قضايا القصة القصيرة جدا كما طرحها الباحث جميل حمداوي

> بقلم: عبد الملك قلعي

تناول نقاد القصة القصيرة جدا – مغاربة وعرب –  ودارسيها، جملة من القضايا التي  لم ينقطع النقاشُ من حولها  ولا الإطمئنان للرأي الأخر فيها. حيث نجدهم يجتهدون في الإدلاء بدلوهم في الكثير منها، ويتطرقون إليها بالدراسة والتحليل، محاولين  بذلك تقديم نظريات وتصورات جديدة لنقد هذا الفن المستحدث، و تحديد مفهومه، وتجنيسه.  ومن بين هؤلاء الدكتور جميل حمداوي عراب القصة القصيرة جدا، الذي سنحاول في هذا الإطار الوقوف عند جملة من القضايا التي تناولها في كتبه المطبوعة ورقيا.

1 – تحديد القصة القصيرة جدا :

من النقاد الذين حاولوا تعريف القصة القصيرة جدا، الناقد الناظوري جميل حمداوي في عدد من كتبه، إذ يقول مثلا في كتابه ” من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا (المقاربة الميكروسردية)” إنها “جنس أدبي حديث يمتاز بقصر الحجم، والإيحاء المكثف، والانتقاء الدقيق، ووحدة المقطع، علاوة على النزعة القصصية الموجزة، والمقصدية الرمزية المباشرة، فضلا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب، واستعمال النفُس الجُمْلي القصير الموسوم بالحركية والتوترالمضطرب وتأزم المواقف والأحداث، بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار. كما يتميز هذا الخطاب الفني الجديد بالتصوير البلاغي الذي يتجاوز السرد المباشر إلى ما هو بياني ومجازي، ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي.
هذا، وتتمثل سمات القصة القصيرة جدا في الإدهاش، والإرباك، والاشتباك، والمفارقة، والحكائية، وتراكب الأفعال، والتركيز على الوظائف الأساسية دون الوظائف الثانوية، والإقبال على الجمل الفعلية، والتكثيف، والتلغيز، والتنكيت، والترميز، والأسطرة، والانزياح، والتناص، والسخرية، وتنويع صيغ السرد القصصي، تهجينا وأسلبة ومحاكاة، وتصغير الحجم أكثر ما يمكن تصغيره انتقاء وتدقيقا وتركيزا”(1).
فهذا اجتهاد رام القبض على مفهوم هذا الجنس الأدبي الوليد – كما لاحظ عبد الواحد أبجطيط -؛ من خلال رصد جملة من السمات والخصائص التقنية التي تمتاز بها  كغيره من التعاريف والاجتهادات الأخرى  التي حاولت تحديد ماهيتها، وتبيان مفهومها الدقيق (2)، بيد أنها تظل تصورات وأفكارًا تختلف من تعريف للآخر، و”مرد ذلك إلى عدم اكتمال صورتها لتستوي على سوقها جنسا أدبيا قائم الذات ذات خصوصيات وقوانين مميزة، بل إنها ما تزال في طور التكون والتشكيل باحثة عن موطئ قدم لها داخل السوق الأدبي”(3).

 2 – تجنيس القصة القصيرة جدا:

 تعد إشكالية تجنيس القصة القصيرة جدا من بين أبرز ما يصادف دارس هذا الفن الأدبي الجديد. فالواضح أن النقاد والدارسين لم يستقروا بعد على رأي واحد، بل نجد محاولاتهم، في هذا الإطار، متباينة ومتضاربة في بعض الأحيان، فمنهم من يرفض هذا الفن الحديث، و”يقوم على المكابرة والممانعة والعناد، وعدم الاعتراف بهذا الجنس المستحدث( أغلبهم كتاب الرواية وفن القصة القصيرة الذين يخافون على مكانتهم الأدبية…)”(4). في حين، ثمة موقف آخريعترف بها، وينتصر لها، ويعتبرها الجنس الأدبي المفضل للمستقبل، أمثال يوسف الحطيني، و أحمد جاسم الحسين، وجميل حمداوي…
 فقد قدم الناقد جميل حمداوي، في كتابه “دراسات في القصة القصيرة جدا”، دراسة وافية تطرق فيها إلى مسألة التجنيس؛ حيث انطلق من مجموعة من القوانين والمعايير لمعرفة هل تستحق القصة القصيرة جدا أن تكون جنسا أدبيا قائم الذات أم إنها مجرد فرع من فروع القصة القصيرة. ومن بين تلك القوانين: المماثلة، والتواتر، والأهمية، والقيمة، المهيمنة، والثبات، والتطور، والعدد، وأفق الانتظار، والتمثيل، والتراكم، والتكامل، والمقارنة، والمشابهة، والتوصيف، والتصنيف، والتقسيم، والمأسسة، والتنظيم، والتسنين…
 وتوصل  حمداوي الذي يعتبر من أهم المنظرين لهذا الفن الحديث، وأكثرهم إنتاجا نقديا فيه، إلى أن القصة القصيرة جدا جديرة بأن تكون جنسا أدبيا بامتياز، يمتلك مجموعة من الأركان التي تميزه عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى تخصيصا وتفريدا واستقلالية (5).

3 – أركان القصة القصيرة جدا وشروطها

 من القضايا التي تناولها الدكتور جميل حمداوي ونظر لها، قضية الأركان والشروط في مجال القصة القصيرة جدا؛ إذ أصدر عام 2013م كتابا وسمه بـ “القصة القصيرة جدا: أركانها وشروطها”، ويقصد الباحث، هاهنا، بالأركان تلك الأسس الثابتة التي لا يمكن الاستغناء عنها، بينما أعطى للشروط الصفة التكميلية، حيث يقول:” للقصة القصيرة جدا مجموعة من الشروط التكميلية والثانوية..”(6)
 لقد ميز حمداوي بين المكونات الداخلية والتقنيات الخارجية؛ كما يتضح ذلك من خلال التوطئة التي صدّر بها  كتابه المذكور في الفقرة السابقة. وقسم هذا الآخير إلى فصلين؛ الأول جعله خاصا لأركان القصة القصيرة جدا، التي حددها في ستة معاير، وهي: المعيار الطبوغرافي، والمعيار السردي، ومعيار القراءة والتقبل، والمعيار التركيبي، والمعيار المعماري، والمعيار البلاغي. أما الفصل الثاني فقد خصصه لشروط القصة القصيرة جدا، التي حددها في خمسة معايير، وهي: المعيار المناصي، والمعيار التفاعلي، والمعيار البلاغي، ومعيار التخطيب، والمعيار الدلالي. وللإشارة فهذه الدراسة كانت منشورة من قبل ضمن كتابه “من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا(المقاربة الميكروسردية)”، سنة 2011، وقبله في عدة مواقع إلكترونية. وتلك عادة الناقد في أكثر دراساته وكتبه النقدية وغير النقدية.
 والملاحظ أن مصطلحي الأركان والشروط، استعارهما الناقد من الفقه، وحاول توظيفهما في المقاربة الميكروسردية التي يقترحها،  كما أنه لم ينضبط لهما في دراساته التطبيقية اللاحقة؛ إذ نجده يستخدم في الغالب مصطلحات أخرى- أكثر دلالة، من قبيل الجماليات والخصائص والمقومات والمبادئ.. كما فعل في كتابه “خصائص القصة القصيرة جدا عند الكاتب السعودي حسن علي برطان”، و”مقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري ( مقاربة ميكروسردية)”، و”جماليات القصة القصيرة جدا عند الكاتبة الكويتية هيفاء السنعوسي”….
 تعد القضايا سالفة الذكر من أكثر قضايا القصة القصيرة جدا، التي حظيت باهتمام دارسي هذا الجنس الأدبي الفتي، فقد شغلت الكثير من النقاد داخل المغرب وخارجه، وأًوْلَوْها عناية واضحة، وتطرقوا إليها بالدراسة والتحليل، ونجدهم في الأخير غالبا ما لا يطمئنون إلى رأي  الآخر، وبالتالي لم يقدموا تصورا واحدا  في هذا الاطار.

الهوامش :

– جميل حمداوي: من أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ( المقاربة الميكروسردية )، شركة مطابع الأنوار المغاربية، ط: 1، 2012م، ص: 8.
– عبد الواحد أبجطيط: خصائص القصة القصيرة جدا عند ميمون حرش، مطبعة القبس، العروي، ط: 1، 2015م، ص: 9.
– فريد أمعضشو: قضايا القصة القصيرو جدا، مجلة كتابات معاصرة، بيروت، العدد: 85-2012، ص: 95 – 99 .
 – جميل حمداوي: دراسات في القصة القصيرة جدا، دار نشر المعرفة، ط: 1، 2014م، ص: 103.
 – نفسه، ص: 130 – 131.
 – جميل حمداوي: القصة القصيرة جدا- أركانها وشروطها، دار نشر المعرفة، ط: 1، 2013م، ص: 63.

Related posts

Top