“لا لتوطين أفارقة جنوب الصحراء”.. موجة من العنصرية الرقمية تجتاح المغرب

“لا أعرف ما الذي حدث، كانت هناك نزعات عنصرية فيما مضى، لكن الأمر الآن أصبح مخيفا”. هكذا عبرت “مارتينا”، مُستخدَمة بإحدى مراكز النداء في الرباط، في حديثها لنا عن حملة العنصرية الرقمية التي دعت إليها وتبنتها مجموعة من الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب وبعض الدول المغاربية.

“كارلا” هي الأخرى، مهاجرة إفريقية مستقرة بالمغرب منذ خمس سنوات، تملك بطاقة إقامة، اختارت أن تستقر بعد إدراكها صعوبة العبور إلى الضفة المقابلة، نجحت في تكوين أسرة وحظت بمشروع ربحي يضمن كرامتها وكرامة أسرتها. تقول” كارلا”: “أنا هنا منذ سنوات، لن أقول إن الوضع كان مثاليا، لكنه ظل في حدود المعقول، استطعنا أن نتعايش ونندمج وشكلنا قوة اقتصادية أيضا، جزء كبير منا جاء هربا ولم يكن ينوي الاستقرار في المغرب. في النهاية، نحن ضحايا ولسنا مجرمين، نحن لم نختر الوضع الذي نحن عليه اليوم. كما إن المغرب بلد إفريقي كذلك، لا أفهم من أين أتت هذه الحملة وكيف ينبغي أن نتصرف بعد اليوم”.

وكانت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة قد شهدت هيمنة وسوم عنصرية ومنشورات ساخرة وجدت لها فضاء للانتشار، تحذر المغاربة من “تغول” وجود المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في المغرب وتنذر بازدياد عددهم، كون ذلك سيجعل المغرب بعد سنوات بلدا يهيمن عليه “السود”. وقد صاحبت هذه الحملة دعوات إلى “الطرد” و”عدم زواج المغربيات من المهاجرين” وغيرها من الأشكال العنصرية التي تتذرع بحماية الهوية المغربية.

هذه الحملة تزامنت مع التصريحات التي أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيد حول الخطر الذي بات يشكله الوجود المتزايد للمهاجرين، إذ اعتبر أن تزايد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء الذين لا يحملون وثائق  “هي مؤامرة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لتونس وإفقادها صفة الدولة العربية والإسلامية”.

تيار شوفيني وراء الحملة

يرى الطيب عيساوي الباحث في الإعلام وقضايا الهجرة أنه لا يمكن أن يرى بمنظار بريء هذه الحملة التحريضية ضد أفارقة جنوب الصحراء في مواقع التواصل الاجتماعي بالمغرب، دون اعتبار للجهات التي تحركها وتقف خلفها، ويوضح الباحث على الرغم من كونها قد تبدو حملة عفوية أخذت منحى ساخرا في كثير من المنشورات، لكنها في الحقيقة حملة ممنهجة أظهرت عنصرية دفينة وخيمة العواقب على حد تعبيره.

مهاجرون افارقة يتجمعون امام مقر المفوضية العليا للاجئين في العاصمة التونسية

واعتبر الباحث أن هذه الحملة العنصرية تجاوزت حرية التعبير في المجال الافتراضي وتحولت لحملة فوضوية شهدت عدة تجاوزات قانونية تستدعي المتابعة القضائية، ويضيف أنه إذا ما تتبعنا خيوطها إلى نقطة البداية نجد أنها صادرة عن تيار شبيه باليمين المتطرف في الدول الأوروبية، يدعي الذود عن الوطن وحماية الهوية المغربية ويتستر تحت غطاء القومية المغربية، لكنه في الحقيقة تيار “مراهقاتي” “شوفيني” يعادي مصالح المغرب مغاربيا وعربيا وإفريقيا، وليست هذه الحملة سوى امتداد لأفكارهم الإقصائية المروجة للكراهية والتمييز العنصري على أساس اللون والعرق.

ويضيف الباحث “صحيح أن بلادنا تعرف موجات هجرة ضخمة قادمة من دول جنوب الصحراء، نسبة كبيرة منها غير نظامية وتؤدي لانتشار الجريمة والعنف والانفلات الأمني، لكن الحل لا يكون بحملات عنصرية تضع الجميع في سلة واحدة، وإنما بالانخراط في الجهود الوطنية لإدماج المهاجرين وتسوية أوضاعهم القانونية، وإثراء النقاش بأفكار بناءة تطرح بديلا يكفل للمهاجرين حقوقهم ويعرفهم بواجباتهم تحت إطار القانون الذي ينظم حياة المواطنين والمقيمين على حد سواء”.

إشكالية اندماج

وفي محاولة لفهم الخلفيات التي تقف وراء هذه الحملة والأبعاد التي تحملها، يرى ياسين بوشوار الباحث في علم الاجتماع أن النقاش الذي أثير في الأيام القليلة الماضية يسأل في الحقيقة مسألة أكبر من قضية العنصرية وهي مسألة الاندماج في ظل المجتمعات المستقبلة، مهما كانت هذه المجتمعات، إفريقية، أوروبية، آسيوية أو أمريكية… بمعنى أنها ظاهرة إنسانية، تعرفها مختلف المجتمعات مهما بلغت درجة تحضرها. غير أن الباحث ينبه إلى كون هذا الجدل في الواقع المغربي لا يرقى إلى مستوى مشكلة اجتماعية، مادام الأمر لا يتعلق بوجود ردود فعل تهدد أمن وسلامة الفضاء العام، سواء من طرف المغاربة أو الأفارقة جنوب الصحراء.

واعتبر بوشوار أن هذه الردود- في شكلها الحالي- هي مجرد استعراضات رقمية تنسجم مع واقع التفاعل الرقمي، الذي تغلب عليه اللحظية والسخرية في تناول الموضوعات، وقد يختفي هذا الجدل دون مقدمات، بمجرد قدوم خبر أو موضوع جديد. وهذا لا ينفي وجود بعض مبرراته الموضوعية، التي تغذي مثل هذه الخطابات، مثل الإحساس بتهديد محتمل، سواء بفقدان الوظائف لصالح هؤلاء الوافدين، أو إحساس سكان بعض الأحياء التي تعرف توافدا كبيرا لهذه الهجرات إلى عدم الارتياح أمام بعض الممارسات التي يعتبرونها غير منسجمة مع طبيعة المجتمع المحلي… وغيرها من الأمثلة.

ويشدد بوشوار إلى أنه مع اختلاف المبررات يبقى خطاب العنصرية أمرا مرفوضا، نحن مجتمع له امتداد إفريقي أولا وأخيرا، وربما ما ينبغي الحديث عنه هو تأطير هذه الهجرات وتدبيرها بشكل لا يؤدي إلى مشكلات اجتماعية مستقبلا.

وعن مدى وجود امتداد ميداني لمثل هذه النقاشات، ينبه بوشوار إلى أن ما يجعل هذه النقاشات تظل حبيسة الفضاءات الرقمية، هو عدم وجود تنظيمات سياسية أو مدنية في المغرب تتبنى هذا الخطاب العنصري أو الراديكالي تجاه حركات الهجرة، بخلاف ما هو حاصل في مختلف الدول الأوروبية، مثل حزب فوكس في إسبانيا، حزب إخوة إيطاليا، التجمع الوطني الفرنسي… وحركة من أجل الهوية، وغيرها من التنظيمات المتطرفة التي تتخذ من موضوع الهجرة مطية لتوسيع دائرة الاستقطاب، عن طريق نشر ثقافة الخوف من الغير.

إصلاح سياسة الهجرة

تبنى المغرب منذ سنة 2013 الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، وقدم برامج لإدماج المهاجرين لكنها ظلت غير قادرة على ضبط الإشكاليات المرتبطة بهذه الظاهرة خصوصا مع ازدياد أعداد الوافدين ومع تشديد المغرب رقابته على حدوده الأوروبية. في هذا السياق ترى فاطمة الزهراء بوشريط أن وجود مثل هذه الحملات هو تحصيل حاصل في ظل عدم وجود سياسة حقيقية لإدماج المهاجرين. 

وترى الخبيرة في مجال الهجرة أن تحول المغرب من بلد عبور إلى بلد استقرار من الطبيعي أن يخلق بعض التوتر الحاصل بين المواطنين المغاربة والمهاجرين في المغرب، وبهذا المعنى ترى الخبيرة أنه يمكن أن تتفهم بعض ردود الفعل غير العنصرية، خاصة عندما يتعلق الأمر حقًا بوضع أمني، لكن من ناحية أخرى، ينبغي أن نتفهم أيضًا وضعية المهاجرين الذين يجدون أنفسهم عالقين في المغرب وليس لديهم إمكانية العبور إلى الضفة الأخرى ولا خططا واضحة لضمان استقرار كريم في المغرب.

مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء يغادرون تونس

وترى فاطمة الزهراء بوشريط أن بعض المهاجرين هم في وضعية حصار في المغرب ومسألة بقائهم ليست باختيارهم، وهناك من حاول العبور عدة مرات، لكن الوضع أصبح أكثر تعقيدًا وهناك انسداد حدودي تام، لذلك لم يتمكنوا من العبور، وبالتالي فالحلول، على حد تعبيرها، ليست في أيدي المهاجرين أو المواطنين المغاربة، إنها في يد المؤسسات المغربية.

وتؤكد الخبيرة أن سياسة الهجرة الأوروبية أصبحت أكثر صرامة وأن المغرب منخرط في الاستجابة لسياسات الهجرة الخارجية، لذلك عليه إيجاد حلول داخلية ومؤسساتية وسياسية، لأن الاستجابة لسياسات الجوار الأوروبية لا تعني فقط الاحتفاظ بالمهاجرين وتركهم في وضعية الشارع، ولكن يجب أيضًا وضع آلية استقبال أو آلية استجابة لهؤلاء الوافدين، مضيفة أنه في الوقت الحالي لا توجد استجابة حقيقية كما لا توجد سياسات تستجيب لهذه الإشكالية.

*******

هيئات تندد بخطابات الكراهية والعنصرية ضد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء

أصدرت مجموعة من الهيئات والجمعيات يوم 9 مارس الجاري بيانا للرأي العام تؤكد فيه أن الحملات العنصرية الموجهة ضد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء هي جريمة ولا يمكن أن تدخل في إطار الرأي، معتبرة أن جزءا كبيرا من هذه الخطابات لا يختلف عن خطاب التيارات السياسية اليمينية المتطرفة بالدول الغربية، في محاولة من أجل استنساخها في واقع الهجرة بالمغرب وبلدان المنطقة المغاربية، والتي تعتبر فيها الهوية الإفريقية جزءا مهما من الهويات المتنوعة لبلدان المنطقة.

ويأتي هذا البيان في ظل ما يشهده الفضاء العام الافتراضي والواقعي بالمغرب، وبالمنطقة المغاربية عموما، من صعود خطابات عنصرية ضد المهاجرين/ات القادمين/ات من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تفجرت بشكل كبير عقب التصريحات المقيتة للرئيس التونسي قيس سعيد.

واعتبرت الأطراف الموقعة أن سرديات الخطاب العنصري والتمييزي القائم على تضخيم وجود المهاجرين، تكذبها المعطيات الإحصائية والميدانية، بما فيها المعطيات الرسمية حول تواجد المهاجرين بالمغرب. مؤكدة أن واقع الهجرة بالمغرب مختلف ومتنوع. والحال كذلك أن المغرب كان ولايزال متنوعا ومختلفا بهويات إثنية وثقافية متعددة ومتعايشة فيما بينها على مر القرون، فبعيدا عن الخطابات التهويلية المبنية على منطق هوياتي منغلق غارق في نظرية إثنية حول وهم جديد هو “العرق المغربي”.

وتعتبر هذه الهيئات أنه في سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، ومظاهر غلاء المعيشة، التي يعاني منها المواطنون/ات المغاربة، فإن الحملات العنصرية الحالية طريقة غير مباشرة للإلهاء وتحوير النقاشات العمومية، من المطالب المتعلقة بالقضايا الحقيقية للشعوب المغاربية في الديموقراطية والعيش الكريم، لتوجيه الاهتمام إلى “الآخر” و”الأجنبي” و”السود” كسبب للأزمات.

 وإضافة إلى ذلك، على حد تعبير البيان، فإن السلطات العمومية ببلداننا هي المسؤولة عن أعمال العنف اتجاه المهاجرين/ات من إفريقيا جنوب الصحراء، وهي ممارسات مرتبطة بالتنكر لالتزاماتها في ضرورة نشر ثقافة وقيم حقوق الإنسان في التعايش واحترام الآخر.

ويرى الموقعون على هذا البيان أن النقاش العمومي بخصوص موضوع الهجرات واللجوء بالمغرب أساسي، ولكن يجب أن ينصب أساسا على تبني سياسة للهجرة ترتكز على قيم ومبادئ حقوق الإنسان الكونية وسن قوانين للهجرة واللجوء تحترم الكرامة المتأصلة في الإنسان دون تمييز والإيقاف الفوري للحملات الأمنية الممنهجة التي تستهدف المهاجرين وعائلاتهم، حملات الترحيل القسري داخل المغرب وإلى الحدود الشرقية، مما يشكل خطرا على حياتهم/هن بالإضافة إلى وقف كل الممارسات التي تناقض تعهدات المغرب بموجب اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة باللاجئين التي صادق عليها المغرب سنة 1957 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، واتفاقية حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي صادق عليها المغرب في سنة 1993.

وطالبت هذه الهيئات الدولة المغربية بالكف عن لعب “دور الدركي” لصالح الاتحاد الأوروبي وإسبانيا، مما يترتب عنه من مآسي إنسانية وأزمات تمس مبدأ التعايش المشترك داخل التراب الوطني كما هو الحال اليوم بمنطقة “اولاد زيان” بالدار البيضاء كمثال من أرض الواقع عن سياسات المناولة التي يقوم بها المغرب لصالح دول الاتحاد الأوروبي. 

الموقعون دعوا أيضا هيئات المجتمع المدني والإعلام والمثقفين والباحثين الجامعيين إلى التصدي لخطاب الكراهية والتمييز والعنصرية إزاء المهاجرين/ات من دول إفريقيا جنوب الصحراء، من خلال العمل الجماعي على تفكيك هاته الخطابات وضمان الكرامة وحقوق المهاجرين.

كما طالبت الأطراف الموقعة الدولة المغربية  بتنفيذ التزاماتها المدرجة في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق العمال المهاجرين وحقوق اللاجئين ومناهضة الخطاب العنصري كما هو منصوص عليه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وكل الاتفاقيات الأخرى.

وفي سياق الدور الذي تلعبه منصات التواصل الاجتماعي في توسيع نطاق هذه الخطابات، اعتبرت الجمعيات الموقعة أنه يتأطر ضمن باب “الحياد سلبي”، من خلال الاستمرار في السماح بحضور خطاب عنصري تحريضي بشكل مفضوح، مؤكدة على دور الإعلام والصحفيين من أجل تفكيك الخطاب العنصري المتداول اليوم، ومحذرة وسائل الاعلام من خطر الانسياق في هذه الحملات التضليلية، حتى لا تساهم في الترويج لهذه الخطابات العنصرية طبقا للنصوص المنظمة للمهنة (مدونة الصحافة والنشر وميثاق الصحفي المهني)، كما جددت مطلب إقرار قانون يجرم كل أشكال التمييز والعنصرية لأي سبب كان.

ودعت هذه الهيئات في الأخير كافة المواطنات والمواطنين المغاربة وساكنة “المغرب الكبير” عامة إلى التحلي باليقظة والحذر أمام الحملات العنصرية الحالية، و”تغليب قيم التسامح والعيش المشترك، والافتخار بهويتنا الإفريقية مع كل الجاليات الأجنبية المتواجدة ببلدان المنطقة وخاصة إخواننا وأخواتنا القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء”.

وليد اتباتو

Related posts

Top