قرار بلا معنى ويجب التراجع عنه

قرار وزارة الداخلية القاضي بشمول حظر التحرك الليلي لصحفيي الصحافة المكتوبة والإلكترونية، واستثناء فقط “أطر المؤسسات الإعلامية العمومية والإذاعات الخاصة”، لم يكن له ما يبرره في الظرفية الحالية الصعبة على الجميع، وأنتج فقط استياء مهنيا واسعا من خطوة متسرعة بلا معنى.

أولا، لقد جاء هذا القرار بدوره ليكرس أسلوبا للتعامل لدى سلطاتنا منذ مدة، حيث أنه بمبرر وجود حالة طوارئ صحية في البلاد، تتخذ قرارات إدارية في حق مهنة الصحافة بدون أي تشاور مسبق مع الهيئات والمؤسسات الممثلة لهذا القطاع، تماما كما حدث مع قرار وقف طباعة وتوزيع الصحف الورقية، أو حتى مع قرار تسبيق الدعم السنوي، والذي جاء عكس ما قد يكون ساعيا لتحقيقه.

ثانيا، القرار الحالي جسد سماح الإدارة لنفسها، وبمنطق انفرادي، أن تكون مسؤولة مباشرة عن هيئات التحرير، وتنوب عن المهنة بكاملها في تحديد من يمكنه العمل ومن يستطيع، في نظرها، ممارسة مهنة الصحافة دون أي سعي للحصول عن المعلومة والأخبار أو التحرك للبحث عنها.

ثالثا، معظم الجسم الصحفي المغربي والمؤسسات المهنية الحقيقية أبدت طيلة فترة الطوارئ الصحية نضجا ومسؤولية كبيرين في عملها، وإذا حدثت انزلاقات هنا أو هناك، فالقانون موجود وهيئات المهنة دورها هو التأطير واتخاذ القرارات الضرورية في حق المخالفين، بالإضافة إلى أن بعض المسؤولين المحليين هم من كانوا يجمعون حولهم بعض العناصر الزاعمة كونها من الجسم الصحفي لتصويرهم والدعاية لهم ومتابعة تحركاتهم الميدانية، وكان على السلطات أن تتخذ الإجراءات القانونية حتى في حق هؤلاء الأعوان الرسميين.

رابعا، مقاولات الصحافة المكتوبة والإلكترونية تعاني هذه الأيام من تداعيات المرحلة وصعوباتها، وذلك جراء انعدام مداخيل المبيعات واختفاء الإعلانات والإشهار، وتلكؤ بعض المؤسسات في تسديد مستحقات هذه المقاولات، ومع ذلك هي صامدة وتعرض يوميا وعلى مدار الساعة منتوجها المهني، وتساهم في التوعية وفي محاربة الإشاعات والخرافات والأخبار الزائفة، وبدل الاعتراف لها بهذا الدور الوطني الكبير، يأتي هذا القرار ليعبر لها عن عدم الحاجة أصلًا إليها وازدراء دورها.

خامسا، في عديد دول أوروبية وغيرها، يجتهد المسؤولون هذه الأيام في إبداع آليات مناسبة للتواصل مع الصحافة الوطنية والتفاعل مع أسئلتها وانشغالاتها، وعدد من الحكومات أعلنت عن مخططات للدعم والتمويل لحماية هذه الصحافة وصيانة التعددية في البلاد، ومنذ اليوم الأول للأزمة بادرت هذه الحكومات للتشاور مع المنظمات المهنية وتوقيع اتفاقيات وصرف ميزانيات، لكن مسؤولينا نحن سمحوا لأنفسهم بالتدخل في عمل هذه المهنة وحرمان قطاع عريض منها من حرية التحرك من أجل العمل، وتحديد ساعات قليلة لذلك.

سادسا، القرار الحالي، وبناء عليه، كامل السياسة الحكومية المتميزة بالتجاهل لدور الإعلام الوطني في هذه المرحلة الصعبة وفي بناء المستقبل، يجعلنا نخشى أن يكون مقدمة لمنظور مستقبلي سيسير في اتجاه القضاء نهائيًا على هذه المهنة، ومن ثم ترك مغرب الغد بدون صحافة جادة وحقيقية تخوض من جهتها في التحديات المطروحة على البلاد، وتساهم في تعزيز الديمقراطية والتنوير.

سابعا، حتى في مراحل الأزمات والأوبئة والحروب، يجب أن تستمر الصحافة في لعب دورها في مراقبة السلطات العمومية وتقييم أدوارها وعملها، وليس العكس، أي فرض صمت إعلامي  ومجتمعي في البلاد.

ثامنا، ندرك فعلا حساسية الظرفية والإجراءات الصحية والاحترازية والوقائية الواجب الالتزام  بها من لدن الجميع، ولكن ليس في الواقع ما يدعو اليوم لكي يشمل حظر التحرك الليلي الصحفيين المهنيين بشكل عام أو إحداث التمييز بينهم من طرف وزارة الداخلية، وبشكل انفرادي.

وبدل هذا الأسلوب الذي يبخس دور مهنيي الصحافة والإعلام، كان يجب إبداء بعض الاحترام والتقدير للقانون وللتشاور مع مؤسسات المهنة وهيئاتها.

تاسعا، الصحافة المكتوبة والإلكترونية وكامل الإعلام الوطني المهني والجاد، يتطلب اليوم الكثير من الاحترام من لدن الدولة، والوعي بأهميته ودوره وحاجة المغرب إليه آنيا ومستقبلا، ومن ثم ضرورة الإسراع بالتفكير في مخطط شمولي وإستراتيجي لتأهيله ودعمه وإنقاذه وتطويره خدمة للتطلعات الديمقراطية والتنموية لبلادنا وشعبنا.

عاشرا، نتمنى أن تبادر السلطات العمومية في أسرع وقت إلى إلغاء قرارها الحالي وعدم العودة لمثل هذا التدخل في المهنة واقتراف التمييز بين مكوناتها، وبدل ذلك الحرص على إبداء التقدير للإعلام الوطني ولهيئاته التمثيلية.

محتات الرقاص

Related posts

Top