مأساة حادث العبور إلى مليلية المحتلة

يعتبر ما حدث عند حاجز العبور إلى مليلية المحتلة مأساويا بالفعل، ويجب، بدء، أن نترحم على الذين فقدوا أرواحهم هناك، وأن ندعو بالشفاء العاجل للمصابين من مهاجرين غير  قانونيين وأفراد القوات العمومية…
بعد ذلك، لا بد أن نقارب ما حدث ضمن رؤية شمولية بلا أي خطابة تبسيطية حالمة أو قفز على معطيات لن تستقيم أي قراءة موضوعية بدون استحضارها.
لقد قدم المغرب، خلال السنوات الأخيرة، مجهودا كبيرا في مجال تدبير الهجرة، وبات يمثل نموذجا متميزا على صعيد القارة أو على المستوى المتوسطي والدولي، وعديد دول ومنظمات تشهد بذلك وتعترف به، ولكن يجب، في نفس الوقت، الإقرار بوجود إكراهات أمنية وسيادية لا يمكن إغفالها، كما أن موقع المملكة، وأيضا مقاربتها الإنسانية والإدماجية لقضايا الهجرة واللجوء، جعلا منها وجهة للهجرة أو للعبور، ومن ثم صارت تواجه ضغطا متزايدا على هذا المستوى.
وعندما ندرك أن ظروف اليوم هي ظروف أزمات اقتصادية عبر العالم، وأن معظم بلدان القارة الإفريقية تعاني من الفقر والتوترات والحروب، فكل هذا يؤكد أن المغرب لا يمكنه مواجهة كامل هذه المشكلة الكونية وحيدا ومنفردا، وباستحضار ما يعاني منه من أزمات وضغوط اقتصادية واجتماعية…
الهجرة من إفريقيا نحو أوروبا هي مسؤولية أوروبا أولا، ولا بد لها أن تستحضر دورها التاريخي في إنتاج شروط هذا الواقع، وأن تساهم في التخفيف من حدته، والانخراط في دعم القارة وتنميتها واستقرارها.
وإذا ركزنا الكلام في واقعة اقتحام سياج مليلية المحتلة، فإن الضحايا كانوا يسعون للعبور نحو أوروبا، وهذه الأخيرة هي المطالبة بتطوير سياستها المتعلقة بالهجرة واللجوء، وهي المدعوة إلى تغيير مقاربتها لهذه المشكلات، والعمل لتعزيز تعاونها مع جيرانها الأفارقة على هذا الصعيد.
من جهة أخرى، وإن كانت العديد من الجهات المعنية هي بصدد إنجاز تحقيقات، وجمع معطيات تتصل بما حدث عند حاجز عبور مليلية المحتلة، فإن بعض المؤشرات لا بد من أخذها بعين الاعتبار:
لماذا وقع هذا الحادث المأساوي اليوم وليس قبل ذلك؟ أي في شهر يونيو 2022، ومباشرة عقب تسجيل بعض التصالح بين الرباط ومدريد…
لماذا هذه المرة، أغلب المهاجرين ينحدرون من جنوب السودان وتشاد، وحتى من اليمن، وليس من الدول التي جرت العادة أن يأتي منها المهاجرون في السنوات الأخيرة؟ ولماذا بالضبط من دول ليست لها حدود مشتركة مع المغرب؟ وكيف استطاع هؤلاء الوصول من بلدانهم إلى غاية المغرب؟
ما معنى حجم العنف المقترف، هذه المرة، من طرف هؤلاء المهاجرين تجاه القوات العمومية؟ وكيف جرى استعدادهم لذلك؟
هذه الأسئلة، وأخرى جرى طرحها من لدن أوساط مختلفة في الأيام الأخيرة، بل ونشرت تصريحات وإفادات في وسائل إعلام أوروبية تشرح بعض تفاصيلها، وهي تؤكد وجود جهات وأطراف أخرى عملت من أجل وقوع هذه المأساة أو أنها سهلت حدوثها، وبالتالي يصير من الواجب التساؤل عمن له المصلحة في وقوع مثل هذه المأساة عند حاجز العبور إلى مليلية المحتلة، وما هي الأهداف من وراء ذلك.
انطلاقا من الجواب على هذا السؤال يمكن تبين المدخل نحو الحقيقة بلا خطابة فجة أو مزايدات عقيمة.
وعندما نشاهد أن كل الأوساط الدولية والقارية لم تتسرع لحد الآن بالإعلان عن موقف نهائي مما حدث، ندرك أن الكثيرين يشكون في وجود جهات أعدت فعلا لوقوع ما وقع، وذلك بغاية توريط المغرب في تبعاته.
ونسجل هنا تصريحات المسؤولين الإسبان، وأيضا عدد من البرلمانيين الأوروبيين، وجميعهم يتحدثون عن ضرورة تقوية التعاون الإسباني والأوروبي مع المغرب، ودعم المملكة في التصدي للهجرة غير الشرعية، ومساندة الجهود المغربية لمواجهة جرائم عصابات الاتجار في البشر، وأيضا انعكاسات ضعف عدد من الدول في حماية حدودها أو عدم رغبتها للقيام بذلك.
وإذا استثنينا تصريحا صبيانيا ومتهافتا للمفوض الإفريقي موسى فقي، فإن مختلف ردود الفعل القارية والأوروبية والدولية مثلت مساندة واضحة للمملكة ولجهودها الإنسانية والعملية، وهو ما يحتم اليوم على بلادنا تمتين استعدادها ويقظتها للتصدي لكل المناورات، التي يمكن أن تستغل مآسي الهجرة غير الشرعية، والتي يمكن أن تشهد حتى تحالفا بين خصوم المملكة وعصابات الاتجار في البشر.
اليقظة المغربية يجب أن تشمل الواجهة الديبلوماسية والترافعية، ولكن أيضا التدبير الأمني والعمل الميداني للقوات العمومية والسلطات المعنية بإنفاذ القانون على الأرض، وكذلك إعمال وتدبير السياسة الوطنية في مجال الهجرة واللجوء، ثم الخطاب الإعلامي والسياسي المتداول لدينا بهذا الخصوص، والذي يقتضي تعزيز التكوين والوعي والفهم، بما في ذلك لدى الإعلاميين وفئات أخرى، لتفادي بعض أخطاء قصور الفهم  السياسي.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top