لا لإقبار المدرسة العمومية

أعادت دراسة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الجدل حول مجانية التعليم. وهو جدل أثير منذ شهر نونبر من سنة 2016، حين اقترح هذا المجلس فرض رسوم تسجيل على “العائلات الميسورة” من الثانوية إلى الجامعة، علما أن الشرارة الأولى لهذا الجدل بدأت بالتحديد منذ المخطط الاستعجالي الذي أطلق عليه، سنة 2009 “برنامج إصلاح التعليم”.
دراسة المجلس الأعلى التي جرى تقديمها أول أمس الأربعاء بالرباط، تفيد بأن 64.9 بالمائة من المستجوبين يعتبرون أن المدرسة العمومية يجب أن تظل مجانية، فيما يبرر 31.3 بالمائة من المستجوبين رفض المساهمة في مصاريف التمدرس بنقص الإمكانيات اللازمة للقيام بذلك.
وأكدت عينة المستجوبين، التي شملت 3000 أسرة منتقاة عن طريق السحب العشوائي، أن نسبة البالغين 25 سنة فما فوق من الأفراد المستجوبين الذين يعبرون عن رفض المساهمة في مصاريف التمدرس في المدرسة العمومية، بلغت 83.6 بالمائة في الوسط القروي، و74.5 بالمائة في الوسط الحضري.
وحسب هذا البحث الوطني الذي يأتي استنادا إلى توصيات الرؤية الإستراتيجية 2015-2030 لإصلاح المدرسة المغربية، فإن 52.2 بالمائة من الأسر في المتوسط تعتبر المدرسة ضامنة لتعليم جيد، ونسبة 60.4 من الأسر، بين أسر الوسط القروي، ترى أن المدرسة تقدم تعليما جيدا.
وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن تمدرس الطفل المنحدر من نسبة 10 بالمائة من الأسر الميسورة يبلغ 13.3 مرة تمدرس الطفل المنحدر من نسبة 10 بالمائة من الأسر الفقيرة، مضيفة أن 19 بالمائة من الأسر صرحت بكونها اقترضت من الأقارب أو الأصدقاء لتغطية تكاليف الدخول المدرسي لأطفالها، وأن متوسط الإنفاق للطفل المتمدرس يرتفع مع مستوى الدخل. 
لا شك أن هذه الدراسة تمكن من معرفة تصورات الأسر المغربية، وتطلعاتها وانتظاراتها في ما يتعلق بتعليم أبنائها، ومدى رضاها عن المدرسة المغربية، وكذا تحديد اختيارات الأسر المرتبطة بنظامي التعليم العمومي والخاص، وقياس تكلفة التعليم بالنسبة للأسر.
ويمكن القول من خلال الأرقام التي تقدمها هذه الدراسة، أن المواقف لم تتغير منذ مصادقة المجلس الحكومي على مشروع قانون لإصلاح التعليم ينص على فرض رسوم تسجيل في مؤسسات التعليم العامة على طلاب المرحلة الثانوية والجامعية، مع الإشارة إلى أن تطبيقه سيقتصر على الأسر الميسورة.
بمعنى آخر، يرفض أغلب المغاربة الإجهاز على مجانية التعليم، بل ويغلقون الباب الذي يراد تركه مواربا للترويج بأن الأسر الميسورة وحدها دون الفقيرة والمتوسطة، ستكون معنية بهذه الإجراءات، وأن الدولة ستضمن مجانية التعليم الإلزامي، الذي يشمل التعليم الأولي للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 4 و6 سنوات، والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي أي من 4 إلى 15 عاما”.
إن إصلاح التعليم أولوية وطنية ملحة ومسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وغيرهم من الفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام والاتصال. هذا أمر أكيد لكنه يجب أن يظل مركزا على مطلب الارتقاء بالجودة دون ركض وراء إملاءات خارجية. ذلك فإن إلغاء مجانية التعليم هو مطلب قديم للبنك الدولي، لكنه لم يجد تجاوبا سريعا من قبل المغرب مراعاة لما يمكن أن يترتب عن تطبيقه من احتجاجات اجتماعية.
ويبدو أن القائمين على الشأن العام يعون ذلك جيدا، وقد يعمدون إلى تحقيق هذا الإصلاح على مراحل وليس دفعة واحدة تعري نوايا تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الجديد للبنك الدولي القاضي بخوصصة التعليم العمومي والإجهاز بشكل كامل على المدرسة العمومية. ليدخل المغرب عهدا جديدا، بهاجس ميزاناتي، أكيد، لكن بتعميق تجربة قوامها تسليع وخوصصة التعليم التي أثبتت فشلها في النهوض بالقطاع التربوي، وحولت المدارس الخصوصية إلى أوكار للمتاجرة والسمسرة في أحلام المتعلمين، على حساب الجانب المعرفي، وأضحى القطاع الخاص يخيف الأسر بشكل كبير لارتفاع تكاليفه.

> مصطفى السالكي

Top