مأزق الحركة الإسلاموية الرسمية بالمغرب..

في البدء:

في كتابه “نقد السياسية: الدين والدولة” يشير المفكر العربي برهان غليون في حديثه وبحثه أيضا في علاقة التوافق والتنافر التي تطبع علاقة الجماعة الإسلاموية والدولة إلى التالي:
“إن الإسلام كدين لا يضمن تحققه التاريخي تماما دون دولة ولهذا كان مؤسسا لدولة”.
ونحن إذ نجاريه في هذا الرأي، نضيف التالي: إن النمط الخصوصي للدولة وللنظام السياسي الحديثين اللذين تكونا عندنا في الحقبة القريبة الماضية، أفرزا الظاهرة الطائفية، فعيوبهما معا شجعت على بث الحياة في منطق التضامن العصبوي والقرابي القديم، واستدعت وجوده للأسف، وذلك، بقدر ما تحولت الدولة “القومية” الحديثة من وسيلة لتحقيق الإرادة العامة والمشاركة الوطنية لجميع الأفراد في تقرير مستقبل الجماعة (الوطنية) إلى أداة لتعظيم نخبة خاصة وتحويلها إلى نوع من القبيلة أو الطائفة المغلقة والمسيطرة (هكذا هو الواقع بدون تعمية ). أي بقدر ما تحولت الدولة إلى عصبية خاصة صارت وسيلة لتكوين قبيلة جديدة هي قبيلة أصحاب الحكم وأتباعهم (أليس هذا ما يحدث بالمغرب؟).

في بلورة الإرادة والإجماع الوطني:

نصل – بناء على ما سبق – إلى أن أصل المشكلة قائم في تكوين الدولة كمركز عصبية خاصة، بدل أن تكون وسيلة استخراج وبلورة الإرادة والإجماع الوطني.
يجب كاستخلاص أولي، أن نسجل: إن الموقف من الحركات الإسلاموية بالعالم العربي والإسلامي (ومنه المغرب) يقتضي حتما (وهذا اعتقادنا) اعتماد منهج التحليل الاجتماعي والسياسي، ويميز بين حركتين: حركة متمردة ترد على تفاقم التبعية والتهميش وتتركز في الأحياء الشعبية الفقيرة، وحركة رسمية أو قريبة من الرسمية (محترفة؟)، تشكل أحد أطراف التحالف التبعي الحاكم في العديد من الاقطار (ومنها المغرب؟)… لابد إذن من التمييز ببن مختلف تجليات الحركة الإسلاموية السياسية والاجتماعية الجديدة لكي يستقيم الوعي بها وتجلياتها..

الحداثة المغدورة؟:

إن معظم الحركات الإسلاموية، لم تصبح موضع اهتمام الأنظمة إلا لأنها تجسد حركات سياسية اجتماعية ذات مصالح تعني الصراع على السلطة مباشرة وليس لما يميزها من ورع وتقوى. فما يجعل منها مشكلة بالنسبة للسلطات القائمة ليس تعصبها الديني، ولكن طموحاتها السياسية والاجتماعية وتجسيدها لتحركات شعبوية تمردية. بحيث يمكن القول: إن المعارضة الإسلاموية لا تستمد قوتها و”ثوريتها” الحقيقية من الدين وتفسير الآيات القرآنية، وإنما من عمق التناقضات والتوترات الاجتماعية والسياسية والروحية، وهي (طبعا) تترعرع في مناخ الأزمة الشاملة.
نختم مع برهان غليون في كتابه “الإسلام والسياسية: الحداثة المغدورة” بالقول التالي:
“إن الحالة المأساوية التي يعيشها العالم العربي والإسلامي ليست النتيجة الطبيعية للإيمان بدين ولا التعبير وباستمرار عن الاعتقادات الإسلامية والثراث العربي ومقاومتها للحداثة، لكنه الثمرة المباشرة والحتمية للحداثة المغدورة، التي عرفها هذا العالم وطريقتها النخب التي توالت على حكمه”.
في اعتقادنا هي حداثة سطحية دمرت القواعد الأخلاقية المعيارية التي كان يقوم عليها الاجتماع الإسلامي التقليدي من دون أن توفر بالمقابل بدائل إنسانية تصبح منبعا جديدا ومتجددا للقيم الإنسانية ومصدرا لمراكمة المكاسب والموارد المادية.

< بقلم: عبد الله راكز

Related posts

Top