ليلى رحيوي، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب وشمال أفريقيا

أجرت الحوار : سميرة الشناوي

ليلى رحيوي، الإطار المغربي بهيئة الأمم المتحدة، هي امرأة كثيرة العمل والحركة داخل الوطن وخارجه، لكنها قليلة الكلام والظهور الإعلامي. ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمنطقة المغاربية تتنقل كثيرا عبر الدول والقارات في إطار الجهود المبذولة عالميا من أجل تغيير أوضاع النساء والفتيات إلى الأفضل، وبذلك تكون قد راكمت تجربة غنية وخبرة معتبرة في مجال التفكير في سبل تعزيز الحقوق الإنسانية للمرأة وبلورة آليات ملائمة لذلك حسب السياق الوطني لكل بلد.  في المغرب، تعمل رحيوي، في صمت، ضمن علاقات عديدة ومشاريع متنوعة تربطها سواء بالمؤسسات الحكومية أو بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في ميدان الدفاع عن حقوق النساء. بيان اليوم تقترب أكثر، من خلال هذا الحوار مع ليلى رحيوي، من محاور الرؤية التي تحملها هيئة الأمم المتحدة عن وضعية حقوق النساء بالمغرب، وكذا مساهمة هذه الهيئة في دعم وتفعيل السياسات والمبادرات المسطرة في هذا المجال.

< شهد العالم تحركا رمزيا قويا، مؤخرا، على إيقاع حملة «عالم برتقالي» (Orange the world) التي أطلقتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة كافة اشكال التمييز ضد المرأة. ما هو الإطار العام لهذه الحملة (نونبر- دجنبر 2015) وكيف تم تفعيلها على المستوى الوطني (بالمغرب)؟

> شاركنا طبعا في هذه الحملة الأممية «15 يوما للعمل» من أجل مناهضة العنف ضد النساء، حيث قمنا بـ»تلوين» متحف محمد السادس للفن الحديث باللون البرتقالي، كمبادرة رمزية لرفع مستوى الوعي بضرورة مواجهة هذه الآفة. ونظمنا يوم 25 نونبر الماضي بالمكتبة الوطنية بالرباط أمسية ثقافية اشتملت على عرض «أكروجيم» للمجموعة الطلابية «فاس سيتي كرو»، ومسرحية لمجموعة «أكواريوم» حول ظاهرة العنف الجنسي ضد المرأة، وأخرى للنساء السلاليات حول إشكالية ملكية الأراضي الجماعية. وقمنا طوال مدة الحملة، في إطار شراكة مع عدد من المؤسسات الإعلامية، ببث مجموعة من الرسائل التحسيسية حول مختلف أشكال العنف الممارس ضد النساء.
كما أننا دعمنا الأنشطة التي نظمها، لنفس الغرض، المجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى. وللإشارة فقد عرفت أمسية المكتبة الوطنية مشاركة كبيرة لمختلف الفعاليات المجتمعية، وشكلت بالتالي إطار مناسبا ومبتكرا لمواصلة التعبئة والمرافعة من أجل القضاء على العنف ضد النساء.

< كيف تقيمين واقع المساواة ومكافحة التمييز المبني على الجنس بالمغرب؟

> بالمغرب، تم إحراز تقدم كبير، خلال السنوات الأخيرة، فيما يتعلق بحقوق المرأة ومسألة المساواة بين الجنسين، حيث أضحت هذه المسألة قضية مركزية ضمن الاستراتيجية العامة للبلاد من أجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان.
وجاء دستور 2011 ليكرس بدوره المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق، وليفتح كذلك آفاقا واعدة من حيث رفع التحفظات المتبقية.
وأصبح المغرب يحتل موقع الريادة في المنطقة في مجال توجه السياسات العمومية نحو الحد من التمييز بين الرجال والنساء. كما أنه يتميز بتواجد حركة نسائية قوية ومتنوعة المشارب، وهي الحركة التي لعبت دورا مركزيا في التحولات التي شهدها المغرب على هذا المستوى.
التعبئة القوية لهذه الحركة المدافعة عن حقوق النساء، إلى جانب طبعا مكونات أخرى من المجتمع المدني المغربي، مكنت من وضع مسألة القضاء على العنف القائم على النوع على رأس الأولويات. ولا يمكن إنكار أن البلاد حققت تقدما كبيرا في الاستجابة للمطالب الداعية إلى وضع حد للعنف ضد المرأة، وهو ما أمكن ملاحظته أولا ضمن عملية تعزيز المنظومة  القانونية، سواء من خلال اعتماد مدونة الأسرة، أو ضمن مقتضيات الدستور الجديد، وأيضا في مبادرة رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وتمت ترجمة هذه الخطوات عمليا ضمن برامج وخطط عمل قطاعية مع إحداث مصالح وخلايا مختصة.
ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من التحديات التي ينبغي تجاوزها حتى تنعم النساء والفتيات بالأمن والعدل. فمبادرات الحماية والوقاية ما تزال غير كافية، وأعمال العنف تظل، في كثير من الأحيان، بدون عقاب. أرقام الدراسة الوطنية التي سبق أن أجرتها المندوبية السامية للتخطيط، سنة 2009، حول العنف ضد النساء، تظهر ذلك بوضوح: قرابة 6 ملايين من النساء بين 18-64 عاما، أي نسبة 62.8٪ من مجموع نساء المغرب، تعرضت إلى شكل من أشكال العنف خلال اثني عشر شهرا التي سبقت للدراسة، منها 3.8 مليون بالمناطق الحضرية و2.2 مليون نسمة في المناطق القروية. وأشارت الدراسة أن العنف النفسي هو الأكثر انتشار بنسبة 48٪ (4.6 مليون امرأة). وأكثر من 15٪ من النساء اللائي شملتهن الدراسة صرحن أنهن كن ضحايا عنف. كما تبين الدراسة أن العنف أكثر انتشارا في الأماكن العمومية، بمعدل حالتين من ثلاثة.
وبالنظر إلى هذه الأرقام، يمكن القول إن العنف ضد المرأة يشكل فعلا ظاهرة اجتماعية حقيقية بالمغرب، مما يتطلب تعبئة جميع الفاعلين في المجتمع.

< ما هي بنظرك سبل مواجهة مظاهر العنف الممارس ضد الفتيات والنساء بصفة عامة، وفي المغرب على الخصوص؟
>للتغلب على الآثار السلبية للعنف ضد المرأة، يجب أن تتظافر الجهود في إطار شراكة بين جميع الفاعلين. هيئة الأمم المتحدة للمرأة (أونيفيم) تعمل بالفعل مع الحكومات ومع باقي منظمات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، بهدف القضاء على الظاهرة، ورفع الوعي حول أسبابها وعواقبها وتعزيز قدرات الشركاء في مجال الوقاية منها والتصدي لها.
في مجال الملاءمة، نحن ندعم جهود المغرب في إطار ملاءمة القوانين مع الالتزامات الدولية للبلاد، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وبموازاة ذلك، نعمل على بلورة برامج تتماشى مع السياقات الوطنية لكل بلد.
حاليا، ندعم وزارة العدل والحريات من أجل تحسين ولوج النساء إلى القضاء. وندعم كذلك وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية في إعمال الخطة الحكومية للمساواة، لا سيما في مجال مكافحة العنف ضد النساء.
وعلاوة على هذا، يشكل التعاون الوثيق مع إطارات المجتمع المدني، جانبا أساسيا من استراتيجية عملنا. لدينا شراكات كثيرة في هذا الإطار أثمرت مؤخرا إنشاء شبكة وطنية مكونة من أكثر من 60 مركزا للاستماع والإرشاد للنساء الناجيات من العنف، فضلا عن دعم مركز متعدد الوظائف للنساء الناجيات بمدينة فاس ومركز للإيواء والإدماج  المهني للأمهات العازبات في الدار البيضاء.
كما عملنا على تنظيم العديد من حملات التوعية والتعبئة، بما فيها قافلة سنوية حول زواج القاصرات. وفي سياق مكافحة التحرش الجنسي والعنف في الأماكن العامة بالمناطق الحضرية، لدينا برنامج مشترك مع مجلس المدينة بكل من مراكش والرباط، ضمن مبادرة «مدن آمنة وخالية من العنف ضد النساء والفتيات».
ولكن هناك حاجة لبذل جهد آخر يتوجه أساسا لتغيير العقليات والسلوكات. الوقاية كانت هي محور إحياء اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء في 25 نونبر الماضي، وأيضا الحملة الأممية « 16 يوما للعمل» تحت شعار «جميعا ضد العنف». فنحن نجد أن المقاومة الرئيسية لهدف القضاء على العنف توجد في العقليات، والعمل على تغيير هذه الأخيرة هو جهد مستمر. لذلك تشجع الأمم المتحدة للمرأة المبادرات الرامية إلى إعطاء نموذج في تغيير الأنماط السلوكية للرجال والفتيان في هذا المجال، والمرافعة من أجل حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين. كما تدعو «أونيفيم» ايضا إلى زيادة فرص ولوج النساء الناجيات من العنف إلى خدمات نوعية في مختلف القطاعات الحيوية والأساسية وعلى رأسها الأمن والصحة والعدالة والسكن.

< كيف تنظرين إلى مسار إقرار قانون لمكافحة العنف ضد النساء بالمغرب؟

> نتابع باهتمام مسار مشروع القانون 103-13 حول مكافحة العنف ضد النساء، ونتطلع إلى أن يكون هذا القانون عند إقراره منسجما مع المعايير الدولية، حتى يتمكن من توفير حماية فعالة وتشمل كافة القطاعات المعنية بحماية النساء من جميع أشكال العنف. وتعمل «أونيفيم» من أجل إقرار قوانين مماثلة في جميع أنحاء العالم. فالمشرع يجب أن يقر بأن العنف ضد المرأة هو شكل من أشكال التمييز، كمظهر من مظاهر علاقات سلطة غير متكافئة كانت دوما قائمة بين الرجل والمرأة، كما أنه يشكل انتهاكا للحقوق الإنسانية الأساسية للمرأة.
ويجب أن يكون هذا القانون شاملا ومتعدد التخصصات، وأن يعمل على تجريم كافة أشكال العنف ورفعها إلى مستوى العمل الجنائي الذي يستوجب العقاب. كما يجب أن تمتد إجراءاته إلى قضايا الوقاية والحماية وتمكين النساء الناجيات من الخدمات وضمان وصولهن إليها. بالطبع، يجب أن تسير عملية فرض عقوبات رادعة على مرتكبي الجرم وإنصاف الضحايا بالموازاة مع برامج الوقاية من العنف.
وهناك جانب أساسي نحث عليه في مجال التشريعات الرامية لحماية المرأة من العنف، وهو أن تكون تلك التشريعات منسجمة مع مجموع النصوص التي تشكل المنظومة القانونية العامة للبلاد. ويمكن بالتالي حذف أو تعديل الأحكام القانونية في مجالات أخرى- في مدونة الأسرة أو قوانين الإرث مثلا- التي تتعارض مع هذه التشريعات الخاصة، وذلك لضمان تجانس الإطار القانوني العام في اتجاه مدافع عن المساواة بين الجنسين، والحقوق الإنسانية للمرأة والقضاء على العنف ضدها.
وبطبيعة الحال، ينبغي لمثل هذا النص أن يكون مرتبطا عضويا بخطة للعمل أو استراتيجية شاملة على المستوى الوطني، فضلا عن وضع ميزانية للتنفيذ، وفرض تكوين ملائم لجميع المتدخلين المعنيين. ومن المهم أيضا وضع آليات للرصد والمتابعة لتنفيذ القانون. وأخيرا، لا بد أن يكون هناك جمع منتظم للبيانات والدراسات حول الموضوع، لتحسين مستوى المعرفة بالظاهرة وبالتالي تيسير عملية تنفيذ الإجراءات المتخذة لمواجهتها.

< تجمعكم أيضا اتفاقيات شراكة مع عدد من القطاعات في مجال إقرار وتكريس مقاربة النوع في السياسات العمومية. ماهي الآليات المفعلة في هذا الاتجاه؟ وهل تمكنت بنظركم من تحقيق أهدافها؟

> تعمل «أونيفيم» منذ سنوات مع الحكومة المغربية من أجل تحسين إعمال مقاربة النوع في السياسات العمومية. نعمل على مرافقة مختلف الوزارات في عملها من أجل إدماج مبدإ المناصفة والمساواة بين الجنسين في مشاريعها وبرامجها وممارساتها، بما في ذلك تلك التي تندرج في إطار تنفيذ الشراكة الأورو- متوسطية. ونبدأ أولا بتشخيص الأوضاع قبل أن نمر إلى تطوير استراتيجيات وخطط العمل. وتركز الإجراءات على ضرورة إحداث بنيات دائمة بمسؤولين يمتلكون المعارف والمهارات اللازمة لتوجيه، ورصد، وتقييم جهود تعميم إدماج مقاربة النوع في السياسات العمومية. كما يعتبر جمع المعطيات والبيانات التي تدعم هذه الأهداف، جانبا مهما من عملنا مع الدوائر الحكومية، ضمن عملية إنتاج التقارير والدراسات الموضوعاتية. ويمكن الاشارة أيضا إلى عملنا لأجل إصدار عدد من الكتيبات والدلائل  التي تندرج في إطار بناء قدرات الفاعلين.
نحن جد راضين عن العمل الذي قمنا به حتى الآن مع القطاعات الوزارية، خاصة أننا نلاحظ إرادة قوية من جانب المسؤولين لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي. وعلى سبيل المثال، نعمل رفقة الوزارة المنتدبة المكلفة بالماء والوزارة المكلفة للبيئة، على بلورة استراتيجيات مأسسة المساواة بين الجنسين في قطاع المياه والبيئة والتنمية المستدامة. كما أننا نرافق، منذ عام 2002، وزارة الاقتصاد والمالية في عملها المتصل باستشعار حاجيات النساء خلال وضع الميزانيات العمومية. لدينا تعاون مع وزارة التضامن والمرأة والتنمية الاجتماعية والأسرة التي ندعمها كذلك من أجل إعمال مبدأ المناصفة والمساواة في استراتيجية العمل. ومنذ عام 2007، تهدف شراكتنا مع وزارة العدل إلى تحسين تنفيذ أحكام مدونة الأسرة، ولا سيما من خلال برامج تستهدف القضاة، وأيضا من خلال وضع دلائل توجيهية وأدوات لتحسين ولوج النساء إلى القضاء. وتمكنا كذلك من تعزيز هذه الشراكة باتجاه التعاون في مجال العمل على مواجهة إشكالية الاتجار بالبشر.
إلى ذلك نعمل رفقة وزارة الداخلية والإدارة العامة للجماعات المحلية على مأسسة مقاربة النوع في هذه الإدارة، وإدماج المقاربة أيضا في الحكامة الترابية وتعزيز المشاركة السياسية للمرأة على المستوى المحلي.
أما عملنا مع وزارة الأشغال العمومية وتحديث الإدارة فيرتكز على تفعيل شبكة التشاور بين الوزارات (RCI)، ومأسسة النوع في عملية تدبير الموارد البشرية في الإدارة العمومية وبناء القدرات. في هذا السياق، قمنا بإجراء دراسة حول مسألة التوفيق بين العمل والأسرة بالنسبة للنساء والرجال العاملين في سلك الوظيفة العمومية بالمغرب، وأخرى حول «مكانة المرأة الموظفة في مواقع المسؤولية بالإدارات العمومية»، إضافة إلى إصدار كتيب حول إدماج مقاربة النوع في مجال الترشيح والتوظيف والتعيين وتقييم الأداء في الوظيفة العمومية.
 ومكن برنامج العمل مع وزارة الشؤون العامة والحكامة من معرفة نسبة تمثيل المرأة في هيئات التسيير ضمن أكثر من 500 شركة من أهم الشركات في القطاعين العمومي والخاص بالمغرب. ومع وزارة الاتصال، تمكنا من وضع دفتر تحملات يخص كلفة المساواة بين الجنسين في المؤسسات الإعلامية وتقييم البرنامج الاستراتيجي لمأسسة المساوات بين الجنسين في الوظيفة العمومية.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية الشراكة مع هذه الوزارات تندرج في سياق تطبيق مقتضيات دستور 2011، وكذا في إطار تنفيذ التدابير الواردة في القانون الأساسي الجديد للمالية.

<  الأستاذة ليلى رحيوي، أنت المناضلة القادمة من رحم المجتمع المدني المغربي قبل توليك مهمة تمثيل منظمة الأمم المتحدة للنساء بالمنطقة المغاربية، كيف تقيمين نشاط الحركة المدافعة عن حقوق النساء بالمغرب؟

> لو لم تكن الجمعيات، لما كانت هناك حركة مدافعة عن حقوق النساء بالمغرب. لقد لعبت هذه الجمعيات دورا أساسيا في تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في المغرب. كما أن الإصلاحات التي جرت ما كانت لتحصل لولا العمل الترافعي القوي الذي قامت به الحركة النسائية، وهو العمل الذي بني على خبرة حقيقية وقرب من الواقع الميداني لمعيش المرأة ومعاناتها. هذه الحركة شكلت حقا قوة بديلة وحاملة لرؤية مجتمعية تقدمية حيث تتمتع النساء بكافة حقوقهن. وقد كان ذلك واضحا وجليا في عملية الإنتاج الغزيرة للجمعيات النسوية بما اشتملت عليه من تقارير ومذكرات مطلبية وتحليلية تقدم صورة عن المشروع المجتمعي الذي تدافع عنه هذه الجمعيات والتي شكلت بالفعل دينامو حقيقي لحركة نسائية مغربية.

< ما هي مجالات التعاون بينكم وبين الجمعيات النسائية المغربية؟ وكيف يمكن بنظركم تعزيز دورها في تحسين أوضاع النساء بالمغرب؟

> تعمل «أونيفيم» مع العديد من الجمعيات والهيئات الفاعلة في مجال الدفاع عن المساواة بين الجنسين، لأن المجتمع المدني له دور رئيس في الوقوف على المعاناة والهشاشة التي تعاني منها فئات متعددة من النساء، وذلك بهدف تعزيز حقوقهن وتحسين مكانتهن في المجتمع. كما أن هذه الجمعيات تعد ركيزة فعلية لعملية الترافع لدى المسؤولين في الدولة من أجل تلبية حاجيات النساء وحصولهن على حقوقهن.
في مجال الملاءمة، نحن ندعم هذه الجمعيات بدورها في مطالبها من أجل مواءمة القوانين والنصوص مع الالتزامات الدولية للمغرب، والأهداف الإنمائية للألفية، والآن أهداف التنمية المستدامة. وتعمل «أونيفيم» أيضا على وضع وتنفيذ برامج لتعزيز فرص النساء في الحصول على الخدمات الأساسية، وبمستوى أفضل، في القطاعات المختلفة وعلى رأسها الأمن والسكن والصحة والعدل. وفي إطار السعي لتغيير العقليات وترسيخ أنماط سلوكية أفضل لدى الرجال والفتيان، باتجاه تعزيز المساواة بين الجنسين- كما أشرت إلى ذلك سابقا- فإننا ندعم مختلف المبادرات التي تخدم هذا الهدف.
وأخيرا نعمل، في حدود إمكانياتنا وبشراكة مع الجمعيات، على تنفيذ عدد من المشاريع التي تطمح إلى مساعدة فئات من النساء اللواتي يعانين من التهميش والإقصاء، من أجل استفادة أفضل من الموارد، وذلك أساسا عبر مشاريع تتميز بالجدة والابتكار سواء من حيث موضوعها أو مقارباتها أو الفئات المستهدفة منها، في أفق جعلها نوعا من التجارب النموذجية التي يمكن إعادة تطبيقها أو حتى تعميمها لاحقا.

< تركز هيئة الأمم المتحدة للمرأة بصفة كبيرة على نساء الأرياف عبر العالم، نظرا لما يعانينه من ضروب التمييز والهشاشة على كافة المستويات. في هذا الصدد، هل لديكم عمل ميداني على مستوى تحسين أوضاع المرأة القروية بالمغرب؟

> منذ تأسيسها، ما فتئت هيئة الأمم المتحدة للمرأة «أونيفيم» تعمل لدعم الشركاء سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي، في جهودهم الرامية إلى تعزيز الفرص الاقتصادية للنساء في إطار من تأهيل القدرات بهدف التمكين. وفي هذا السياق تندرج جهودنا وبرامجنا الرامية إلى تحسين أوضاع المرأة القروية في المغرب، ومن بينها المشروعان اللذان نقوم بتنفيذهما حاليا، وهما، أولا، برنامج النوع الاجتماعي والبيئة، بدعم من وكالة لتعاون السويسرية، الذي يرمي إلى التخفيف من حدة مخاطر الكوارث الطبيعية باستخدام تقنيات مبتكرة تمكن نساء العالم القروي من تكيف أفضل مع تغير المناخ.
فالمرأة القروية هي أول من يواجه تحديات التغيرات المناخية وأكثر من يعاني منها، فهي تساهم بشكل أساسي في عملية تدبير الموارد الطبيعية، كما أنها تعتبر حساسة وضعيفة أكثر أمام التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي. ومن هذه التأثيرات هناك الجفاف الذي ينعكس سلبا وبشكل مباشر على المرأة القروية، ليس فقط كمستهلكة للموارد بل أيضا كفاعلة رئيسية في عملية إنتاج المواد الاستهلاكية في المجتمعات القروية عموما.
ومن هذا المنطلق، يرتكز مشروع النوع الاجتماعي والبيئة على مبدإ تثمين خبرات النساء في المجال الفلاحي بالعالم القروي، خاصة بمناطق الواحات، وفي ميدان إنتاج الأعشاب الطبية والعطرية، وكذا تربية المواشي. هذه الخبرات النسائية المحلية تلعب دورا حاسما في في المحافظة على الموارد الطبيعية وحسن تدبيرها، ولكنها للأسف لم تعط حقها بما ينعكس إيجابا على وضعية النساء وتحسين نوعية حياتهن.  
لذلك، عملنا كهيئة الأمم المتحدة للمرأة على دعم تنفيذ مشروع النباتات العطرية والطبية ضمن منظور تجميع القدرات والاهتمامات الاقتصادية وكذا تعزيز الاستقلالية الاقتصادية للنساء في العالم القروي، وذلك من خلال استخدام تقنيات جديدة للإنتاج، والحفظ، والتثمين، واختيار البذور المحسنة والنباتات ذات الجودة المضمونة، فضلا عن تنظيم المسالك الترويجية والتجارية للبذور المحلية.
ومن جهة أخرى، تلعب المرأة القروية أدوارا متعددة في الاستفادة من التنوع الزراعي والبيولوجي وفي حسن تدبيره وحمايته، ومن تم فإنها تمتلك مفاتيح مستقبل استمرارية نجاعة النظم الزراعية والأمن الغذائي، خاصة أنهن هن من يخترن أنواع البذور ويشرفن على عملية تدبير قطعان الماشية، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة العمل بمبادئ الاستخدام المستدام والحفاظ على الموارد النباتية والحيوانية.
وفي هذا الإطار، عملنا، ضمن مشروع ثان بشراكة مع منظمة «أرض الإنسانية» بالمغرب، على دعم النساء الفاعلات في مجال انتقاء البذور من أجل تنمية تحترم مبادئ المساواة والتضامن والاستدامة. هذا المشروع يهدف إلى إشراك المرأة القروية بمنطقة الحوز، سطات وتاونات، في عملية إنتاج وتثمين البذور المحلية، وتحسين إنتاج الضيعات الفلاحية وحدائق النباتات التجارية، مع الحفاظ على التنوع البيولوجي والزراعي. وقد أثبت هذا المشروع أن المرأة القروية لديها خبرة – مستمدة من الثقافة التقليدية- لا تقدر بثمن، وبالتالي فإن هؤلاء النساء هن فعلا حارسات للتنوع والاستدامة في المجال الزراعي.

< بذل المغرب وما يزال، على مدى العقود الأخيرة، جهودا معتبرة في مجال العمل على التمكين للنساء من أجل بلوغ مراكز القرار. ماهي بنظركم الأسباب التي مازالت تحد من بلوغ الغايات في هذا المجال؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها؟

> بالفعل، أظهر المغرب إرادة سياسية لتشجيع وصول المرأة لمواقع القرار. وتضمنت خطة الحكومة للمساواة، للفترة ما بين بين2011-2015، تسع مجالات ذات أولوية لتعزيز حقوق المرأة في مختلف المجالات بما في ذلك مراكز صنع القرار في الإدارة العمومية. كما كرس الدستور الجديد مبادئ المساواة وعدم التمييز لفائدة النساء. وتم التنصيص أيضا على مبدإ المناصفة في القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا.
وعلى الرغم من هذه الجهود، مازالت النساء تجدن صعوبات في الوصول إلى مناصب المسؤولية، وذلك بسبب العراقيل المرتبطة بتوزيع الأدوار الاجتماعية المرتكزة على تقسيم العمل حسب الجنس. علما أن هناك عقلية محافظة وتمييزية تقف بوجه الارتقاء المهني للنساء. وقد أظهرت دراسة أعدت في عام 2015 بدعم من الأمم المتحدة للمرأة، أن العقبات كثيرة ومتنوعة. فمن بين العراقيل نجد غياب الأرقام التي يمكن أن تعطينا فكرة حول عدد الترشيحات المقدمة في مجال الترشيح لمناصب المسؤولية والمناصب العليا، وعدد النساء اللواتي يتم قبول ترشيحاتهن لتلك المناصب. وكل ما تمكن معدو الدراسة من الحصول عليه، هو معلومات غير رسمية حول وجود 53 ترشيحا نسائيا من ضمن 478 تم تقديمها للتعيين في مناصب رفيعة للمسؤولية خلال سنة 2014-2015.
فيما يتعلق بإجراءات الاختيار والتعيين والترقية وحتى تقييم الأداء، فإن هناك أيضا العديد من العقبات. فلدينا من جهة الطابع الذكوري لتحرير المساطر، مما يقلل من إمكانيات التعرف على النساء في مناصب المسؤولية، ومن جهة ثانية هناك فرض شرط الأقدمية في الترشيح لمناصب مماثلة، وهو معيار تمييزي بما أن نسبة قليلة فقط من النساء يتحملن المسؤولية في الإدارة العمومية.
ومن بين العراقيل الحقيقية التي تحول دون الارتقاء المهني للنساء ووصولهن إلى مراكز القرار، تلك المرتبطة بصعوبات التوفيق بين الحياة العملية والواجبات الأسرية. فغياب دُور الحضانة مثلا، داخل الوزارات والإدارات العمومية، يعد مشكلا حقيقيا بالنسبة للنساء، فضلا عن الإكراهات التي تعترضهن في مسألة اختيار مواعيد الاجتماعات والالتزامات المهنية وبرمجتها خارج أوقات العمل. وبفعل التقسيم النمطي للأدوار بين الجنسين، تبقى المهام المنزلية دوما من حظ النساء، كما تشير الى ذلك نتائج دراسة رسمية للمندوبية السامية للتخطيط، وبالتالي فإن معظم النساء يلجأن الى اختيار المهن التي تمكنهن نسبيا من التوفيق بين مهامهن المنزلية وعملهن خارج المنزل. وأخيرا يمكن القول إن عدم احترام المقتضيات التي ينص عليها القانون في مجال التعيينات في المناصب العليا ينتج عنه صعوبات كذلك في تقييم حظوظ النساء في الولوج لتلك المناصب.
بالتالي فإن استمرار الصور النمطية وتقسيم الأدوار بشكل تمييزي بين المرأة والرجل مازالا يؤثران سلبا على فرص النساء في الحصول على العمل وكذا الارتقاء في السلم المهني، وهو ما يحتاج إلى اتخاذ عدة اجراءات لتجاوز هذا الوضع. فيجب أولا سن إجراءات لتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا المتعلقة بالنساء. كما يفترض وضع تدابير مؤقتة للتمييز الإيجابي، مثل الكوطا على سبيل المثال، في مجال التعيين في مناصب المسؤولية والترقية الداخلية والتكوين من أجل التشغيل، والتشغيل، فضلا عن تخصيص نسبة للنساء ضمن التعيينات والتدريبات التي تتاح خارج الوطن.
ويجب الاهتمام بضرورة تنظيم دورات تحسيسية وتواصلية لفائدة الفاعلين والمسؤولين في الإدارات العمومية، حول مأسسة النوع، وكذلك لفائدة أعضاء اللجان المشتركة واللجان التقريرية ولجان الترقية الداخلية، وذلك بهدف رفع مستوى الوعي وتغيير العقليات. بالإضافة إلى كل هذا، يتوجب اتخاذ تدابير مؤسساتية من أجل تمكين النساء من التوفيق بين العمل والالتزامات الأسرية، فضلا عن إجراءات تحسين المهارات القيادية وقدرات التسيير لدى النساء بواسطة التكوين المستمر، وملاءمة توقيت العمل، ومواقيت الاجتماعات المهنية خارج أوقات العمل. والنساء في حاجة أيضا إلى المزيد من النزاهة والشفافية في مجال ترويج المعلومات حول مباريات التوظيف، ومساطر التعيين في مواقع المسؤولية، ودورات التكوين والتدريب في الخارج.
وتدعم ‹›أونيفيم›› العديد من المبادرات لتسهيل وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية. وهكذا، عبرنا عن تأييدنا لقرار اتخاذ تدابير للتوفيق بين الحياة الخاصة والمهنية لفائدة النساء في قطاع الوظيفة العمومية. ودعمنا الدراسة التي أجرتها وزارة الوظيفة العمومية بشأن وصول المرأة إلى مناصب المسؤولية. كما قمنا بدراسة تشخيصية وتحليلية لتمثيلية النساء في  مجالس التسيير على مستوى كبريات المؤسسات العمومية وشركات القطاع الخاص، حيث أظهر هذا البحث أن النساء يمثلن 7٪ فقط من أعضاء المجالس الإدارية ضمن  500 شركة من القطاعين.
وختاما يمكن القول إننا سنبقى متفائلين بفضل النتائج الإيجابية التي تحققها سياسات وبرامج مكافحة التمييز في بلدان مختلفة، والتي تُبين أنه عندما يتعبأ كل من المسؤولين الحكوميين وأرباب العمل من أجل سن وتطبيق تدابير للتمييز الإيجابي، فإن ذلك يمكن من تحسين تمثيلية المجموعات والفئات ضحايا التمييز وعلى رأسها فئة النساء. ومن تمّ فإن هذا النوع من الاستراتيجيات والبرامج يعد ضروريا  في مجال محاربة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يروم تطبيق مبدإ تكافؤ الفرص في المجال المهني إلى إعادة التوازن لأدوار النساء والرجال ومساهمتهما في تدبير الشأن العام، مع القضاء على المظاهر القائمة للتمييز.

< ما رأيكم في النقاش الذي أثير مؤخرا حول مسألة المساواة في الإرث بعد تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟

> التوصيات التي ضمنها المجلس الوطني لحقوق الانسان في تقريره حول المساواة، جاءت لتعزيز الجهود القائمة في مجال إصلاح القوانين، بما يمكن من وضع حد لجميع أشكال التمييز ضد المرأة. وقد سجل التقرير أن هناك بالفعل مشاكل في تحقيق المساواة، في القوانين وفي الواقع، فضلا عن الحواجز التي تحول دون تنزيل بعض الالتزامات الدستورية والدولية. والأمر سيان بالنسبة لمسألة الإرث.
نحن ننوه بالمجهود الذي قام به المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمستوى الذي تم به إعداد وصياغة هذا التقرير فيما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء في المغرب. وقد اعتمدت صياغة هذا التقرير/ الحصيلة مقاربة تحليلية مرتكزة على مبادئ حقوق الإنسان، مما يمكن أولا من التعرف على مجموع الحقوق المنصوص عليها في الإطارين القانوني والتنظيمي، وعلى المستوى الوطني والدولي.
كما تتجلى قوة التقرير في ما يمنحه من إمكانيات لتحليل وتقييم مدى تفعيل الحقوق الإنسانية التي تم إقرارها في المغرب، وكذا مدى ترجمتها ضمن آليات مؤسساتية وبكيفية تشمل جميع السياسات العمومية المرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وللإشارة فقد مكن التقرير أيضا من إظهار، بشكل جلي، مختلف الآثار السلبية للإقصاء الاجتماعي والاقتصادي وانتهاك الحقوق على النساء اللواتي يعانين من قدر كبير من الهشاشة.

Related posts

Top