قرار قضائي بتفعيل مبدأ إشعار مستهلك المخدرات بحقه في العلاج في المغرب

بتاريخ 27/12/2022 أصدرت محكمة الاستئناف بطنجة قرارا بإلغاء قرار استئنافي سابق قضى وبشكل غيابي بإدانة متهم من أجل جنحة استهلاك المخدرات، وذلك بعدما تبين لها أن النيابة العامة لم تشعر المتهم بحقه في العلاج. اللافت في الحكم الذي نشرته “المفكرة القانونية”، أنه يعتبر اول تطبيق قضائي منشور صادر عن محاكم الاستئناف يفعل مقتضيات المادة 8 من ظهير 21 ماي  1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات، كما أنه اعتمد في حيثياته على توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان.

ملخص القضية

تعود فصول القضية الى تاريخ 21-06-2007 حينما أوقفت الشرطة شخصا يحوز قطعة من المواد المخدّرة، وعند الاستماع اليه في محضر الشرطة اعترف بحيازته للمخدر لكونه مدمن على استهلاكه.

وبعد إحالته على النيابة العامة، قررت هذه الأخيرة متابعته في حالة سراح، وقضت المحكمة الابتدائية بإدانته من أجل المنسوب اليه، ومعاقبته بغرامة نافذة قدرها 1000 درهم. كما قضت محكمة الاستئناف غيابيا بتأييد الحكم الابتدائي. وبعد اطلاع المتهم على الحكم الصادر في حقه بشكل غيابي، بعد مرور زهاء 14 سنة على صدوره، تقدّم بطلب للتعرّض عليه أمام محكمة الاستئناف، حيث طالب بإلغائه لكونه لم يفعّل مبدأ الحقّ في العلاج المنصوص عليه في ظهير 21 ماي 1974، وقد اعتمد الدفاع في مرافعته على حكم سابق قضى بعدم قبول المتابعة المتعلقة باستهلاك المخدرات لعدم اشعار المستهلك بحقه في العلاج ، وبتقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الانسان دعا الى تفعيل مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 21 ماي 1974.

موقف المحكمة

في دراستها للقضية طالبت المحكمة بالاطلاع على نسخة من محضر استنطاق المتهم للتأكد من إشعاره بحقه في العلاج؛وبعد تأكيد ممثل النيابة العامة تعذر إنجاز الإجراء المطلوب، تقرر اعتبار القضية جاهزة.

وبعد التأكد من هوية المتهم وفق ما ضمن بمحضر الضابطة، أشعر بالمنسوب إليه فأجاب بالإنكار، نافيا ما ورد بمحضر الضابطة القضائية.

وقضت المحكمة بإلغاء الحكم المتعرض عليه، اعتمادا على الحيثيات التالية:

  • بموجب الفقرة الثانية من المادة الثامنة من ظهير 21 ماي 1974، فإن المتابعة الجنائية بخصوص جنحة استهلاك المخدرات لا تجري إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبي من وكيل الملك على الخضوع خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم إما في مؤسسة علاجية أو في مصحّة خاصة؛
  • لا دليل في الملف على إشعارالمتهم لحظة استنطاقه من طرف وكيل الملك بحقه في الخضوع لعلاج طبي أو استفساره عن مدى موافقته على الخــــضوع للعلاجات المذكورة. والحال أنه شرط أساسي لكي تكون المتابعة مستوفية لشروطــها الشكلية حسب ما يستفاد من نص المادة المشار إليها أعلاه؛
  • إن معاقبة مستهلكي المخدرات تبعا لأهداف السياسة الجنائية المتبعة في التشريع الجنائي المغربي لا تهدف إلى محاسبتهم عما فعلوه في الماضي، بل تروم أساسا لتوفير السبيل أمامــــهم للتحرر من استهلاك المخدرات مستقبلا، وهو ما تؤكده أيضا توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وعليه قضت محكمة الاستئناف بعدم قبول المتابعة المسطرة في حق المتهم لعـــــدم استيفاءها كافة الشروط الشكلية المتطلبة قانونا، وذلك بعد إلغاء الحكم المستأنف في جميع ما قضى به في مواجهة المتهم أعلاه.

تعليق على الحكم

تكمن أهمية هذا الحكم الذي نشرته “المفكرة القانونية”، في كونه يعد أول اجتهاد قضائي منشور صادر عن محاكم الاستئناف، يكرّس حق المدمنين على استهلاك المخدرات في العلاج، وذلك بعد صدور أحكام قضائية ادائية كرست هذا الحق.

اللافت في هذا الحكم هو أنه لم يكتفِ بإحياء نصّ غير مفعل على أرض الواقع وهو نص الفقرة الثانية من المادة 8 من ظهير 21 ماي 1974 التي تكرس العلاج من الإدمان كبديل عقابي يحول دون تحريك المتابعة وإنما اعتمد في تعليله على أهداف السياسة الجنائية الحديثة في قضايا التعاطي لاستهلاك المخدرات والتي أضحت تستهدف أساسا تقويم سلوك المتعاطي وعلاجه وتأهيله عوض الاكتفاء بزجره، وهو ما يكرس الدور الاجتماعي للقضاء كحام للحقوق والحريات وكساهر على التطبيق العادل للقانون لا مجرد تطبيقه بشكل حرفي.

كان لافتا في هذا الحكم استعانته بتوصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان، في  مذكرته بشأن مراجعة القانون الجنائي حيث سبق أن أوصى بمراجعة القانون المنظم لزجر الإدمان على المخدرات لملاءمته مع المعايير الدولية، ومع المستجدات التشريعية الوطنية، وبالأخص ضمان تفعيل الولوج الى العلاج من الإدمان واعتماد العقوبة البديلة المتمثلة في الخضوع لتدابير علاجية في حالة الاستهلاك والحيازة والإتجار في كميات صغيرة بقصد تغطية تكاليف الاستهلاك.

Related posts

Top