قرار البرلمان الأوروبي…

القرار الأخير الصادر عن البرلمان الأوروبي يوم الخميس الماضي، والذي تضمن اتهامات ومزاعم استهدفت المغرب، لا يمكن قراءته منفردا أو كما لو أن صدوره جاء طارئا أو» بريئا»، وإلا سنكون قد غرقنا في تبسيطية بليدة أو قراءة عمياء بلا عقل.
القرار يجب إدراجه ضمن سياق المواقف السياسية والاقتصادية والديبلوماسية والإستراتيجية التي سادت في الشهور أو السنوات القليلة الأخيرة، وأساسا ما يتصل بعلاقات المملكة مع الإتحاد الأوروبي أو بعض دوله الشريكة، وواهم من يعتقد أن المواقف والقرارات تصنعها القناعات المبدئية وحدها أو المثاليات التي لا تستحضر المصالح والحساب وموازين القوى والضغوط.
ليس مطلوبا هنا الاصطفاف الحدي بين الأبيض والأسود، أو الهروب من إملاءات البرلمان الاوروبي نحو تصوير واقعنا الديموقراطي كما لو انه وردي، وخال من المعضلات، ولكن المشكلة في الإطلاقية الفجة التي يتعامل بها الاوروبيون مع قضايانا، والمواقف الانتقائية تجاه البلدان المغاربية او العربية أو الإفريقية.
عندما نجمل كل قضايا حقوق الإنسان، مثلا، في متابعات لأشخاص محددين، ونعتمد على ذلك وحده، ووحده فقط، لصياغة موقف سياسي عام من واقع حقوق الإنسان بالبلاد، فهذا تقزيم غريب، ويجعل قرار البرلمان الأوروبي بلا معنى سياسي محكم، وخال من أي تقييم موضوعي تقتضيه المقاربة.
وإذا جارينا البناء العام لقرار البرلمان الأوروبي، فإن الحيثيات والمنهجية تجعل القارئ يقترب من التأكيد على أن المقصود هو بلد آخر في شمال إفريقيا وليس المغرب، وهنا يبرز سؤال الغاية من استهداف المملكة بالذات وليس بلدا آخر من المنطقة.
من جهة ثانية، وضمن محددات هذه «المثالية الحقوقية الأوروبية» المفترى عليها، فالمتابعات المتحدث عنها حركها مواطنون ضحايا، والأحكام صدرت عن القضاء المغربي ضمن المساطر القانونية المعروفة، فلماذا لم يجر استحضار هذه المعطيات، ولماذا لم يتم إيلاء أي اعتبار لرأي الضحايا والمشتكين، والأساس لماذا كل هذا الازدراء لجهاز القضاء؟ ولماذا جاء قرار البرلمان الاوروبي استعلائيا تجاه القضاء المغربي، ونافيا عنه، من البداية، كل استقلالية أو أهلية او شرعية؟
استطرادا، المحاكمات المستند إليها شهدت حضور وملاحظة عدد من المنظمات الوطنية والأجنبية، وضمنها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بالمغرب، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقد أصدر ملاحظاته وتوصياته بشكل علني، وهي التي غابت في استنادات قرار البرلمان الاوروبي.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو مؤسسة وطنية وفق ما تنص عليه مبادئ باريس المعروفة، وهو مصنف في فئة «أ» من لدن الأمم المتحدة، وليس من طرف السلطات المــــــغربية.
على صعيد آخر، هناك منظمات مغربية تتابع بالرصد والتحليل والترافع اوضاع حرية الصحافة منذ سنين، وتنشر تقارير سنوية، ويمكن أن نذكر هنا فقط: المجلس الوطني للصحافة، هيئة التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، وأيضا التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافة المــــــغربية، وجمعيات حقوقية ومهنية أخرى، لكن قرار البرلمان الأوروبي، وتقارير مماثلة أخرى، لا تلتفت إلى كل هذا، وتنصت فقط لقراءة واحدة أحادية، عندما يتعلق الأمور بالوضع المغربي، وهذا انحياز منذ البداية، ولا صلة له بالمنهجية الحقوقية الموضوعية.
قد تكون لدينا اختلالات ونواقص في القوانين، وأيضا في المساطر، وفي أشكال التنفيذ، سواء في هذا المجال أو في مجالات أخرى، ولكن الأمر لا يخص فقط القضايا المستند إليها في قرار البرلمان الأوروبي، وإنما لها طبيعة عامة، ولا بد من السعي لتجاوزها وتطويرها، وأيضا التشبث بالقيم والمبادئ الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية، ومن ضمنها: حرية الفكر والتعبير والرأي والصحافة، وضمان حقوق الدفاع، والحق في ضمانات المحاكمة العادلة، ومبدأ الأصل هو البراءة، والحق في حماية الحياة الخاصة للمتهمين ولكل المواطنات والمواطنين، وذلك تطبيقا للفصول 23 و24 و28 و119 و120 من الدستور.
إن التقارير الحقوقية الموضوعية لا تكون مبنية على التعميم والإطلاقية، كما هو حال قرار البرلمان الأوروبي ليوم الخميس الماضي، والذي يتحدث عن»كل الصحفيين»، ولا تستند لوجهة نظر أحادية تقدمها فقط تقارير منظمات أجنبية لا تكون دائما دقيقة، أو تغفل كل التقارير الوطنية ولا تحيل عليها مطلقا، وهذا يجعل قرار البرلمان الأوروبي أقرب إلى بيان سياسي استعلائي يترافع لصالح الضغط الديبلوماسي الاوروبي على المملكة، وينتصر لسياسة لي الذراع من أجل مصالح اقتصادية واستراتيجية في سياق التحولات الإقليمية والدولية الجارية.
هذا الأسلوب، في كل الأحوال، ليس غريبا أو جديدا، كما أن البرلمان او الإتحاد الأوروبيين لن يغيضهما التحول من موقف الاستهداف والاتهام هذا إلى موقف الإشادة والسعي للشراكة، وذلك احتكاما للمصالح وحدها، لكن بلادنا يجب أن يحفزها هذا الابتزاز الاوروبي لمواصلة سياسات الإصلاح في كل المجالات، والسعي لتقوية النفس الديموقراطي العام في المجتمع، وتعزيز حرية الصحافة والتعبير، والإنكباب على تمتين وتطوير قطاع الصحافة والإعلام، والارتقاء بمنظومة تأطير المهنة والتفاعل مع انتظارات ممثلي المهنيين، وأيضا السير إلى الأمام لصيانة مصالح البلاد الوطنية والاقتصادية والإستراتيجية والديبلوماسية…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top