لقاء مع الشاعر المغربي صلاح بوسريف

احتضنت المكتبة الوسائطية التاشفيني بالجديدة، بشراكة مع أصدقاء المكتبة وبدعم من وزارة الثقافة ومجلس المدينة، لقاء ثقافيا مع الشاعر صلاح بوسريف، ضمن  سلسلة
“قهوة وكتاب” الذي دأبت المكتبة على أن تستضيف فيه كل شهر واحدا من أبرز الكتاب المغاربة أو العرب.
وحضر اللقاء ثلة من المبدعين والمبدعات الذين أثثوا هذه  الجلسة الشعرية بنقاشهم ومداخلاتهم  التي انصبت في أغلبها على الإصدار الأخير “يا هذا تكلم لأراك “، وهو عمل شعري متكامل صدر لصلاح بوسريف هذا العام. 
وقبل أن تبحر الشاعرة مليكة فهيم التي تكلفت بتسيير فقرات  هذا اللقاء الشاعري بامتياز، في عالم الكتابة لدى المحتفى به، كان للحضور الكريم موعدا مع كلمة افتتاحية ألقاها بالمناسبة محافظ المكتبة الوسائطية الأستاذ عبد الله السليماني، شكر من خلالها الحضور الكريم، ووجه أيضا شكرا خاصا للمحتفى به الذي لبى الدعوة هذه المرة، بعدما تعذر عليه الحضور في مناسبتين سابقتين لظروف شخصية.
وخير ما استهلت به المنشطة مليكة فهيم هذا اللقاء، مقطع شعري للمرحوم أحمد بركات ” ها هي الخطوات وإيقاع الخطوات، ها هي الخطوات ثانية …”. فالشعر هو ذلك الساحر الذي استطاع نسج أعمق المعاني التي استقرت في الخيال، هي قدرة الكلمات على صنع الحياة وإعادة بناء العالم، على أساس أننا حين نكتب فإن العالم ينكتب من جديد.
المحتفى به هل علينا كصوت شعري أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يصنف نفسه من الجيل الثالث في المشهد الشعري المعاصر، مخترقا أفقا مختلفا عن شعر الستينات والسبعينات المثقل بالسياسة والمتخم بالإديولوجية نحو الحداثة المتجددة في الكتابة الشعرية، شكل انعطافا مختلفا في مسار الشعر العربي المعاصر، بكثير من الوله، يرتل قلقه، يصطاد المعنى على شجيرات المعرفة والفلسفة، فأكثر الأفراح حزنا أن تكون شاعرا، فالأحزان الأخرى لا قيمة لها، حتى الموت الذي لا يكتمل الهلاك إلا عبره وبه، فكان ديوانه الأول “فاكهة الليل”. ولم يدركه أبدا موسم الهجرة إلى أي جنس أدبي آخر، لم يجنح  إلى القصة أو الرواية، بل ظل مرتبطا بالشعر، له أعمال شعرية : ” شجرة النوم ” منشورات دار توبقال، وله دراسات في النقد أيضا، هذا بكل بساطة  هو الشاعر الكبير صلاح بوسريف.
هكذا قدمت الشاعرة مليكة فهيم ضيفها في حلقة “قهوة وكتاب” الشاعر صلاح بوسريف، عبر توطئة رامت الإحاطة ببعض إصدارات المحتفى به والتي أغلبها كتب في مجال الشعر.
بعد ذلك انتقلت الأستاذة إلى بسط مجموعة من الأسئلة على ضيفها، مركزة على كتابه الأخير ” يا هذا تكلم لأراك ”  وعن انتصاراته ورحلته إلى بغداد والارتواء من كتاب جلال الدين الرومي.
وقبل أن يتناول الشاعر بوسريف الإجابة على تساؤلات منشطة الحلقة، شكر محافظ المكتبة الأستاذ عبد الله السليماني الذي ألح على حضوره كضيف حلقة هذا الشهر.
وفي معرض حديثه عن الانتصارات التي جاءت على لسان الشاعرة مليكة فهيم، أكد أن الكتابة تبدأ من الإخفاق، لأننا بكل بساطة حين نتصور أننا نجحنا لا نستطيع أن نضيف عملا إبداعيا آخر، لأن هذا الإخفاق هو الذي يجعلنا نستمر في الكتابة.
وأضاف المحتفى به: “أنا كائن يخفق باستمرار، أخفقت في دراستي  الابتدائية، طردت من المدرسة في مرحلة الشهادة الابتدائية، واشتغلت بعد ذلك إسكافيا، ثم التحقت بالتعليم الحر الذي كان مجالا للفاشلين والمحبطين والمغضوب عليهم، في مجتمع نتذكر جميعا أن وزير ثقافته في ذاك العصر، قرر أن كل من بلغ  سنا معينا عليه أن يطرد من المدرسة، فحدثت  اضطرابات ومظاهرات في عام 65، لم أكن أعرف وأنا طفل أنني معني بذلك، كنت أخرج من المدرسة والزجاج ينكسر، وعلمت أني تحررت من الدرس دون أن أعلم أني سأتحرر كليا  من المدرسة، فالإخفاق الأول هو اللحظة الحاسمة التي جعلتني أنتبه إلى أنني لم أخلق لأن أكون  إسكافيا، بل لابد أن أتحرر من هذا الوضع، وألحقت بمدرسة التعليم. أخفقت فيها كذلك لم أستطع أن أحصل على شهادة البكالوريا، لأحمل بعد ذلك حقيبتي وأغادر المغرب متجها إلى فرنسا ثم بلجيكا وصولا إلى العراق أرض العلم والعلماء..”.  
وأوضح صلاح بوسريف  أن “هذه اللحظات من الإخفاق هي التي ما زلت أعيشها حتى اليوم، لأنه حين نخفق نصر على أن نبدع  ونكتب لنتجاوز الإخفاق، واللحظة التي ننتشي فيها  بكتابة ما، أكيد أن هذه الكتابة  يعتريها خلل معين، لأنها ليس بها انكسارات ولا تشققات، وطالما هذه الكتابات لا تحتوي على انكسار  وجب أن يعاد فيها النظر..
ويقول بصدد كتابه الأخير (يا هذا تكلم لأراك) إنه “آخر عمل لي  صدر هذا العام، هو عمل شعري  بامتياز من بدايته إلى نهايته، ويدخل ضمن ما يسمى  بحداثة الكتابة أو العمل الشعري، كما أن جلال الدين الرومي 
اكتشفته في بغداد، في مكتبة المثنى،  وهو كتاب في جزئين، ترجمه من الفارسية إلى اللغة العربية الدكتور عبدالسلام الكفافي..”
وأضاف قائلا:
“حين قرأت أول جملة في الكتاب: جلال الدين الرومي. اقتنيته وعكفت على قراءته، وبالتالي اشتغلت على جلال الدين الرومي  منذ أواخر الثمانينيات في كتابي ” فاكهة الليل”.  وأذكر أني عندما عدت إلى المغرب، سألت عن الرجل  ولم أجد أحدا يعرفه..”.
وعن مفهوم السرد،  أوضح صلاح بوسريف  أن “الحديث عن السرد، يعني مباشرة أننا أمام جنس الرواية أو القصة، والسرد يجب أن تتأمله، لأن الشعر بدأ سردا  وملحمة. كالكاميش هي في جوهرها سرد،  وفي جوهرها حكاية..”.
  وأشار كذلك إلى أن “الدراسات النقدية المغربية لم تهتم كثيرا بالأجناس الأدبية المغربية، بقدر ما اتجهت إلى الرواية المشرقية، والرواية المغربية محظوظة نوعا ما عكس الشعر، لأن هناك تيارا جامعيا كان يوجه الطلبة إلى جنس الرواية وخاصة المشرقية منها..
والنقد الذي يتناول الشخص ويهمل النص، لا يؤدي وظيفته على الوجه الأكمل، كما أنه غالبا ما يركز على النظري ويهمش ما هو نصي..”.

< متابعة: عبد الله مرجان

Related posts

Top