قمة كوكب واحد من أجل التنوع البيولوجي

في إطار التعبئة لمؤتمر الأطراف الخامس عشر للتنوع البيولوجي والمرتقب أن تحتضنه مدينة كونمينغ الصينية شهر أكتوبر المقبل، ومؤتمر الاطراف الرابع عشر للمناطق الرطبة رامسار والمرتقب أن تحتضنه مدينة ووهان الصينية الشهيرة بمهد فيروس كورونا، ولتعبئة المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق طموح بشأن التنوع البيولوجي مثل اتفاق باريس للمناخ التاريخي، وبعدما أجلت جائحة كورونا أشغال مؤتمر الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة والذي كان مرتقبا عقده هذا الشهر بمدينة مارسيليا الفرنسية، تنطلق يوم الاثنين 11 يناير 2021 بالعاصمة الفرنسية باريس أشغال قمة كوكب واحد من أجل التنوع البيولوجي، لرفع مستوى طموح المجتمع الدولي بشأن حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، فقد ذكرتنا الأزمة الصحية العالمية لكوفيد19 بشكل كبير بأهمية الطبيعة في حياتنا اليومية واقتصاداتنا، فالتنوع البيولوجي أصبح يشكل تأمينا لنا على الحياة، ومع ذلك فإن الأضرار التي لحقت بالنظم البيئية وصلت إلى مستوى غير مسبوق وستكون لها عواقب وخيمة على أنماط حياتنا في العقود القادمة، ويمثل عكس هذا الاتجاه تحديا كبيرا للعقد القادم، فنحن أصبحنا بحاجة إلى إعادة التفكير في علاقتنا بأكملها مع الطبيعة، هذا إذن هو تحد اجتماعي واقتصادي كبير سيتطلب تحولا عميقا في سلاسل القيمة وفي نماذج أعمال وفي عادات الاستهلاك لدينا، لوضع حد لنماذج الإنتاج التي تدمر الحياة.
ويتطلب هذا التحدي العالمي إجراءات متضافرة على جميع المستويات الدولية والوطنية والمحلية ومن قبل جميع الجهات الفاعلة من حكومات ومنظمات الدولية والشركات والجهات الفاعلة في الجمعيات والمواطنين، وسيجمع هذا المؤتمر رؤساء الدول والحكومات بالإضافة إلى قادة المنظمات الدولية والمؤسسات المالية والقطاع الاقتصادي والمنظمات غير الحكومية، وكلهم على استعداد لتقديم التزامات لاتخاذ إجراءات ملموسة للحفاظ على التنوع البيولوجي وإطلاق مبادرات تاريخية لصالح الطبيعة، وتم اختيار أربعة مواضيع رئيسية للحفاظ على الكائنات الحية.
حماية النظم البيئية البرية والبحرية

وتعتبر حماية النظم البيئية البرية والبحرية ركيزة أساسية للعمل لصالح التنوع البيولوجي، وتلعب المناطق المحمية دورا رئيسيا في حماية واستعادة التنوع البيولوجي وستكون عاملا حاسما في عكس الاتجاه الحالي بنجاح، ويساعد تعزيز الزراعية الايكولوجية على حماية تنوع النظم البيئية عن طريق الحد من التلوث مع السماح بخلق المزيد من فرص العمل والعمل من أجل الأمن الغذائي، وستركز القمة على تسريع تنفيذ الجدار الأخضر العظيم للصحراء والساحل.
وستكون قمة الاثنين فرصة لحشد التمويل المالي للتنوع البيولوجي ولاسيما مع التزامات التمويل المبتكرة الجديدة والمبادرات لتوجيه المزيد من الاستثمارات العامة والخاصة نحو مشاريع لحماية النظم الإيكولوجية وإدارتها المستدامة واستعادتها أو التقارب الضروري للتمويل العام للمناخ والتنوع البيولوجي، بينما تبقى العلاقة بين إزالة الغابات وصحة الإنسان هي صلة موضوعية، حيث ستسمح القمة لجميع المتدخلين بالعمل معا بشكل أفضل للوقاية من الأوبئة في المستقبل، من خلال مكافحة إزالة الغابات والوقاية من المخاطر المرتبطة باتصالاتنا مع الأنواع البرية.
وسيذكر التاريخ أن جائحة كوفيد19 قد عطلت المفاوضات المتعلقة بالمناخ وبالطبيعة وربما ستعطل القمة المقبلة للتنوع البيولوجي بكونمينغ الصينية وربما كذلك قمة الأطراف لاتفاقية رامسار للمناطق الرطبة المرتقبة بمدينة ووهان الصينية، بعدما نجحت الجائحة في تأجيل قمة المناخ في نسختها الخامسة و العشرين المرتقبة بغلاسكو باسكتلندا الى شهر نونبر المقبل، وتم تأجيل قمة الطبيعة للاتحاد العالمي لحماية الطبيعة المرتقبة بمارسيليا الفرنسية الى شتنبر المقبل، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة هل بإمكان الصين أن تستضيف قمتين عالميتين في غاية من الأهمية، ويتعلق الأمر بقمة الأطراف للتنوع البيولوجي في نسختها الخامسة عشرة والتي من المنتظر أن تحتضنها مدينة كونمينغ الصينية خلال شهر أكتوبر 2021، وقمة الأطراف للمناطق الرطبة رامسار التي ستحتضنها مدينة ووهان الصينية شهر نونبر المقبل.
مدينة ووهان بين
تصدير الجائحة واحتضان القمة العالمية

وسيعقد الاجتماع الرابع عشر لمؤتمر الأطراف المتعاقدة في اتفاقية رامسار للأراضي الرطبة في ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي بوسط الصين شهر نونبر المقبل، وستكون هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها الصين اجتماع اتفاقية الأراضي الرطبة المعروفة باسم اتفاقية رامسار وهي المعاهدة الحكومية الدولية التي توفر إطارا للحفظ والاستخدام الحكيم للأراضي الرطبة ومواردها. وتم تبني الاتفاقية في مدينة رامسار الإيرانية عام 1971 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1975، ومنذ ذلك الحين انضم ما يقرب من 90 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جميع المناطق الجغرافية في العالم لتصبح “الأطراف المتعاقدة”.
وتقع مدينة ووهان، التي ستستضيف القمة في نسختها الرابعة عشرة، عند التقاء نهر اليانغتسي وأطول رافده لنهر هان، وتضم حوالي 1624 كيلومتر مربع من الأراضي الرطبة و تمثل 18.9٪ من إجمالي مساحة المدينة. ووهان هي عاصمة هوبي وأكبر مدنها، وتعتبر المركز السياسي والاقتصادي والمالي والتجاري والثقافي والتعليمي لوسط الصين.
قمة الأمم المتحدة
للتنوع البيولوجي

كانت قمة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي التي عقدت في 30 شتنبر 2020 فرصة لأكثر من مائة رئيس دولة وحكومة للتعبير عن توجهاتهم واقتراحاتهم، على المستويين الوطني والدولي، بخصوص مشكلة تراجع التنوع البيولوجي والاستجابات السياسية. وقد كانت هذه القمة بمثابة الزخم الأخير، ولكن أيضا كمرحلة للتعبير عن التقاربات والاختلافات السياسية، قبل مؤتمر الأطراف الخامس عشر لاتفاقية التنوع البيولوجي، الذي كان من المقرر عقده في بداية شهر أكتوبر الماضي في الصين. لم تفقد القمة أهميتها، رغم استمرار تركيز جميع وسائل الإعلام والاهتمام السياسي على أزمة كوفيد19 وعواقبها الاجتماعية والاقتصادية، لذلك كان من الضروري النظر إليها، وتحليل النتائج الآن، كلحظة لإعادة قضايا التنوع البيولوجي إلى جدول الأعمال السياسي والتعبير عن المواقف التي ستنظم المفاوضات خلال القمة المقبلة.
وكما كان مقررا في الأصل أن يعقد المؤتمر الخامس عشر للأطراف الموقعة على اتفاقية التنوع البيولوجي في كونمينغ بالصين وتم تأجيله بسبب الجائحة، حيث يجب أن يحدد هذا المؤتمر المسار العالمي من حيث التنوع البيولوجي للسنوات العشر القادمة، قالت إليزابيث ماروما مريما الأمينة التنفيذية لاتفاقية التنوع البيولوجي: “أحد أهم الدروس المستفادة من وباء كوفيد -19 المستمر هو أن إنقاذ الطبيعة أمر ضروري لحماية البشر من حيث الصحة والرفاهية”، وتضيف “توفر لنا هذه الاجتماعات فرصة هائلة لضمان دمج الحماية والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي في السياسات التي ستوجه الوضع الاقتصادي وما بعد الجائحة، وفي خطط التعافي من أجل التنمية”.
انطلاقة جديدة ومواقف سياسية مبتكرة

من وجهة نظر إعادة الجدولة، تجدر الإشارة إلى العدد الكبير من رؤساء الدول الذين تحدثوا مباشرة، وعدد الدول المتحدة في تحالفات عالية الطموح. قبل يومين من القمة، وقع عدد كبير من رؤساء الدول على تعهد القادة من أجل الطبيعة، وتحدث وزراء وقادة الدول المعنية في حدث مخصص، يتألف التحالف بين القارات من 76 دولة اليوم، ويقترب تدريجيا من نصف الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي، ويتعهد بالتزامات تتراوح من دمج التنوع البيولوجي في إعادة الإعمار بعد كوفيد19 الى نقاط مختلفة من النصوص سيتم اعتمادها في مؤتمر الأطراف الخامس عشر، ضمن هذا “النادي” الأول يمكننا التمييز بين أكثر من ثلاثين دولة منخرطة في تحالف الطموح العالي من أجل الطبيعة والناس، الذي أطلقته كوستاريكا وفرنسا، والتي تهدف إلى التوافق مع التزامات أكثر تحديدا.
يجب التأكيد على هذا التقارب وهذه الهيكلة في الائتلافات والترحيب بها، لأن المفاوضات حتى الآن كانت تفتقر إلى كتل من الدول الدافعة والمنسقة للضغط معا نحو أفضل نتيجة ممكنة لمؤتمر الأطراف الخامس عشر، لكن الخلافات حقيقية للغاية، وتحدث أثناء وحول القمة، باختصار بسبب غياب الدول البارزة في الائتلافات: لم تنضم أي من رئاستي مؤتمر الأطراف الحالية مصر والمستقبلية الصين إلى الائتلافات المذكورة.
كما هو الحال مع معظم المفاوضات الدولية بشأن البيئة، ولاسيما اتفاقية باريس للمناخ، فإن الطموح الجماعي الذي يظهر في القرارات النهائية لمؤتمر الأطراف الخامس عشر سيكون مشروطا بالتعهدات التي سيتم تقديمها، ولاسيما من البلدان حول توافر الأموال لدعم تنفيذ التحولات اللازمة في البلدان الأشد فقرا، إنه موضوع معقد وله تداعيات متعددة يمكن العثور عليها حتى في المفاوضات حول الوصول إلى الموارد الجينية وتقاسم المنافع المرتبطة باستغلالها حيث أن بروتوكول ناغويا لاتفاقية التنوع البيولوجي مخصص بالكامل لـهذه النقطة، وقد قدم فريق من الخبراء ثلاثة تقارير في الموضوع إلى أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي.
وفي الطريق إلى الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف للتنوع البيولوجي ولا سيما في السياق الحالي، سيكون من الضروري إعادة “اختراع” التضامن الدولي من أجل التنوع البيولوجي. وسيكون من الضروري أيضا البحث عن حلول قادرة على أن تكون بمثابة تعهد سياسي كاف وأداة ملموسة للمساعدة حقا في التنفيذ.

< محمد بن عبو (*)

(*) خبير وناشط بيئي، رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

(في العدد القادم: المغرب بين الطموح الملموس والالتزامات الوطنية والدولية لحماية التنوع البيولوجي)

Related posts

Top