قمح عمره 10 آلاف عام صديق للبيئة

أصبحت أنواع قديمة وبدائية من القمح، كانت معروفة في ألمانيا منذ أكثر من عشرة آلاف عام، آخر صيحة الآن في المخابز العضوية أو الأورجانيك. وتتميز هذه الأصناف بأنها تنمو في أراض باردة وفقيرة، ولها أعواد سنابل قصيرة ويصعب فصل حبوبها عن السنابل.
وتدخل هذه الأنواع من القمح البدائي في الوقت الراهن في منتجات مثل الخبز أو الجعة، وكذلك كحشو للوسائد الحرارية أو سنادات الرقبة أو الظهر في الطائرات. كما ترى فيها المخابز عنصرا متكاملا يشبع النهم إلى منتجات مستدامة وطبيعية وأصلية.
ومع ذلك، فإن العديد من المزارعين وأصحاب المطاحن والخبازين لا يزالون لا يعرفون كيفية الاستفادة من هذه الحبوب البدائية، ولذا فقد قرروا من البداية التصدي لما يسمى الأصناف القديمة بسبب الجهد المبذول وانخفاض الإنتاجية نسبيا.
وفي ما يمكن أن يطلق عليه أكبر تجربة ميدانية في العالم، يسعى فريدريش لونغين، خبير القمح من مدينة شتوتغارت (جنوب ألمانيا)، بالتعاون مع هاينر بك ومولر هيرمان، الخبيرين في صناعة الخبز، لإزالة الغموض الذي يحيط بخبز القمح، بالبحث في سلوك هذه الأصناف من المحصول، وما هي المخاطر التي تنطوي عليها، وما هي المنتجات التي تتناسب مع كل نوع من الحبوب بشكل أفضل.
وبحسب لونغين “نسمع الخبازين يتحدثون بنوع من اليأس عن أناس يقولون إنهم أصبحوا غير قادرين على تحمل خبز الدقيق، ولكنهم يستطيعون تناول الخبز المصنوع من الشوفان”. ويؤكد هؤلاء المتخوفون من خبز القمح أن تناوله يصيبهم بالصداع النصفي أو بمشاكل في المعدة والأمعاء.
جعة بنكهة القمح

ولكن لونغين يشدد على عدم وجود أدلة علمية على عدم تحمل بعض الأشخاص القمح أكثر من أنواع الحبوب الأخرى. ويبرر الخبراء تراجع شعبية منتجات الخبز المصنوعة من الدقيق باحتواء الخبز على الجلوتين، ذلك المكون المتهم بشكل متزايد بأنه يمثل مشكلة، وهو عبارة عن بروتين لاصق، بحسب شتيفان كابيش، من المعهد الألماني لأبحاث التغذية.
والتقى لونغين وزميليه، مطلع العام الحالي في “مارثون الخبيز”، حيث خبزوا 42 نوعا من الخبز على مدى ثلاثة أيام، باستخدام أنواع من القمح المزروع عضويا وقمح مزروع بالأسلوب التقليدي، بمساعدة قليل أو كثير من الأسمدة النيتروجينية.
ويعمل الخبير الألماني في جامعة هوهنهايم في شتوتغارت على أنواع الحبوب البدائية سالفة الذكر، ومع ذلك فهو ليس مقتنعا حقا بالمزايا المفترضة للأصناف التقليدية، ولكنه يعترف بأنها تجذب اهتمام المستهلكين بشكل متزايد فـ”المستهلك يريد القديم، التقليدي. يجب على الصناعة أن تتفاعل”.
ووفقا لاتحاد الخبازين في منطقة بادن-فورتمبيرغ، فإن العملاء يقدرون المحتوى العالي من المعادن والفيتامينات، كما يحب الكثيرون طعم المكسرات المذهلة والقوية والحارة لهذه الحبوب التي تنتمي إلى عائلة القمح. وقال فرانك شوتر، مدير الاتحاد، إن الأنواع البدائية، تتجاوز أكثر من مجرد موضة، مؤكدا “الصيحة أصبحت أكثر رسوخا”.
ومن ناحية أخرى ترى المخابز الصغيرة على وجه الخصوص أن بيع خبز مصنوع من توليفة من القمح القديم يعد فرصة كبيرة، سواء لكي تتميز عن السوبر ماركت التقليدي وسلاسل المحلات الكبرى، أو لإعطاء مثال على التنوع الحيوي للمنتجات الإقليمية. وأضاف شوتر “الخبز المصنوع من قمح قديم، لن يحل محل الخبز التقليدي، ولكنه سيعمل على توسيع قاعدة انتشاره وزيادة حصته من السوق”.
وتتم حاليا في حقول هوهنهايم التجريبية على مشارف شتوتغارت، زراعة 150 صنفا من القمح القديم، أي ما مجموعه حوالي طنين من الحبوب. في وقت لاحق، سوف تطحن لإنتاج 500 كيلوغرام من الدقيق النقي، دون خلط الأصناف، من أجل تصنيع حوالي 3000 عبوة خبز على سبيل الاختبار.
ويذكر أن لونغين وأعضاء فريقه أمضوا سنوات في جمع البذور وإعدادها. ويقول لونغين “بدأنا للتو في إجراء أبحاث لفحص الحبوب البدائية.. نحن على دراية بالكثير من المخاطر الكامنة في الخصائص، لكننا ما زلنا لا نعرف الإمكانيات التي توفرها الأصناف المختلفة”.
كما يرى طلبا كبيرا على المعلومات من قبل الخبازين والمزارعين، لذا حذر خبير القمح الألماني “لا يعرف معظم الناس أي شيء عن هذه الأنواع القديمة من القمح الحالي، لذا لا يمكنك البدء من نقطة الصفر دون الحصول على معلومات للقيام بذلك”. ويعتبر أنه من الضروري إجراء عملية تأهيل وتدريب على حصاد وإنتاج وتسويق المنتجات على أساس هذه الحبوب المستردة، مضيفا “يجب أن يكون الخبازون قادرين على أن يشرحوا لزبائنهم خصائص الخبز الذي يبيعونه وكيف يتم تحديد سعره وفوائد تناوله وكذلك أضرار ذلك”.
وأوضح شوتر أن تكلفة نوع القمح القديم المعروف باسم الـ”escanda” تصل أحيانا إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف تكلفة دقيق القمح التقليدي، ومن ثم يجب أن تنعكس تلك التكلفة على سعر وجودة المنتج النهائي من الخبز.
الأنواع البدائية تتجاوز أكثر من مجرد موضة
ويرجع ذلك إلى أن أنواع القمح القديم تدر على المزارع كمية أقل من الطحين وهذا له انعكاس مباشر على التكلفة، ومن ثم يعتقد لونغين أن الخبز المنتج من دقيق بدائي سوف يلقى بكل تأكيد رواجا في الأسواق، ولكنه لن يحل بأي حال من الأحوال مكان خبز الشوفان أو الخبز التقليدي.
كما أن دراسة جديدة أجراها فريق دولي من الباحثين ونشرت في مجلة “بروسيدنجز” التابعة للأكاديمية الأميركية للعلوم، ديسمبر الماضي، كشفت أن ألمانيا ودولا أوروبية أخرى أهملت تطوير البذور والتقاوي، حيث إن أصناف القمح التي تزرع في ألمانيا ضعيفة أمام التقلبات الجوية المتطرفة مثل الحرارة المرتفعة أو الجدب أو الأمطار الغزيرة.
وأفاد كلاس نيدل، المشارك في الدراسة من مركز لايبنيتس الألماني للأبحاث الزراعية، بأن قدرة أصناف القمح على تحمل الظروف الجوية المتطرفة لم تكن كافية لمواجهة هذه الظروف، قائلا “من الصعب جدا استنبات أصناف قمح قادرة على مواجهة جميع التأثيرات المناخية وفي الوقت ذاته توفير محصول أوفر”.
وأوضح أن “تطوير تقاوي قادرة على الجمع بين وفرة المحصول ومقاومة الظروف المناخية لا يمكن إلا من خلال التوصل إلى تنوع جيني واسع لهذه الأصناف وإكسابها قدرات متعددة على التكيف مع العديد من العوامل“.

Related posts

Top