحلم كفضاء فسيح لتفجير مكبوتاتها. وقد شكلت عتبات النصوص إشارات واضحة ومفاتيح لا محيد عنها للكشف عن خبايا تجعلنا أمام كتابة عن هوامش دائمة البحث عن درجات عالية من القسوة والوهم. كما يبرز طبيعة تشكلها سرديا ووقائعها التخييلية التي غالبا ما تمحورت حول الجنس والجسد الأنثوي بصفة عامة.
– البحث عن فضاء أرحب لتفجير المكبوت: هل يمكننا توظيف فضاء الحلم دوما من تفجير مكبوت الذات وتلبية رغباتها، أم يتحول أحيانا إلى عائق يحول دون ذلك؟ مناسبة هذا الطرح هو ما قدمه سارد نص “الرجل الذي فقد وجهه” من خلال اشتغال سردي سلس على عنصري المباغتة
والتسويف، وذلك ارتكازا على اللعب على الإيهام بواقعية الحدث في منطقة عازلة بين الواقع والخيال، يمكن اعتبارها بمثابة مضمار لنسج أحداث النص باعتماد جمل قصيرة بإيقاع سريع جدا. وانطلاقا من وقائع محتملة تدخل ضمن دائرة الافتراض ليس إلا. من قبيل: “أفترض موعدا مع صديق في الثامنة (..) سأخرج في التاسعة”.
كما يدخل النص، ضمن مرتكزات بنائه، عامل التمني: “وتمنيت لو يأتي يوم لا أحد فيه يحضر أمامي”. فقرائن النص تكشف عن طبيعة الشخصية كذلك باعتبارها انعزالية، مترددة، ومتذمرة نفسيا، وساخطة: “طالما لعنت الضجيج والناس”. كما أنها فاقدة للأمل في الحياة: “طويت أحلاميورميتها في القمامة”. إنها صورة قاتمة لبطل يحمل عقدا نفسية رهيبة، ويعاني من أسقام اجتماعية كثيرة ساهمت في تدمير كل بصيص أمل في حياة سوية، وينظر إلى المحيطين به نظرة سلبية: ” لماذا يضحك زملائي لأتفه الأسباب والكلمات؟”. سلوك البطل يعري عن جنونه، وشذوذه أحيانا: “أتعرى وأركض كما ولدتني أمي، ألعب بشيئي، أضحك، أتمرغ في الإسفلت”. وهو ما يجعل منه كائنا غارقا في استيهامات كثيرة، ولا يعدو أن يكون مجرد ظل متوارٍ في أعماقه. هذا الإحساس بالدونية والاختلاف عن الآخرين، يبرز بقوة كلما قارنا بين سلوكه وسلوك أصدقائه في العمل، أو سلوك جيرانه بالعمارة. وهو ما يعمق من تجذر القهر في الذات يوميا، بسبب الإحساس الواهم الذي ينتابه: “كأن العيون مبثوثة حولي في كل الجهات تأكل وجهي، وتنزع الثياب عن جسدي رغم أني أحكمت لبسها”. فإن كان تناسل الأحداث وتفرعها عن زمن الحلم، يشكل بالنسبة للكاتب وسيلة لتعرية الشخصية المحورية أكثر للمتلقي، فإنه في نفس الوقت يحمل على تحرير نفس الذات المكبوتة من عقالها، ويضعها باستمرار في ورطة. وبالتالي تتحول من مضمار الحلم إلى مضمار الواقع المفجع. أمر نلمسه لحظة ضبطه من طرف زميلته يتملى في صورتها وهي ترتدي تنورة قصيرة، وقميص يكشف ما يختزنه صدرها العظيم. لقد كشف النص عن ارتباك كبير في سلوك الشخصية المحورية المهزوزة نفسيا، والمنهزمة اجتماعيا، والمقهورة عاطفيا، وهي تفجر مكبوت ذاتها داخل حيز حلمي ضاق بفضاءاته الرحبة. وكشف عن رد فعل واقعي لحظة الاستيقاظ، كحلم مجهض: “انتفضت من نومي مذعورا، وهرولت إلى الحمام (..)أطلقت صرخة كبيرة.. انقشع الضباب، بقعة سوداء بحجم وجهي سكنت المرآة”. إنها صرخة بقدر ما كشفت عن الاندهاش، والتعجب، أفسحت المجال لتناسل أسئلة جديدة، ظلت حبيسة الصدر، من قبيل: لماذا أجهضت الأحلام، وترجمت واقعا أليما؟ فالارتكاز على رصد ترسبات الذات الساردة وهواجسها، واستيهاماتها، انطلاقا من جسد الأنثى غالبا ما يكون دافعا لتحرير الرغبة الذكورية وإبراز ظمئها المستمر لوصال ما. انطلاقا من شحذ حواس الذات المقموعة إلى أقصى درجة ممكنة، ما
يكشف عنه نص”ثمرة محرمة”. “أخي… وراء فدريش النافذة، يكاد يغرق في عرقه وهو يمعن النظر إليها، ويكاد يسيل شهوة توشك أن تتطاير من عينيه…”. ويقدم النص مجموعة من المقاطع المثيرة، التي عمدت إلى رسم صورة الأنثى من زوايا متعددة: الحركة/نوعية اللباس/نبرة الصوت/طريقة الإغواء.يقول السارد: “كانت تتمايل بطريقة تذهب العقل والفؤاد وهي منكفئة(…)وردفاها يصطرخان(…)”. “بين ذراعي شخص… يعضعض عنقها. سرواله نازل حتى ركبتيه ويحرك وسطه في تلاحم مع وسطها”. إن المثير في عملية الالتفات هو اللجوء إلى لعبة الإثبات والنفي، وهو أمر مقصود لتوريط المتلقي بشكل كبير عبر الإيهام والإقناع. لعب ما فتئ الكاتب عبد الهادي الفحيلي يحسن توظيفه في العديد من النصوص بشكل ساحر وساخر. فتوريط المتلقي وإشراكه في اللعبة السردية يجعله ضمنيا شاهدا على وقائع النص، ومجريات أحداثه، كما حدث في رصده لواقعة الزنا. غير أنه سرعان ما سيعدل عن طرحه الأول متنصلا في ريبة، مقنعا نفسه بحدوث عكس ما تقدم: “ليست هي على أي حال! هكذا أقنعتني نفسي ومنعت الدم من أن يفيض عن عروقي”. إننا إزاء حالة لا يمكن تفسيرها بعيدا عن سرير التشريح النفسي، باعتبارها حالة من القهر المزدوج، ووقوع أعمى في غرام امرأة بشكل صامت. يبحت لزلاتها عن مبررات واهية، ليظل فقط ملازما لها كظلها. فالنص يقدم عموما صورة فارهة لماهية الحرمان الذي فسح مجالا أرحب للتخييل والاستيهام البديع: “أبدا ما رأيت غير ساقيها، حتى صدرها لم أبصر منه إلا رأس الشق في أعلاه”. وهو ما يوضح أن ما كان يتداعى من صور، كان فقط يدور في مخيلة البطل: “لم أكن أرى إلا ما تسطره الثياب. فتتراءى في مخيلتي بنهدين صلبين وحلمتين حمراوين..”. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول التركيبة النفسية لسارد النص، لنخلص إلى أنها تعاني من عقد نفسية ومن كبت مزمن، بسبب الخجل، والإدمان على ممارسة العادة السرية؛ شخصية حالمة لا تتقن سوى التلصص على ضحاياها، وبالتالي تعاني من انفصام في الشخصية: “شيئان حادان يخترقان صدغي من الداخل ويخرجان منهما. ينبت لي قرنان”. كائن يؤمن إلى حد بعيد بما يخالجه من تحول لا يحدث سوى على نطاق تخييلي محض: “أضرب الأرض… بحافريّ، أنفث دخانا أحمر من منخريّ”، مع ما يصاحب هذه الحالة من انخطاف بصري، ودخول في غيبوبة كبيرة. إننا إزاء كتابة تكشف عن بهاء التشييد، وقوة التخييل، لبناء عوالم غريبة لحظة، وعجيبة لحظة أخرى، لبطل كان يتلصص من وراء فدريش نافذة. لحظات شكلت فاصلا بين زمنين؛ أولهما واقعي، والثاني خيالي، مع ما يتحكم فيها من خلفيات مرجعية عديدة، وقيود فرضتها طبيعة العلائق المتشابكة اجتماعيا.
– التجريب: أصوات متداخلة ونهايتان متوازيتان في نص واحد: من أوجه التجريب عدم الخضوع للثابت والنزوع نحو اختراق بنيات النص عبر تحريك برك السرد الآسنة، وتعمد فتح مسارات على آفاق أرحب. وهو الأمر الذي نلمسه في نصوص عبد الهادي الفحيلي الجريئة بما تحمله من قوة سواء على مستوى الخطاب أو التوظيف، دون أن يفقد النص طراوته أوجاذبيته. وهو أمر نلمسه على سبيل المثال لا الحصر في نص “حالة موت “، حيث وجدنا أن الكاتب منح النص وجهين مختلفين بتوظيف ساردين، ونهايتين مختلفتين، ضمن مسارين يتقاطعان في نقطة رئيسية؛”حضور مفاجئ لصوت امرأة تعيد الحياة لبطل النص، وتنقذه من براثن الموت”. كما تميز النص بقوته الإقناعية، ولغته السلسة التي عملت على فتح مسارات عديدة للوصول رأسا نحو الهدف الذي لم يكن سوى ذات المتلقي، والعمل على توريطها منذ البداية؛ يقول السارد: “اكتشفت هذا الصباح وعلى حين غرة أنني مت”، وهو الإخبار الذي يتضمن الكثير من التضخيم، لفرض واقعية على الحدث: “كثيرا ما رأيتني أهوي في قرارة الموت ثم أستفيق مذعورا”. إن توليفة الحلم والواقع، غالبا ما تتم وفق خط رفيع، يصل بين عالمين لبناء مناورة سردية محكمة التفاصيل، بإنذاراتها الخاطئة، وبتشويقها المدروس. تمهيدا للعب سردي على مسارين مختلفين وانطلاقا من شحذ كل الإمكانات التخييلية الممكنة لتمرير خطاب مقصود: “أرسم في مخيلتي بعض الأشياء التي من المفروض أنها حصلت.. سأحاول أن أرسم بعضها اعتبارا لكوني أحكي قصة موتي”، وهو الحكي الذي تم به وصف لحظة الموت بكل تفاصيلها الدقيقة. في حين ينبري السارد الثاني لسرد تفاصيل موت الأخ، لكنها تتقاطع في معطياتها مع حدث موت بطل النص في الجزء الأول من النص، عند استحضار حديث الأم: “كانت أمي تقول بعد هذه الحادثة، أن حياتي التالية زائدة”، وهي نفس الجملة التي سنجد أن الأخ الأكبر كتبها على ورقة بيضاء: “كانت أمي تقول لي إن حياتي بعد الحادثة زائدة”. فالأحداث تتقاطع وتتشابك مع صوت آخر، صوت امرأة في النهاية، وهو ما يعيد البطل إلى الحياة: “هي لا تدري بأن ما أعادني إلى الوجود صوت امرأة”. فالبطل يكتشف نفسه دائما حيا في النهاية، وقد ظلت العديد من الأسئلة متحجرة في حلقه: “كيف سأفعل إذا فاجأني (الموت)، ولم تكن هناك امرأة؟”. “حالة موت” هي حالة لعب سردي على مسارين متقاطعين في النهاية لنفس البطل، رغم ما قد يعتري الجزء الثاني من النص من لبس بعد الإشارة إلى موت الأخ: “.. جسد أخي متراميا على فراشه والغطاء منحسر عنه”، وهو ما يتناص مع عتبة النص كحالة موت؛ فاللعب على أكثر من مسار سيبلغ ذروته الكبيرة من التخييل في نص “مثل تفاحة مقضومة”، لينسج وقائعه حول مسارين: الأول واقعي يرصد ظروف عيش البطل القاسية في أحضان البطالة، بعد حيازته لشهادة عليا، وتمزقه الروحي وشكه في إيمانه، ونزوعه نحو الحيرة. والثانية شكه في عمق عقيدة المحيطين به. وهو ما سيولد احتجاجات عديدة وأسئلة رهيبة كشفت عن ماض بغيض وتناقض فتاك يعصف بكل مقومات الذات القلقة: “كنت لا تعرف لله مكانا”،”والآن صرت تعرف أنه موجود في السماء”. صراع الذات والنفس يتضح أكثر في البحث عن محاولة للتطهير نزوعا نحو الحكي عبر فتح كوة داخل المسار الأول، وما انكشف من رجع الصدى في مسار متوارٍ استحضر فيه كلام والده: “أبوك يصرخ دائما في وجهك:ابحث عن عمل، حتى الحمار يعمل”. إن اللجوء إلى إقامة مقارنة بين الذات والحيوان، وكلام الفقيه، وقصة الشخصية مع النملة والعوالم الغريبة التي شيدها من خلال استحضار قصة نبي الله سليمان في تناصها مع حاضره، سيخلص من خلالها إلى الوصول إلى قناعة تامة: كون سليمان كان ملكا نبيا، في حين أن قدراته هو محدودة، وبالتالي فبؤس الواقع سيجد متنفسا له داخل بؤرة الحلم. وهو التحول الذي يبرز أكثر داخل مسار النص بصفة خاصة:”ينفتح الثقب ويتسع، يصير بحجمك أو أكثر، تقترب أكثر، تبصر سلما… كأنما هيئت لنزولك إلى باطن الأرض”. نحو رحلة الهذيان الأكبر: “تفتح عينيك فزعا…تنظر إلى حيث تشير”. فالنص بقدر ما تكشف عتبته عن إيهام كبير، يجعلنا نغوص في واقع حياة الأفراد وحياتهم القاسية، وظروفهم النفسية المعقدة بكل تداعياتها، في محاولة لإبراز صراع الذات والهواجس، وانعكاس للنظرة السوداوية لواقع مفعم بالإحباط والقهر. – البحث عن أقصى درجات القسوة: إننا إزاء نسيج سردي متعدد الحكايات، مفعم بتفاصيل تفتح النص على أكثر من مسار. في حين تظل الحكاية الرئيسية مثبتة على سارية السرد الأساسية وهي تنقل مشاهدات طفل صغير أثناء تنقله ذهابا وإيابا من البيت نحو دكان البقال. حركة مزدوجة يرصدها نص “في الزقاق’، لينقل تفاصيل عديدة لعلاقات مشبوهة لأكثر من شخص داخل نفس المسار. فما يلتقطه يتحول عبر سلطة السرد إلى فضح صامت لشخوص النص كما جاء لحظة حكيه لقصة أخت المخزني “المكورة مثل حبة بصل كبيرة”. في علاقتها الفاضحة مع صاحب الدكان. وقصة عبد القادر سائق الطاكسي مع الجارة التي نكلت بها أم حميد الميخالي، ومغامرات الميخالي، الجنسية الفاضحة في الزقاق لحظة تقشيره لحبة البصل: “يقشرها وقتما شاء دون أن تهدده”، ناهيك عن الكشف عن طبيعة الرجل المخنث الذي تم التشهير بزوجته مع عبد القادر صاحب الطاكسي: “حتى زوجة عبد القادر غادرت الزقاق، لم يغادر المخنث،فقط صار يمشي ورأسه يكاد يلامس الأرض”. بناء النص تميز بالرشاقة في الرصد من حيث السرعة في البناء من خلال الإيماء حينا، والتصريح حينا آخر. وهو ما يجعلنا إزاء نسيج متعدد من الحكايات التي تراصت في مسار تدحرج كرة العلك الصغيرة والتي كانت في الواقع كرة ثلج، ظلت تكتنز في مسار تدحرجها بالعديد من الحكايات التي اتخذ من بعضها منطلقا كقصة أخت المخزني مع البقال لحسن: “يمد يده لتقشيرها وهي تتراقص.. استمرت هي مكورة مثل بصلة عالقة.. صار يقشرها وهي تقهقه وتقول: أويلي ألحسن العن الشيطان…لحسن لا يلعن الشيطان.”. إنه نص بالغ الأهمية في رصد ممكنات الكتابة القصصية القصيرة، دون إطناب، بالنزوح نحو الإدهاش، والإثارة والمتعة، مع تضمين تفاصيل غير مبرحة تساعد النص على الاستواء في حيز فضائي يحقق نوعا من التوازن، اعتمادا على لغة بصرية بارقة، وعلى التقاط حدده مسار النص وبطله، كذلك “الطفل الصغير” ذهابا وإيابا عبر تدحرج كرة العلك الصغيرة. في حين يتيح لنا نص “رائحة السردين”الإطلالة على عوالم الدعارة المنظمة والفوضوية كذلك، من خلال زواج غير متكافئ في السن بين فتاة صغيرة وشيخ مسن. وهو ما اعتبره سارد النص اغتصابا في سن مبكرة، بسبب ما لحق الفتاة من ممارسات خشنة ووحشية من زوجها الأول الذي حول جسدها إلى جسر لعبور العديد من الرجال الآخرين: البناء، بائع السمك،لتمتهن الدعارة التي لم تسلم منها ابنتها كذلك: “ابنتها الأولى تبلغ الآن أربع عشرة سنة لا تعلم عنها شيئا.. لم تبحث عنها. ذهبت إلى موعد مع زبون. لم تعد البنت أبدا وهي لم تشغل بالها”. إننا نلمس حكيا داخل حكي وكأننا إزاء لعبة الدمى الروسية “ماتريوشكا” حيت تتناسل الحكايات فوق سرير اللذة وموائد الخمر داخل غرف استبدت بها روائح السردين يقول السارد: “لم أصاحبها رغم أني أدمنتها. أهاتفها فتأتي”. إننا إزاء علاقة بقدر ما تتعطل الحواس عند سماعها، يتداخل فيها الخيال بالواقع لينسج عالما جميلا: “تشرب وتغرق عيناها في الدموع. أشرب وأغرق فيها…أصير سمكة تسبح في بحرها الهائج بحكايتها التي تدمي الصخر”. لقد ترسخ في ذهن بطل النص أثناء الممارسة الجنسية
الإحساس بأنه يسبح في بركة فيها سردين وهو شعور سيلازمه حتى بعد فراقها: “في الصباح ودعتني وذهبت.. وأنا أمرر الصابون على جسدي وأصب الماء، كانت رائحة السردين تكبر وتكبر.. نظرت إلى أرضية المرحاض. كانت آلاف الحراشف تغطيها.” وهو ما منحه الإحساس بتحوله إلى سردين.

جزء من دراسة طويلة

هامش:- عبد الهادي الفحيلي، مثل تفاحة مقضومة، مجموعة قصصية منشورات دار غراب بمصر للنشر والتوزيع ودار فاليا للنشر بالمغرب 2017

> بقلم: حميد ركاطة

Related posts

Top