لماذا ستبقى العلاقات التركية -الأميركية متعكرة؟

 يشير الاجتماع الأول بين الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة حلف الأطلسي في وقت سابق هذا الشهر إلى أن العلاقات الثنائية ستظل متوترة ولكنها مستقرة عمليا على المدى القريب.
ومن المرجح أن تترك الخلافات العديدة التي لم تحل بين واشنطن وأنقرة، إلى جانب تحركات أردوغان وحلفائه المثيرة للجدل بسبب نهج مركزية السلطة، احتمال نشوب توترات مستقبلية قد تتسبب في فرض عقوبات أميركية جديدة مفتوحة.
علاقة في حقل ألغام
التقى بايدن بأردوغان للمرة الأولى في الـ14 من يونيو الجاري منذ أن أدى اليمين كرئيس للولايات المتحدة في يناير العام الماضي. ووُصف الاجتماع، الذي عقد على هامش قمة الناتو في بروكسل، على نطاق واسع بأنه إيجابي وتضمن اتفاقا تعهدت فيه تركيا بتولي مسؤولية تأمين مطار كابول في أفغانستان مع انسحاب الولايات المتحدة من الدولة الواقعة في جنوب آسيا.
لكن على الرغم من ذلك يرى مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأميركي (ستراتفور) أنه لم يتم التوصل إلى حل أي من نقاط الخلاف الرئيسية الأخرى بين واشنطن وأنقرة. وفي الوقت الحالي تبدو البراغماتية المسار المحتمل.
ومغ ذلك لا يزال هناك المزيد من الألغام المحتملة بينما يحاول حزب أردوغان الحاكم تعزيز سيطرته على تركيا قبل الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في يونيو 2023.
وستمنع قيود تركيا الداخلية وإستراتيجيتها حلَّ الخلافات المستمرة رغم الطبيعة البراغماتية الحالية للعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، حيث تشمل عدة قضايا بينها تسليم الداعية فتح الله غولن وشراء أنقرة لمنظومة صواريخ أس – 400 الروسية ودعم واشنطن للمسلحين الأكراد وسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان.
وفي ما يتعلق بغولن تعتقد تركيا أن هذا الداعية المقيم حاليا في ولاية بنسلفانيا منذ 1999 دبر محاولة انقلاب في عام 2016. ومنذ ذلك الحين اعتقل عشرات الآلاف من الأشخاص المشتبه في صلتهم بغولن ومنظمته “الإرهابية” المزعومة. لكن الولايات المتحدة، حيث يعيش غولن وحيث طلب العديد من أتباعه اللجوء، أشارت إلى أنه لم يشارك في الانقلاب وأن شبكة المؤسسات الخيرية والشركات التي يشرف عليها سلميّة.
ويرى خبراء ستراتفور أنه من غير المرجح أن تسلّم الولايات المتحدة غولن، حيث لا يزال البيت الأبيض غير مقتنع بأن الداعية كان العقل المدبر لمحاولة الانقلاب 2016. كما أنه من غير المرجح أن تتوقف تركيا عن استهداف أنصار غولن في الداخل والخارج حيث يحاول حزب العدالة والتنمية الحفاظ على الولاء السياسي للأتراك الذين ما زالوا غاضبين من محاولة الانقلاب.
وتبدو القضية الخلافية الأبرز هي خروج تركيا عن صف الناتو حينما اشترت نظام أس – 400 في 2017، مما أثار قلق واشنطن من خلال إثارة المخاوف من العلاقات الدفاعية الروسية التركية الناشئة وإمكانية استخدام النظام كمصدر للمعلومات الاستخبارية عن طائرات الشبح الأميركية الصنع لموسكو.
وطردت الولايات المتحدة تركيا من برنامج أف – 35 وفرضت عقوبات بموجب قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات ردا على الشراء.
وطرحت تركيا فكرة المراقبة المشتركة لمنظومة صواريخ أس – 400 أو حتى تركها جانبا مقابل تخفيف العقوبات. لكن رفع العقوبات سيتطلب إشراف الكونغرس، حيث دعا العديد من المشرعين إلى اتخاذ إجراءات مشددة ضد شراء تركيا لمنظومة أس – 400.
ورغم أن أمام تركيا فرصة لتقديم تنازلات، كالحد من تكرار استخدام منظومة الدفاع الروسية الصنع، فإنه من غير المرجح أن تتخلى أنقرة عن النظام تماما دون تنازلات أميركية كبيرة، حيث يرى الأتراك في شراء أس – 400 مسألة استقلال وطني.
ويبدو الخلاف حول دعم الولايات المتحدة للمسلحين الأكراد في سوريا إحدى العقبات أمام عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين، فواشنطن تعتمد بشكل كبير على التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عملياتها الميدانية ضد تنظيم داعش في سوريا.
ومع ذلك فإن المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية هو وحدات حماية الشعب المرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي ينفذ هجمات داخل تركيا. ولهذا السبب تريد أنقرة من إدارة بايدن قطع جميع العلاقات مع الأكراد.
ومن المستبعد أن تقطع إدارة بايدن العلاقات مع قوات سوريا الديمقراطية وسط مخاوف متزايدة من عودة ظهور داعش في شمال شرق سوريا. كما قد يؤدي التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية إلى المخاطرة بتكرار ما بدا محاولات متكررة للانسحاب السريع من سوريا في عهد الرئيس الأسبق دونالد ترامب.
ولا يقل ملف حقوق الإنسان الذي تتبناه إدارة الرئيس الديمقراطي بايدن أهمية فهو يحظى بأولوية حيث يعمل البيت الأبيض في عهد بايدن على تجديد التزام واشنطن الدبلوماسي بحقوق الإنسان مما يجعل حزب العدالة والتنمية التركي أمام التدقيق.
وينظر الحزب الإسلامي بزعامة أردوغان غالبا إلى القضايا الاجتماعية بشكل مختلف عن الولايات المتحدة ويشعر بالقلق من انتقادات القوى الغربية. وفي أبريل الماضي، على سبيل المثال، أصبح بايدن أول رئيس أميركي يعترف رسميا بمذبحة 1915 وترحيل الأرمن العثمانيين على أنهما إبادة جماعية.
ومن المحتمل أن تكون الاختلافات الثقافية والسياسية حول حقوق الإنسان غير قابلة للحل، إذ يسعى حزب العدالة والتنمية لتحقيق أهدافه الأيديولوجية في الداخل وتحاول إدارة بايدن إعادة تأكيد اهتمام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان على النحو الذي حدده الغرب في الخارج.
نهج تركيا الإسلامية
القضية الخلافية الأبرز بين تركيا والولايات المتحدة هي خروج أنقرة عن صف الناتو حينما اشترت نظام أس – 400 في 2017.
قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في يونيو 2023 سيعطي حزب العدالة والتنمية أولوية متزايدة للسياسات المصممة لتقوية الحزب. وتناقش الأحزاب السياسية التركية تحديثا لدستور البلاد، ومن المرجح أن يقدم حزب العدالة والتنمية نسخة من شأنها أن تفيد أردوغان وتميل النظام لصالح سيطرة الحزب طويلة المدى على البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك من المرجح أن يواصل حزب العدالة والتنمية محاولة قمع أحزاب المعارضة مثل حزب الشعوب الديمقراطي الذي يهيمن عليه الأكراد. وردا على ذلك ستواصل الولايات المتحدة نهجها في انتقاد مثل هذه السياسات وربما تحاول الضغط على تركيا لوقفها إما بفرض عقوبات أو التهديد بها، مما يقوض ثقة أنقرة في واشنطن.
ويبقى حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في تحالف انتخابي مع حزب الحركة القومية الذي غالبا ما يعارض التنازلات للولايات المتحدة وأوروبا. ودون حزب الحركة القومية لا يتمتع الحزب الإسلامي الحاكم بأغلبية برلمانية ولن يكون قادرا على تمرير التشريعات دون الدعوة إلى انتخابات جديدة.
وتستمع المحكمة الدستورية التركية أيضا إلى التماس بقيادة حزب العدالة والتنمية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهو حزب معارض بارز سيؤدي استبعاده من الطيف السياسي إلى تعزيز حصة تصويت حزب العدالة والتنمية وجعل النصر المستقبلي في منافسة وطنية أسهل. ويقود حزب العدالة والتنمية مرة أخرى المناقشات لإصلاح الدستور التركي. وقد أدى الإصلاح الأخير، الذي دخل حيز التنفيذ في 2018، إلى تحويل النظام البرلماني في البلاد إلى نظام رئاسي وصعّب إزاحة أردوغان عن السلطة مع تمديد فترة ولايته. ويخضع أردوغان حاليا لولاية مدتها فترتان مدتهما خمس سنوات بموجب الدستور الحالي، وهو شرط قد يحاول حزب العدالة والتنمية تغييره أيضا.
ويقول خبراء ستراتفور في تقييمهم إن هذا الاستيلاء على السلطة يؤدي إلى توسيع الفجوة الأيديولوجية مع الولايات المتحدة من خلال تحويل مكانة تركيا بعيدا عن الديمقراطية التعددية. فمكانة تركيا كحليف في الناتو تجعل انحرافها الاستبدادي أكثر إثارة للجدل في الولايات المتحدة، حيث يتساءل السياسيون والناشطون علانية عما إذا كانت قيمها السياسية المتغيرة تتماشى مع مهمة الحلف الأطلسي الإجمالية.
وفي ضوء ذلك من المرجح أن تدين إدارة بايدن علنا محاولات أردوغان وحزب العدالة والتنمية لتوطيد سلطتهما، وقد تحاول أيضا الضغط على أنقرة لوقف هذه الجهود تماما من خلال عقوبات فعلية أو التهديد بفرض عقوبات.
ورغم ذلك لن يؤدي هذا إلا إلى تقويض ثقة أنقرة في واشنطن، وبالتالي تقويض آمال حل النزاعات المختلفة التي أصابت العلاقات الثنائية الأوسع بين البلدين.

Related posts

Top