“كتاب أبيض” يرسم صورة سوداء عن مدينة الدار البيضاء

أعدت حركة “ولاد الدرب” بمدينة الدار البيضاء، كتابا أبيضا للدار البيضاء، يتضمن وضعية مختلف القطاعات الحيوية بالبيضاء، ويبرز مدى استجابتها لحاجيات الساكنة ومدى مسايرتها للإيقاع المجتمعي السريع والمتطور، وقد عرف مشاركة مجموعة من الخبراء والفاعلين والمواطنين.
ويهدف “كتاب أبيض” إلى تحديد المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتق مختلف الفاعلين المحليين والمسؤوليين عن الشأن التنموي والمحلي في مجال التنمية بالعاصمة الاقتصادية، وعما تعانيه من اختلالات ونواقص في مختلف المجالات، “البيئة، النقل، الولوجيات لذوي الاحتياجات الخاصة، التنشيط الثقافي، والتواصل المؤسساتي”، كما تمكن من اقتراح ملاحظات وآراء وحلول عملية وواقعية.

مدينة ملوثة

اعتبر “كتاب أبيض للدار البيضاء” أن الدار البيضاء، من أكثر المدن تلوثا بالمغرب، بسبب التطور الحضاري الذي تعرفه والتمركز الصناعي الذي تصاحبه أضرارا بيئية متنوعة سواء فيما يتعلق بالنفايات الصلبة أو السائلة أو الغازات والغبار.
وأوضح الكتاب، الذي حصلت جريدة بيان اليوم على نسخة منه، أن النفايات الصلبة الناتجة عن مخلفات استهلاك السلع بمختلف أنواعها، تبقى من أهم المعضلات التي تواجه المجالس الجماعية السابقة والحالية، نظرا لضخامة حجمها وصعوبة التخلص منها.
وكشفت الحركة، أن مطرح “مديونة” يعد أبرز معضلة عجز مجلس المدينة عن تسويتها، وفاقمت هموم الساكنة والفعاليات البيئية بالمدينة، بسبب الروائح الكريهة التي تنبعث منها، والأضرار الصحية التي تلحق سكان المناطق المجاورة لها.
وبالحديث عن التلوث الصناعي، سجلت حركة “ولاد الدرب” في كتابها الأبيض، أن الدراسات العلمية مازالت غائبة في هذا المجال، ناهيك عن وجود فراغ قانوني في ما يتعلق بضبط وتيرة تطور المؤسسات الصناعية، وتحديد عتبات التلوث التي لا يجوز للمعامل والمصانع تجاوزها.
إلى جانب ذلك، وقفت الحركة عند ما تعانيه البيضاء مع شبكات الصرف الصحي بالمدينة، لا سيما فيما يتعلق بمشاكل الاختناقات المتكررة، والتي قد تؤدي بحسبها إلى تسرب المياه للفرشة المائية، وهو ما من شأنه أن يساهم في تلويثها، مشيرة إلى أن مشكل اختناق شبكات الصرف الصحي يسير إلى قدمها وتلاشيها، وغياب الدراسات اللازمة أثناء وضعها، ما يجعلها تتعرض لمشاكل تقنية متكررة.
وأرجعت الحركة تفاقم المشاكل بالعاصمة الاقتصادية، إلى غياب مراقبة الأقسام التقنية وأشغال الصيانة الضرورية، التي من المفترض أن تسهر عليها شركة “ليدك” المفوض لها.
وفي سياق متصل، رصد الكتاب الأبيض إشكالية تنامي البناء العشوائي بشكل “مخيف بالمدينة”، الأمر الذي يساهم بشكل كبير في تلويث البيئة، وانتشار الأحياء الهامشية والعشوائية، التي لا تتوفر على الشروط والمعايير الصحية للسكن اللائق، وتفتقر إلى التجهيزات الأساسية المرتبطة بالصرف الصحي وجمع النفايات الصلبة، وهو ما يعرض وفقه حياة قاطنيها للإصابة بالأمراض الخطيرة والمعدية.

أزمة النقل وضعف الولوجيات

وقالت حركة “ولاد الدرب” إن العاصمة الاقتصادية للمغرب، تعيش على إيقاع أزمة حادة في النقل الحضري بسبب الانفجار الديمغرافي السريع، والاختلالات التي يعرفها قطاع النقل على اختلاف وسائله.
وأكدت الحركة في كتبها الأبيض، أن المدينة تتوفر على عدد كبير من الحافلات وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة، وخطوط الطرامواي و”الخطافة” و”التريبورتورات” (الدراجات ثلاثية العجلات)، والعربات المجرورة بواسطة حيوانات، لكنها تظل غير كافية لتلبية حاجيات البيضاويين، في ظل الفوضوية التي تميز تدبير القطاع.
كما اعتبرت الحركة أن هذه الاختلالات تتجلى، في انخفاض عدد الحافلات مقابل الارتفاع المهول لعدد السكان، وافتقاد وسائل النقل لجودة الخدمات والمركبات، والتجاوزات المسجلة في العدد المسموح به من الركاب، وظهور ظاهرة النقل السري، وكثافة حركة السير، وضعف البنيات التحتية، وتكسير وتخريب الحافلات العمومية من قبل مستعمليها، إلى غيرها من السلوكات الغير مقبولة التي تشل السير العادي لحركة النقل والتنقل، كما تضر بمصالح الشركة المفوض لها قطاع النقل.
وأضافت كذلك أن عملية تسريع فسخ عقد التدبير المفوض الذي يجمع المدينة مع شركة “نقل المدينة”، بسبب إخلالها بدفتر التحملات المتفق عليه، أدى إلى وجود أزمة نقل ملموسة بالدار البيضاء، بسبب عدم حسم المجلس الجماعي في مصير الشركة التي ستؤول إليها صفقة تدبير قطاع النقل، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، أفاد الكتاب الأبيض أن البيضاء تفتقر إلى الولوجيات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، والتي تعيق الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وتحد من قدراتهم الجسدية والعقلية، بل حتى النفسية، الأمر الذي يجدهم في حاجة للرعاية الخاصة التي تتناسب مع طبيعة متطلباتهم واحتياجاتهم، من خلال توفير كل الطرق والوسائل الضرورية للتعامل معهم بطريقة صحيحة ومناسبة
ولاحظ معدو الكتاب، أن أغلب الفضاءات العمومية والبنايات السكنية والمنشآت الرياضية في البيضاء لا تتوفر على الولوجيات، “وحتى إن وجدت، فهي لا تستجيب للضوابط العامة والمعايير المعترف بها دوليا”، ويعتبر هذا الواقع انتهاكا لحقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب الكتاب الأبيض.
وأشارت حركة “ولاد الدرب” إلى أنه لا يمكن الحديث عن إدماج هؤلاء الأشخاص بتوفير كراس متحركة فقط، بل يجب إحداث وتهيئة الفضاء الذي يمكن لهم أن يتحركوا فيه، وتوفير الولوجيات بكل أنواعها (ولوجيات الاتصال أو السكن أو غيرها…)، وذلك من أجل ضمان حياة مستقلة تحفظ كرامتهم وتجسد مبدأ تكافؤ الفرص.

تظاهرات هشة..

أما بالنسبة لقطاع التنشيط الثقافي، سجل الكتاب الأبيض، أن التظاهرات الثقافية والفنية التي تنظمها المدينة هشة وموسمية ولا ترقى لمستوى تطلعات الساكنة البيضاوية، لعدة أسباب تلخصت في غياب رؤية إستراتيجية لتدبير قطاع التنشيط الثقافي، وغياب سياسة فاعلة ترتكز على رؤية هادفة لهذا القطاع الحيوي، بالإضافة إلى عدم قدرة المسؤولين على تطوير آلياته.
ولاحظ الكتاب وجود نقص في البنيات التحتية للمركبات الثقافية، ودور الشباب، وعدم ملاءمتها ومطابقتها للمواصفات المعمول بها دوليا، فضلا عن “عدم إشراك المثقفين وذوي الشأن في تدبير قطاع حيوي له دور جد مهم في ترقية الساكنة والرفع من مستوى الوعي عند الشباب”.
كما لفت المنشور ذاته، إلى غياب الدعم المقدم من الوزارة المكلفة لفائدة الجمعيات المحلية المهتمة بتنشيط قطاع الثقافة داخل أحياء الدار البيضاء، مع غياب تكثيف التظاهرات الثقافية والمهرجانات الغنائية والعروض المسرحية وتركيزها خلال فترات معينة من السنة، وهي فصل الصيف، الأمر الذي “يبين غياب تام لبقية الأنشطة الثقافية الأخرى كالسينما والرقص والرسم والتشجيع على القراءة”، بحسب معدي “كتاب أبيض للدار البيضاء”.
إلى جانب العرض الثقافي للمدينة، وقفت حركة “ولاد الدرب” عند حاجة أبناء وبنات المدينة إلى تضافر الجهود من أجل تحسين صورة الاتصال المؤسساتي في عيون المواطنين وإرجاع الثقة المتبادلة، وذلك من خلال إعداد رؤية إستراتيجية واضحة المعالم للتواصل وترجمتها إلى خطط مرحلية عبر عمل جاد ومستمر على أرض الواقع.
ودعت الحركة إلى توفير حوافز مادية ومعنوية لجل العاملين في مجال التواصل المؤسساتي، وإدارة الأزمات بشكل احترافي، بهدف “توطيد الثقة بين المؤسسات والمتعاملين معها، وتجويد طريقة التواصل من لانتخابوية وإيلاء “أخبار المواطنين” الأولوية”، وذلك من خلال، إنشاء مواقع إلكترونية وتطبيقات مبسطة باللغة العربية لتسهيل الولوج إلى الخبر والمعلومة الصحيحة.

حلول وتوصيات

حمل “كتاب أبيض للدار البيضاء” الذي أنجز من طرف خبراء وشباب مهتمين بالشأن المحلي بالعاصمة الاقتصادية، مجموعة من الخلاصات المركزة التي جاءت نتيجة البحوث الميدانية، مكنت من تشخيص المشاكل التي تعاني منها المدينة لاسيما في قطاع البيئة و النقل الحضري وباقي القطاعات الأخرى.. حيث تم في هذا الصدد، تقديم حلول عملية وآراء علمية لمجلس المدينة.
وفي هذا الإطار، دعت حركة “ولاد الدرب” إلى ضرورة تكثيف العمل بالقطاع البيئي، من خلال تزويد مدينة الدار البيضاء بالمخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة، إلى جانب ضرورة العمل على إعادة تأهيل مطرح النفايات “مديونة”، وبناء مطرح جديد يستجيب لكل المواصفات والمعايير الدولية.
وطالبت الحركة بضرورة إحداث مركز للفرز، بالإضافة إلى الحرص على احترام دفتر التحملات من طرف المفوض لهم، علاوة على العمل على تتبع الأنشطة المفوضة إليهم في قطاع التطهير الصلب والسائل بالمدينة، وتحليل جميع البيانات، مشددة كذلك، على وجوب العمل على تكوين وتأطير المنتخبين والمنتخبات على أهمية المساهمة في الحفاظ على المجال البيئي.
وفيما يتعلق بأزمة النقل الحضري بالمدينة، فقد دعت حركة “ولاد الدرب” المسؤولين على القطاع إلى الإسراع في تنفيذ الخط الثالث والرابع للترامواي، وذلك تلبية لرغبة فئة معينة من سكان المدينة، علاوة على ضرورة إنشاء مواقف أخرى تحت أرض، وأخرى متعددة الطوابق للسيارات في المناطق التي تعاني من ازدحام في المرور.
ودعا “كتاب أبيض” إلى التفكير في إقامة وإنجاز مشروع “ميترو الأنفاق” و”الترامواي المعلق”، وهو الحلم الذي لطالما راود العديد من الأجيال، متمنيين أن يأخذ بعين الاعتبار في مخططاتهم المستقبلية وذلك من أجل تطوير قطاع النقل بالعاصمة الاقتصادية.
وبخصوص ذوي الاحتياجات الخاصة، طالبت الحركة جمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة بوضع إستراتيجية للاندماج، كالدعوة إلى إعداد إطار مخطط عمل جهوي مندمج لتنزيل برنامج التنمية الجهوية في شقه المتعلق بذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضا تخصيص نسبة من المقاعد لفائدتهم، داخل قاعات السينما والمسارح وقاعات الندوات والمؤسسات التعليمية ومدرجات الجامعات والمعاهد العليا والقاعات التابعة للملاعب والمركبات الرياضية، مع إلزامية توفير مقاعد خاصة بنسب متفاوتة داخل كل وسائل النقل الحضرية.
وفيما يتعلق بالتنشيط الثقافي، قدمت حركة “ولاد الدرب” مجموعة من الأفكار، من بينها، وضع سياسة ورؤية إستراتيجية للنهوض بقطاع التنشيط الثقافي بمدينة الدار البيضاء تتلائم مع واقع الساكنة، داعية إلى تكثيف التظاهرات الثقافية والمهرجانات الغنائية والعروض المسرحية.
واقترحت حركة “ولاد الدرب” حلولا بخصوص قطاع الاتصال المؤسساتي، من بينها التهييئ لرؤية إستراتيجية واضحة المعالم للتواصل، وترجمتها إلى خطط مرحلية عبر عمل جاد ومستمر على أرض الواقع لإعطاء سمعة طيبة يشعر بها المتعاملون مع المؤسسة، كما طالبت بتوفير حوافز مادية ومعنوية لجل العاملين في المجال مع تمكينهم من دورات تكوينية وإتاحة فرص للتدريب واستكمال دراستهم عبر منح دراسية.

***

 3 اسئلة

المهدي الزوات: حركة “ولاد الدرب” ستترافع من أجل تفعيل توصيات الكتاب الأبيض

> كيف جاءت فكرة إعداد هذا الكتاب؟
< هذا الكتاب هو نتيجة توجه الحركة نحو وضع خارطة طريق لعملها من جهة، ومن جهة أخرى إيمانا منها بأن المشاركة المواطنة تقتضي المساهمة والاقتراح، فهذا الكتاب يتشكل من مجموعة من المقترحات لفائدة السلطات المعنية، وكذلك مجموعة أنشطة تحسيسية وتوعوية ستقوم الحركة بتنظيمها.
وتسعى حركة “ولاد الدرب” من خلال إنجاز هذا الكتاب، أولا وقبل كل شيء، إلى ترسيخ وتشجيع المشاركة المواطنة والمساهمة الفاعلة في صياغة وبلورة السياسات المحلية. وثانيا، تحاول الحركة وضع السلطات المعنية أمام الأمر الواقع، عن طريق نقل المشاكل التي يعاني منها المواطن البيضاوي، لذلك اعتمدنا مقاربة تشاركية حقيقية من خلال إشراك المواطن البيضاوي، بطريقة مباشرة في صياغة هذا الكتاب حتى يكون صوتا حقيقيا له.

> كيف ستدافع الحركة على التوصيات والحلول التي قدمتها؟
< في هذا الإطار، سوف ننظم حملات تحسيسية وتوعوية، بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني المحلي، ثم سنقوم بتتبع تعاطي مجلس المدينة مع التوصيات، وإذا لم يتم أخذها بعين الاعتبار، فسنقوم بأنشطة ترافعية قوية لأجل تحقيق ذلك.

> ما هي الفكرة التي ستشتغل عليها الحركة بعد الكتاب الأبيض؟
< خارج الكتاب الأبيض، حركة “ولاد الدرب” الآن في صدد إطلاق ثلاث سلسلات
السلسلة الأولى “casablanca talks”، والتي تعنى بنقاشات ذات مواضيع سوسيو-اقتصادية، متعلقة بمدينة الدار البيضاء.
السلسلة الثانية لقاءات “شرحو لينا”، والتي تهتم، بكل القضايا السياسية لمدينة الدار البيضاء، حيث سنستقبل نواب العمدة والمسؤولين عن تدبير مدينة الدار البيضاء، من أجل أن نناقش مع الشباب وضع المدينة في مختلف القطاعات.
السلسلة الثالثة “دربنا culture” التي تعنى بالشأن الثقافي، وهي عبارة عن لقاءات تنظم كل شهر، وأيضا الحركة في صدد تحضير اللقاء السنوي “PLF WEE”.

* المنسق العام لحركة “ولاد الدرب”

نادية النويري- متدربة

Related posts

Top