لباس المرأة في الشاطئ.. بين الإدانة والدفاع عن الحرية الفردية

مع قدوم فصل صيف، تطفو على السطح مواضيع تتعلق بحرية لباس المرأة، بين من يدين اللباس العصري ويعتبره سببا في التحرش والمضايقات في الشارع، وتجاوز الأمر في سنوات مضت الى حرب اديولوجيات في الشواطئ، وبين من يرى أن الحجاب والبوركيني يحد من حرية المرأة في الولوج للمسابح الخاصة وبعض المطاعم. يبقى هذا النقاش ضربا في الحريات الفردية التي يضمنها الدستور المغربي. وإيمانا من جريدة بيان اليوم بالأهمية التي يتمتع بها الموضوع تسلط الضوء من خلال هذا الربورتاج على حرية المرأة المحجبة الحداثية.

“اختيار اللباس هو حرية فردية لا يجب التنازل عنها”

خولة ميموح 30 سنة مؤثرة ومسؤولة على التواصل بأحد الشركات، تحكي لنا قصتها مع التمييز بسبب حجابها: “لقد بدأ الأمر منذ مراهقتي، حيث أتذكر طردي من طرف مسؤول عن المسبح، في أحد أكبر النوادي الرياضية بالدار البيضاء، فقط لأنني كنت أرتدي زي سباحة يستر كل جسدي”.
خولة والتي زارت أوربا عدة مرات، لا تنفك تقارن بين المعاملة داخل وخارج بلادها، حيث أن النقاش حول حرية لباس المرأة أمر متجاوز: “من حسن حظي أن الامكانيات سخرت لي فرصة قضاء أغلب عطلي خارج أرض الوطن، وأقول لكم أني ولا مرة واحدة تعرضت لنوع من أنواع العنصرية المبنية على حجابي في أماكن السهر او المطاعم وحتى أرقى الفنادق، فالكل يرتدي ما يحلو له، بل أذكر حادثة عشتها في أحد منتجعات الدار البيضاء عندما تم اقناعي أن في اللهو مع أقراني في المنزلقات المائية وأنا أرتدي البوركيني يشكل خطرا علي، وهو فقط عذر لبق لمنعي من النزول الى المسبح، فقط جربت نفس الشيء في منتجع من نفس النوع بدبي ولم يمنعني أحد، علما أن الثاني أكبر ويتمتع بشهرة عالمية، فأظن أنه لو كان السبب الذي قدمه الاول صائبا والدافع وراءه هو سلامة مرتادي النادي لما استسهلوا الأمر في الامارات”.
تتابع خولة كلامها بالقول إن حجابها يعبر عن قناعاتها الشخصية والتي تخصها وحدها كما أنها تدافع عن أي لباس تختاره المرأة.
أسماء شابة في مقتبل العمر، تشتغل كمهندسة دولة، تحكي لنا عن رفض أحد الفنادق المعروفة بمدينة أكادير تأكيد حجزها والسبب، ارتدائها للحجاب: ” قطعت مسافة ليست بالهينة من الرباط الى مدينة أكادير، وفي نفسي رغبة ملحة في زيارة مسبح خاص له شهرة واسعة في المملكة، فإذا بي اتفاجأ من منعهم القاطع الولوج بالبوركيني، صعقت من هذا التصرف، فكيف لبلد يؤمن بالحريات الفردية نعامل فيه بهذا النوع من العنصرية المقيتة”.
حسب مسؤولي بعض الفنادق والمسابح الخاصة، يرجع سبب منع ولوج المسابح بالبوركيني الى مدى ملائمته معايير النظافة والصحة. وحسب تصريح صحافي للمحامي حاتم بكار، فإن المنتجعات السياحية لا تدخل في نقاش اللباس وعلاقته بالمعتقَد، بل تعتبره نقاشا خارج السياق، وتقول إنّ الأمر متعلّق بالنّظافة.

فرح أشباب: ” دفاعي عن ارتداء الحجاب نابع من إيماني بالحريات الفردية”

فرح أشباب مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي ومدونة وفاعلة جمعوية، وتعتبر أول من أطلق حملة تدين منع المحجبات من السباحة بسبب البوركيني بالمغرب.
ترى فرح أن كل ما تتعرض له النساء المحجبات بالمغرب من عنف وتضييق نفسي هو مس بالحريات الفردية، والقانون الجنائي المغربي ينصف من تعرض لأي نوع من أشكال العنصرية، غير أنه للأسف لا نجد متابعات قضائية من طرف الفتيات اللواتي تتعرض لهذا التمييز.
وتضيف أشباب ” دفاعي عن الحجاب هو دفاع عن حرية المرأة في اختيار ارتداء ما يحلو لها، وطبعا الأمر يعنيني شخصيا كمسلمة وباعتباري أرتدي الحجاب أيضا”.
أضافت أشباب أنها تعرضت مرارا لمظاهر التمييز بسبب ارتدائها للحجاب، كما أنها أعربت عن رغبتها في القطع مع كل ما من شأنه الإخلال بمبادئ الحريات الفردية والتضييق على النساء المحجبات.
نذكر أن فرح أشباب قد شاركت فيديو على حسابها بالإنستغرام تدين ما تعرضت له ليلى الشيني من تمييز إثر منعها من ولوج أحد المطاعم بالعاصمة الرباط بسبب حجابها، وقد تفاعل معها مئات الآلاف من المتابعين وأعادت موضوع حدود الحريات التي يضعها المجتمع للمرأة المحجبة الى واجهة النقاش

فندق مشهور بالقنيطرة: ” لم نمنع يوما محتجبة من النزول إلى المسبح”

في محاولة من جريدة بيان اليوم للتواصل مع مسؤولي بعض المؤسسات السياحية، التي تم اتهامها بالتمييز ضد النساء المحتجبات ومنعهن من ولوج مرافقها، مثل ما حدث في إحدى المؤسسة الفندقية المشهورة بالقنيطرة، والتي انتشر اسمها على مواقع التواصل الاجتماعي عندما اشتكت مواطنة مغربية في وقت سابق وقالت إنها تعرضت للتمييز من طرف أحد موظفي هذا الفندق الذي منعها من الولوج للمسبح بسبب ارتدائها “البوركيني”.
اتصلت جريدة بيان اليوم بالمسؤولة عن التواصل بالمؤسسة الفندقية المعنية ونفت لها أن تكون أي زبونة من زبناء الفندق قد تعرضت للميز بسبب لباسها، مؤكدة أن المؤسسة التي تشتغل بها تحترم خصوصيات جميع نزلائها، وأنه لم يسبق أن منعت أي امرأة محجبة من النزول إلى المسبح.
وقالت المتحدثة في التصريح ذاته “لا شك أن هناك سوء فهم في الموضوع، جعل البعض يظنون أننا نمنع السباحة بالبوركيني، لكن الأصح، هو أننا لا نسمح لغير النزلاء بولوج مرافقنا، بما فيها مسبح الفندق”. ولتأكيد على ما تقوله المسؤولة عن التواصل بهذه المؤسسة الفندقية بعثت للجريدة صورة تظهر فيها سيدة بلباس “البوركيني” وهي تسبح بمسبح الفندق ذاته.

مهدي الودي اليزيدي: عدم ولوج المتضررين إلى القضاء يشجع على مثل هذه الممارسات المنافية للقانون

القانون المغربي لم يقف مكتوف الأيدي أمام مجموعة من الممارسات ذات الطابع العنصري، بحيث جرم أي تمييز بين أفراد مجتمعه والمقيمين الأجانب على ترابه، مبني على أساس الاختلاف في العقيدة أو اللغة واللون أو اللباس. ولمعرفة رأي القانون المغرب في مثل هذا الممارسات المبنية على الميز على أساس اللباس اتصلت بيان اليوم بالمحامي بهيئة الرباط والفاعل الجمعوي مهدي الودي اليزيدي، وأكد لها في اتصال هاتفي أن الحجاب لا يخالف النظام المغربي بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية، هذا من جهة، من جهة ثانية، يضيف المتحدث أن مبدأي المساواة وعدم التمييز المنصوص عليهما في الفصل 19 تعد من بين أهم المكتسبات الدستورية التي جاء بها دستور 2011.
وأوضح مهدي اليزيدي أن المغرب صادق على عدد من الاتفاقيات الدولية التي يبقى أهمها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وكذا اتفاقيات أخرى تحارب التمييز على أساس الجنس والدين، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب تسمو على القانون الداخلي للبلاد وهو المقتضى الذي نص عليه دستور 2011 الذي كرس لهذا المبدأ.
وأضاف مهدي اليزيدي أن المطاعم والمسابح هي فضاءات خاصة مفتوحة للعموم بدون تمييز كما جاء تعريفه في الفصل 431.1 من القانون الجنائي المغربي، وبالتالي يقول المتحدث “لا يحق لأي كان أن يمنع أحد الأشخاص من الولوج لأحد هذه الفضاءات العامة على أساس تمييزي مبني على الجنس أو الإثنية أو الدين أو اللون….” مؤكدا على أن ما تقوم به بعض المطاعم والمسابح من منع المحجبات من الولوج لهذه الفضاءات هو مخالف للقانون وللدستور المغربي.
وختم المحامي بهيئة الرباط تصريحه للجريدة بالقول “بأن المغاربة، بصفة عامة، لا يتمتعون بثقافة تحصين الحقوق وانتزاعها عن طريق الولوج للقضاء” وهو ما يؤدي بحسبه إلى غياب تفعيل الجانب الردعي الذي سيتحقق بالضرورة، من خلال ولوج المتضررين للقضاء.
وذهب المتحدث إلى اعتبار عدم ولوج النساء اللواتي يكن قد تعرضن للممارسات تمييزية، للقضاء، يشجع على تنامي مثل هذه الظواهر المنافية لروح القانون، داعيا، في السياق ذاته، النساء اللواتي يتعرضن لمثل هذه الممارسات التمييزية بسبب ارتداء الحجاب في الأماكن العامة، الاتصال بمفوض قضائي الذي سيضمن واقعة المنع في محضر معاينة ، وبناء على محضر المفوض الذي سيوثق لواقعة المنع يحق لها آنذاك اللجوء إلى القضاء، ورفع دعوى قضائية ضد المؤسسة التي منعتها من الولوج، مع إمكانية المطالبة بتعويض مادي عن الأضرار المعنوية التي لحقت بها جراء هذا التعامل الإقصائي.

< ندى الحسوني (صحافية متدربة)

Related posts

Top