لجنة مراقبة المالية العامة ودورها في مراقبة الانفاق العمومي للحكومة

تعد لجنة مراقبة المالية العامة إحدى اللجان الدائمة التسع بمجلس النواب التي أحدثت بموجب النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013 حيث عرفت دورة أبريل 2014 انطلاق هذه اللجنة، والتي جاء إحداثها للرفع من فعالية العمل البرلماني في مجال لم يحظ منذ إحداث البرلمان المغربي بالعناية اللازمة، إذ أبانت الممارسة بأن دور البرلمان ظل محدودا في مجال مراقبة الانفاق العمومي للحكومة، وانحصر هذا الدور في تحليل ومناقشة النفقات العمومية بمناسبة الدراسة والتصويت على قوانين المالية وقوانين التصفية، دون أن تأخذ هذه القوانين حقها في الدراسة والتدقيق بما يتلاءم وقيمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أفرز غياب مراقبة حقيقية للنفقات العمومية، الشيء الذي لم يمكن البرلمان من تقييم العمل الحكومي في مجال الانفاق العمومي بالشكل المطلوب، في حين تتوفر العديد من البرلمانات على لجنة مختصة في مراقبة وتدقيق الانفاق العمومي (لجنة الحسابات العامة بالبرلمان البريطاني والأمريكي وتعد من أقوى اللجن الدائمة)، وتعمل بتنسيق وشراكة مع جهاز للرقابة العليا للحسابات حيث يزودها بكل المعلومات والآليات الضرورية للمراقبة (المكتب الوطني للتدقيق البريطاني ووكالة الكونغرس للمراقبة).
اليوم لجنة مراقبة المالية العامة وفقا للمادة 81 من النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر بتاريخ 30 أكتوبر 2017 وفي إطار اختصاصها المتعلق بمراقبة وتتبع الانفاق العمومي للحكومة، ودراسة التقارير الموضوعاتية للمجلس الأعلى للحسابات والتقارير التي يعدها وفق الفصل 148 من الدستور، والنصوص التشريعية الخاصة بمراقبة المالية العامة تعتبر تجربة جديدة داخل المؤسسة التشريعية، حيث إن هذه اللجنة ليست كباقي اللجن التي لها دور قطاعي، بل تعتبر لجنة أفقية تفعيلا لدستور 2011 الذي وسع من اختصاصات مجلس النواب وأعطاه اختصاصات جديدة علاوة على اختصاص مراقبة العمل الحكومي، حيث أصبح مختصا بتقييم السياسات العمومية، انطلاقا من قناعة بسيطة يتقاسمها كل المختصين الساهرين على مراقبة وحماية المال العام، ويتعلق الأمر بالمبدأ القائل أن إصلاح الدولة يمر عبر إصلاح المالية العامة وعبر مراقبة وتتبع الانفاق العمومي وتحقيق النجاعة المالية، عملا بمبدأ القيمة مقابل المال الذي يعتمد على الأسس الثلاث الفعالية والنجاعة والاقتصاد.
ونظرا لطبيعة لجنة مراقبة المالية العامة باعتبارها لجنة ليست كباقي اللجن التي لها دور قطاعي كما سبق الذكر وعلى اعتبار أن مهمتها الرئيسية هي مراقبة وتتبع الانفاق العمومي للحكومة عبر مجموعة من التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات، وكذلك كل وثيقة تراها اللجنة مهمة في هذا الاتجاه، فإنها تؤرخ لمرحلة جديدة في ممارسة مجلس النواب لمهامه الرقابية من خلال مراقبة المالية العامة وفقا للمقتضيات الدستورية والنظام الداخلي لمجلس النواب.
وتمارس لجنة مراقبة المالية العامة الاختصاص المتعلق بمراقبة وتتبع الإنفاق العمومي للحكومة من خلال عقد اجتماعات لدراسة البرنامج السنوي للمراقبة الذي يحدده مكتب مجلس النواب في بداية دورة أكتوبر من كل سنة ويضع جدولته الزمنية بناء على الاقتراحات التي تقدمها الفرق والمجموعات النيابية، كما تقوم اللجنة بتحضير الأسئلة والاستشارات اللازمة لتفعيل البرنامج المذكور المعروض عليها وإحالتها إلى مكتب مجلس النواب، الذي يحيله بدوره بواسطة رئيس مجلس النواب على المجلس الأعلى للحسابات.
وتقوم لجنة مراقبة المالية العامة بعقد اجتماعات من أجل دراسة المواضيع المحددة في البرنامج السنوي للمراقبة بالاستناد على أجوبة وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وكل وثيقة أخرى تراها مفيدة ، وتحضر الحكومة هذه الاجتماعات، كما يمكن أن يحضرها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أومن ينوب عنه بغية تقديم التفسيرات والتوضيحات الضرورية وتتوج اجتماعات اللجنة بإعداد تقرير من طرف مقرر اللجنة يتضمن: مداولات اللجنة، الخلاصات والتوصيات التي توصلت إليها اللجنة، التوصيات التي التزمت الحكومة بتفعيلها والمدة الزمنية اللازمة لذلك، ويعرض هذا التقرير على أنظار اللجنة من أجل المناقش والمصادقة عليه وإحالته على مكتب مجلس النواب الذي يمكن له عقد جلسة عامة من أجل مناقشته على نحو يتولى خلاله المقرر تقديم التقرير، تعقبه تدخلات الفرق والمجموعات النيابية ثم تدخل الحكومة، وأخيرا تعقيب الفرق والمجموعات المذكورة.
وفي نهاية المطاف يجب أن يتضمن التقرير النهائي للمراقبة تقرير لجنة مراقبة المالية العامة مرفقا بمداخلات الفرق والمجموعات النيابية المقدمة من خلال الجلسة العامة التي يعقدها مجلس النواب، كما يجب أن يحال هذا التقرير ومرفقاته على الحكومة وأن ينشر بالجريدة الرسمية.
وتتميز المنهجية المتبعة في هذه اللجنة بتقديم السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات للتقارير الموضوعاتية أو التقارير التي يعدها بطلب من مجلس النواب طبقا للفصل 148 من الدستور، وتعطى للسادة النواب المدة الزمنية الكافية للاطلاع على التقرير بعمق ثم بعدها تستدعى الحكومة حيث يقوم الوزير بإلقاء العرض في الجلسة بحضور المؤسسة المعنية تطبيقا للفصل 102 من الدستور، ثم يتم تخصيص جلسة ثانية للمناقشة، والتي تندرج ضمن الخصوصية التي تتميز بها لحنة مراقبة المالية العامة، وذلك حتى يتمكن أعضاء اللجنة من الاطلاع على العرض وتحضير الأسئلة والخروج بتوصيات على اعتبار أن المادة الأساسية بالنسبة للجنة هو تقرير المجلس الأعلى للحسابات.
وتسعى لجنة مراقبة المالية العامة من خلال عقد هذه الاجتماعات إلى كشف سبل صرف المال العام وكل مساس بمبادئ الممارسات الأخلاقية العمومية والشفافية والحكامة، ومدى تحسين مستوى أداء الحكومة في مجال إنفاق المال العام لينال المجتمع خدمات بقيمة أفضل وبمستويات مقبولة من الفعالية والنجاعة والاقتصاد حتى يكون المجتمع على إطلاع بسيرورة الإنفاق العمومي من خلال معرفة مآل أموال الشعب، أين صرفت؟ وكيف صرفت؟ وما هو أثرها على الفئات المجتمعية؟
ومن أهداف هذه الرقابة كذلك ترسيخ الوعي الرقابي لدى مسؤولي الإدارات العمومية، حتى يتمكنوا من القيام بالإجراءات التصحيحية الضرورية وذلك في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويأتي إحداث لجنة مراقبة المالية العامة في إطار تعزيز الدور الرقابي لمجلس النواب في مجال تدبير المالية العامة بشكل عام،ولكيفيات تنفيذ الميزانية وصرف الاعتمادات المالية التي صادق عليها بشكل خاص، وذلك في إطار قيامها بالمراقبة البعدية للنفقات العمومية القائمة على القيام بفحص ما إذا كانت النفقات العمومية مستوفية لعناصر المعايير الثلاثة وهي: الفعالية من خلال البحث في مدى تحقيق النتائج والفوائد المرجوة من النشاطات والمشاريع الحكومية، وذلك من خلال مقارنة النتائج المتوقعة والنتائج المحققة، ثم النجاعةمن خلال البحث في مدى الاستخدام الجيد للإمكانيات المتاحة وذلك باتباع الطرق المثلى لأداء المهام مع توخي الجودة، ثم الاقتصاد الذي يتحقق من خلال البحث في مدى تنفيذ البرامج والمشاريع بالتكلفة المناسبة أو بأقل تكلفة مع الأخذ بعين الاعتبار توفر الجودة، وذلك تحقيقا لمبدأ القيمة مقابل المال.
وتشمل مراقبة الانفاق العمومي الذي يدخل في اختصاص لجنة مراقبة المالية العامة إما مشروعا أو برنامجا حكوميا وكل أوجه استعمال الأموال العمومية بشكل كلي أو جزئي، أو مراجعة مسألة بعينها تتعلق بإنفاق الحكومة بشكل عام على اعتبار أن مراقبة الانفاق العمومي هي مراقبة يقوم بها البرلمان تروم التأكد من استخدام الموارد المالية المخصصة في الميزانية العامة بأعلى قدر من الفعالية، النجاعة، والاقتصاد،باعتبارها مراقبة موجهة إلى عمل الحكومة عند قيامها بالمهام المنوطة بها لتحقيق الأهداف المسطرة في سياستها العمومية.
وقد أبان عمل لجنة مراقبة المالية العامة منذ إحداثها في سنة 2014 إلى الآن أن اللجنة أضحت آلية جديدة لتتبع أدق تفاصيل الانفاق العمومي، وفي هذا الصدد فقد ناقشت خلال هذه الفترة العديد من أشكال وأنواع النفقات العمومية من برامج وصناديق ومؤسسات عموميةمن بينها:
على مستوى البرامج: مراقبة الدعم الداخلي والخارجي الموجه للجمعيات واستراتيجيات المغرب الرقمي… إلخ.
على مستوى الصناديق: صندوق التماسك الاجتماعي وصندوق التجهيز الجماعي والصندوق الخاص بالطرق…إلخ.
على مستوى المؤسسات العمومية: صندوق الإيداع والتدبير، المكتب الوطني للمطارات، والمكتب الشريف للفوسفاط، والطرق السيارة بالمغرب…إلخ.
وهكذا تلعب لجنة مراقبة المالية العامة دورا مهما في مراقبة الانفاق العمومي حيث تسعى إلى التحقق من مدى اقتصادية وفعالية ونجاعة عمل الحكومة في مجال الانفاق، وتهدف إلى إضافة قيمة أكبر وتحسين أداء الحكومة.

> الهام العبدالوي  باحثة في العمل البرلماني والصياغة التشريعية

Related posts

Top