لغز مغربي

في يوم ما، في المستقبل القريب، سينكب المؤرخون على مغرب السبعينات لأجل كتابة تاريخه النهائي. لن يكون من الممكن لنا الاعتماد كثيرا على مذكرات أولئك الذين كانوا تحت حكم البلد في ذلك الإبان، هل تتذكرون كتاب الوزير الأول، ذاك الذي أفلح في أن لا يقول أي شيء في ثلاثمائة صفحة؟
لن يكون بإمكاننا الاعتماد بالمرة على الأرشيف الرسمي.
أحد أصدقائي الذي كان في جدال مع سلطات الزمن البائد، كان منذ سنوات قليلة قد طلب بشجاعة، من وزير الداخلية أن يدله على ملفه. كان جواب الموظف الرسمي:
– أتعتقد نفسك في ألمانيا الشرقية؟ وزارة أمن الدولة (سطاسي) لديها أرشيف مفصل، نحن لسنا ألمانيين، نحن لدينا الخواء الخاوي.
  لأجل الحديث حول حقيقة ما كان عليه بلدنا، لا يتبقى سوى شيء واحد:
أن يقوم كل واحد منا بتقييد في سجل كبير، الشيء الأكثر غرابة الذي يكون قد وقع له في ذلك الإبان. لا يهم إن كان بلا دلالة، تافها، وقحا: المؤرخون سيقومون بعملية الانتقاء.
لأجل إعطاء النموذج، أقترح هذه الطريفة التي أضمن لكم أنها واقعية، وفوق ذلك فالدليل المادي عنها موجود.
لأسباب لم تكن ذات فائدة كبيرة، حدث أن وجدت نفسي في القسم النهائي بثانوية ليوطي بالدار البيضاء أواخر السبعينات، فيما كان أخي ينهي دراسته في ثانوية الخوارزمي، بالمدينة نفسها.
في أحد الأيام، كتبت إلي والدتي رسالة ووضعتها في البريد بمدينة الجديدة حيث كانت تقطن ولا تزال. اعتنت جيدا بوضع اسمي ولقبي على الظرف، وفي الأسفل: ثانوية ليوطي، 260 شارع الزيراوين الدار البيضاء. (أستطيع أن أظهر الظرف لأولئك الذين لا يصدقون سوى ما يرونه).
  وها هو الشيء العصي على التفسير، الشيء العجيب، في كلمة واحدة، المغربي:
الرسالة وصلت إلى أخي، في الخوارزمي.
إذن؟ ماذا؟ لا تقولوا لي إنكم لم تقفوا فاغرين أفواهكم.
بالنسبة لأولئك الذين يقرأون جزر فيجي والذين يعتقدون ربما أن الدار البيضاء عبارة عن قرية يقطنها ثلاثة منتوفي الشعر وواحد أصلع، وبالتالي الغلط الذي نغفره لساعي البريد.
أوضح أن الأمر يتعلق بمدينة شاسعة الأطراف، مأهولة بمليون شخص من كل الأعمار والأوساط الاجتماعية، وأنه بالتالي يستحيل تماما على ساعي البريد، وهو يلقي نظرة سريعة على الظرف، القول:
– آه أجل، إنها لذلك الشاب الذي أعرفه جيدا. هيا لأحملها إليه بسرعة.
  لا، التفسير هو في مكان آخر. لكن أين؟ ينبغي أن أعترف لكم أصدقائي القراء بأنني عاجز عن الإجابة. إنه لغز من الصعب جدا حله. شخصيا، لا أومن بالمعجزات ولا الجن. لا بد أن يكون هناك تفسير منطقي لذلك، من المحتمل أن يكون بوليسيا، لكنني لا أتبينه.
لهذا أعرض هذا الاختبار:
كل من سيقدم تفسيرا لهذا اللغز، سيحصل على ميدالية ذهبية، هيا اجتهدوا. ابعثوا إلي طرائفكم الأكثر سوريالية في هذا الزمن المضطرب. سوف ندون معا تاريخ بلادنا.

فؤاد العروي

 ترجمة: عبد العالي بركات

الوسوم ,

Related posts

Top