كيف تصبح التفاهة موضة العصر؟ كيف تصير الوقاحة لغة اليومي؟

في زمن التفاهة يتم الاهتمام بالمظاهر البراقة، والبحث عن العناوين المثيرة الجذابة، وإن كانت مخالفة لمحتواها. هناك انتشار بشكل ملفت للانتباه حد التخمة، للأدعية وللدعاة بطريقة تقليدية بعيدة كل البعد عن المناهج الحديثة في التواصل مع هذا الجيل المترنح.
هناك انتشار (روتني يومي) بميوعة، الذي يعبر عن كبت دفين، سواء من اتخذت لها صورتها، أو من صورها ونشرها، وأتمنى أن يلتفت علم الاجتماع لمقاربة هذه الظاهرة.
في زمن التفاهة يتم الاهتمام بأنصاف مشاهير الفنانين، فنانين “كوكوت” الذين يذوبون أمام الشاشة، يهتمون بمظاهرهم الجسدية، وأرواحهم نخرة، بعيدين كل البعد عن مهمة ودور الفنان في المجتمع. لا نلمس فيهم بذرة الخلق والإبداع، كل ما هناك تكرار لما سبق، طحن الطحين. يتم الاهتمام في البرامج على أناقة المظهر والمجاملات الكاذبة، بعيدين كل البعد عن الاهتمامات الإنسانية، عن اهتمامات الانسان البسيط.
ومن مظاهر الوقاحة، تصريح صادم لشيخة استضيفت في برنامج، تقول بملأ شدقيها “أهم حاجة عند المرأة هي المؤخرة”. شيخة تعتبر نفسها فنانة وراقصة، مع أنها شيخة من الدرجة الأخيرة، فهي تتصنع حين رقصاتها المتشنجة، وباللغة الدارجة “حرشة”، عقلها في مؤخرتها، وإن قارنها مثلا مع الراقصة “مايا” فهناك فرق شاسع، فالثانية لها مستوى، وحرفية في مهنتها.
وهناك نموذج ثاني من الفنانات التافهات الساديات، اللواتي يلعبن دور الضحية وهن مريضات حقد وحسد تجاه بني جلدتها، ولا يهنأ بالها الا بتوقيع من هي أحسن منها في فضائح مفبركة لتدمير سمعتها (ك مريم سعيد الحسناء).
وهناك قنوات تافهة ك “شوف tv” مثلا، ورغم ذلك تحصد أكثر عدد من المشاهدين على حساب المغاربة. وهنا يطرح أكثر من سؤال؟ كيف لها ذلك وهي تساهم في إلهاء الرأي العام عن التفكير في قضايانا المصيرية؟ كيف لها ذلك وهي تساهم في نشر وانتشار التفاهة وتتلاعب بمشاعر المغاربة الاحرار؟
هناك مواقع كثيرة ومتنوعة تنشر التفاهة، وسأقتصر على بعض المظاهر السلبية التي تركز عليها من أجل جذب عدد أكبر من المشاهدين:
• “إطلالة فاضحة وحركة بذيئة بالأصابع لهيفاء وهبي”.
• “نانسي عجرم بملامح مختلفة ووجهها منتفخ”.
• “هيا الشعبي تطرد سائقها وتفضحه بما كان يفعله مع الخادمات” فيديو.
• “هاندا أرتشيل تصدم المتابعين بهذا التصرف الغريب تجاه سائقها”.
• “ياسمين صبري لم تسلم من سخرية العيدان…”.
• “جورج قاعي يصرح بأنه عرضوا عليه ممارسة الجنس مقابل العمل”.
• “محمد العلوي الكويتي الشهير يثير الجدل بوضعه المكياج على وجهه”.
•”قصة تحول ابن هشام سليم جنسيا يعوج إلى الواجهة من جديد”.
•”الفنانة السورية نسرين طافش تستعرض مؤخرتها بالأحمر القصير والضيق”
• “متع عقلك وشاهد تفاصيل الحياة الشخصية للداعية الراقص “عدنان أوكتار” مع فتياته الحسناوات، الأكثر sexey”.
• “الأفلام الإباحية تحقق أعلى نسب المشاهدة” في الدول العربية.
• لما لا نحتفي بالفنانين والكتاب والعلماء؟ لما لا ننتبه لاغتيال فنان عراقي علي يد مسلحين مجهولين؟ هل كانوا مجهولين حقا؟
• لما لا نقف إجلالا لروح محسن فخري العالم النووي الذي اغتيل من طرف الموصاد الإسرائلي؟
هل كل من صادف التفاهة يعد تافها؟ هل كل من شاهد التفاهة يعتبر تافها؟ فقليل من التفاهة قد ينفعنا لمعرفة كيف تستخدم آلياتها لتسطيح المشاهد وتسفيه مواقفه. وإن كانت لنا رؤية نقدية للأشياء سنكسب مناعة لانتقادها بدل مسايرتها.
والآن يحق لنا طرح السؤال التالي: أي ثقافة نتسلح بها لمواجهة هذا السيل العارم من التفاهة في المواقع الاجتماعية؟
صحيح ليست كلها تافهة، نسبيا، بل التافه من يبحث عنها، ويتابعها ويسايرها بوعي أو بدون وعي. ليست المواقع الاجتماعية كلها تافهة، بل هي حافزة للتثقيف الذاتي، حسب كل واحد واهتماماته وتخصصه. ليست كلها تافهة إن استخدمت في معرفة ما يجري في العالم، وفيما يخص الوطن. ليست كلها تافهة إذ ساهمت في معالجة مجموعة من المشاكل، خاصة النفسية والجنسية، التي كانت بالأمس القريب غير مصرح بها. ليست كلها تافهة حين ساهمت في تعليم المهن والحرف، حسب كل واحد واهتماماته الخاصة.
وفي هذا الصدد، سأحاول إثارة القارئ إلى كتاب قيم بعنوان
“نظام التفاهة”، وسأحاول إيجاز فكرته الأساس كالتالي:
كل نشاط سواء كان سياسة أو إعلاما أو فكرا أو تجارة أو نقابة أو غير ذلك صار في زماننا (لعبة). التفاهة يعرفها الجميع بدون الإفصاح عنها. كما يصعب تحديدها، ما دامت لها امتدادات أكبر من الأشخاص، سواء كانوا لاعبين أو ملعوبين. قلنا إنها (لعبة) تقصي “القيم” لتحل محلها المصالح المحددة في الربح والخسارة؛ سواء كانت مادية كالمال والثروة، أو معنوية كالسمعة والشهرة والعلاقات الاجتماعية. وفي النهاية يصاب المجتمع بالفساد الكلي أو الشامل. حيث يفقد الإنسان تدريجيا اهتمامه بالشأن العام، ليقتصر همه فيما هو فردي أو ذاتي.
وختاما، أحيل القارئ على كتاب آخر لا يقل أهمية عن الأول، انه كتاب حول الثقافة الرقمية للدكتورة المغربية زهور كّرام بعنوان”نحن والثقافة الرقمية” الذي يعد مشروعا مستقبليا يجب التنويه به لما يطرحه من أسئلة جوهرية راهنة منها:
• التفكير في قضايا الثقافة الرقمية بطريقة علمية ومعرفية.
• تأسيس مشروع ثقافي علمي حول الثقافة الرقمية من أجل حاضر قادر على تمثل استعمالاته وخطاباته برؤية علمية وثقافية.
لتطرح الأسئلة التالية: ما علاقتنا بالثقافة الرقمية؟ أين نقف إزاءها؟ كيف نستعملها؟ كيف نتمثلها؟ كيف ننتج بها؟ وبطبيعة الحال، فالأجوبة موجودة بين طيات الكتاب.
وسأنهي هذا المقال بقولة وردت بهذا الكتاب للدكتورة زهور كّرام: “الإنسانية تحتاج إلى من يحمي كرامتها بالعقل والتفكير، لا من يورطها في مشهد القطيع”.

 بقلم: عبد الرحيم بيضون

Related posts

Top