للذين باعوا الحقوق

لم تتمكن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية من الحصول على حق نقل مباريات كاس إفريقيا للأمم بمصر، بما في ذلك تلك الخاصة بالفريق الوطني لكرة القدم، والسبب وصول المفاوضات مع شبكة قنوات “بين سبورت” القطرية للباب المسدود.
فالعرض الذي تقدمت به المؤسسة الوطنية من أجل إقناع إدارة “بين سبورت” فشل في إقناع الجهة المالكة، ليتواصل الاحتكار من طرفها بطريقة غير مسبوقة في تاريخ البشرية جمعاء، ولم يكن بالإمكان تجاوز بنود هذا العقد الذي فاقت تفاصيله كل الحدود، احتكار يبين الجشع الذي يخيم على إدارة هذه القناة القطرية الهادفة من خلال استثمارها في المجال الإعلامي والرياضي، إلى تحقيق مكاسب سياسية ودعائية ومالية دفعة واحدة، ولو على حساب القيم والمشاعر الإنسانية التي تجسدها الرياضة.
وكما جرت العادة بالتظاهرات الكروية الكبرى، تطالب الشبكة بمبلغ مالي كبير، وحسب مصادر من داخل الشركة الوطنية، فالمبلغ الذي طلب من الجانب المغربي تأديته مقابل نقل جزء من مباريات البطولة، يصل إلى 12 مليار سنتيم، مقابل بث 12 مباراة فقط، أي مليار سنتيم للمباراة الواحدة، ولا أعتقد أن عاقلا يمكنه قبول هذا الاستهتار في التسابق لنقل حدث كروي، وتحمل تكلفة مالية باهضة، من الأفيد صرفها في أمور مهمة، كتطوير تجهيزات الشركة نفسها أو تحسين وضعية العاملين بها، وتقوية مداركهم المهنية في شتى المجالات.
على هذا الأساس، يبقى رفض الشركة المغربية مقبولا ومنطقيا، بينما تقول المصادر ان الجزائر سايرت القناة المحتكرة في مغالاتها، وسارعت الى تأدية مبلغ 17 مليار سنتيم، مقابل الحصول على حقوق البث الأرضي فقط لـ 12 مباراة، ويسود الاعتقاد بأن المسؤولين الجزائريين فضلوا تأدية هذا المبلغ الباهض، بهدف امتصاص غضب الشارع الجزائري الذي يطالب منذ عدة شهور بتغييرات سياسية وإصلاحات اقتصادية وتحقيق مطالب اجتماعية، بينما رفضت تونس أصلا الدخول في المفاوضات مع الجهة المحتكرة.
وفي كل مرة يطرح موضوع حقوق البث التلفزي بالمنطقة العربية بشقيها الآسيوي والإفريقي، تعود للأذهان شبهات الفساد الذي يعصف بالاتحاد الإفريقي لكرة القدم منذ سنوات خلت، وتواطؤ مسؤولين سابقين بالكاف مع مالكي الشركات المحتكرة، خاصة في ظل بيع هذه الحقوق بصفة حصرية إلى غاية العام 2028، دون العودة إلى شروط الشفافية والوضوح في إبرام الصفقات، واستحضار حق المواطن العربي في مشاهدة منتخباته الوطنية.
والغريب أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم -مثلا- تتوصل عن كل مقابلة يجريها الفريق الوطني بناء على هذا العقد، بمبلغ 50 ألف دولار فقط، بينما يطلب من الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، تأدية مليار سنتيم مقابل نقل كل مقابلة رسمية يجريها منتخبها الوطني.
إنها قمة العبث والضحك على الذقون، وهنا يطرح السؤال الأزلي حول الجهة داخل جامعة علي الفاسي الفهري التي وقعت باسم المغرب عقدا احتكاريا بكل هذه الشروط المجحفة والسالبة للحق في متابعة مباريات المنتخب المغربي على قنوات مغربية في المتناول، واجبار المشاهد المغربي على طلب اللجوء مكرها للقنوات الأجنبية.
إن في القضية لأمرا مريبا، بل فضيحة بكل المقاييس تقتضي فتح تحقيق جدي للوصول إلى الحقيقة كاملة، وفضح المستفيدين من وراء الصفقة التي أدت إلى حرمان الجمهور المغربي طيلة كل هذه السنوات الطويلة.

محمد الروحلي

Related posts

Top