مأسسة مفاهيم الوساطة الأسرية موضوع مؤتمر دولي بالرباط

دعت وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، يوم الاثنين الماضي بالصخيرات، إلى تعميق النقاش حول المفاهيم المؤطرة للوساطة الأسرية، انسجاما مع السياقات الوطنية المختلفة، والاطلاع على آليات ومنهجية مأسستها في التجارب الدولية واستخلاص الممارسات الفضلى منها.
وأضافت الحقاوي، في كلمة بمناسبة انطلاق المؤتمر الدولي حول “الوساطة الأسرية ودورها في الاستقرار الأسري”، الذي نظمته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أن تعميق النقاش يتطلب أيضا تحديد مقومات نجاح الوساطة الأسرية سواء في بعدها الاستباقي الوقائي أو في شقها القضائي لتدبير النزاع والمحافظة على المصلحة الفضلى للطفل، وتحديد أدوار الشركاء والشراكات الممكنة والمفروضة لإنجاح مأسسة الوساطة في كل بلد، معبرة عن الأمل في أن تساهم أعمال هذا المؤتمر في رسم معالم نموذج أمثل لتعزيز دور الأسرة في الرعاية وبناء ثقافة الحوار والمسؤولية المشتركة بين الزوجين والحفاظ على المصلحة العليا للطفل.
وأشارت إلى أن هذا المؤتمر، الذي نظم على مدى يومين، وشارك فيه ثلة من الخبراء المغاربة والأجانب، هو فرصة لفتح نقاش صريح وعميق حول المقاربات والمناهج الكفيلة بجعل الوساطة الأسرية آلية للمحافظة على حقوق الأفراد، خصوصا الأطفال، مبرزة أن الحديث عن الوساطة الأسرية في هذا اللقاء يأتي انسجاما مع التوجهات الملكية السامية لجلالة الملك، التي ما فتئت تعزز كيان الأسرة وكرامتها والنهوض بحقوق أفرادها وتستجيب لانتظارات كافة الفاعليين العاملين في مجالات الأسرة والمرأة والطفل والمسنين والأشخاص في وضعية إعاقة.
وأبرزت الوزيرة أن الاهتمام بموضوع الوساطة يأتي من خلال ترجمة الالتزامات الدستورية، التي اعتبرت الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع، بحيث نص دستور المملكة في الفصل 32 على أن “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية في المجتمع”، والذي أكد أيضا على واجب الدولة في العمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها، وسعيها لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. كما نص على إحداث مجلس استشاري للأسرة والطفولة.
وذكرت أن المغرب قام، في هذا السياق، بإصلاحات مهيكلة تشريعية واجتماعية لدعم الأسرة المغربية من مداخل متعددة، منها، مدونة الأسرة، التي صدرت سنة 2004، وإصلاح قانون الجنسية ومدونة الشغل، وكذا قانون الحالة المدنية وتفعيل صندوق التكافل العائلي وتفعيل صندوق دعم الأرامل الحاضنات لأطفالهن وإحداث مراكز الاستماع والإرشاد القانوني بمختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى ما قامت به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من دور طلائعي في التمكين الاقتصادي للأسر، وإدماج الفئات الاجتماعية في وضعية صعبة ومحاربة الفقر والهشاشة في صفوفهم.
وأكدت الحقاوي، أنه بالموازاة مع هذه الإصلاحات التشريعية والقانونية، عملت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، في إطار الاختصاصات الموكولة إليها، على تسطير مجموعة من البرامج التي من شأنها تعزيز أدوار الأسر، وتدعم حقوق كافة مكوناتها، كالمرأة والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين.
من جهته، أبرز وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في كلمة بالمناسبة، أن الأسرة ليست مرحلة في تاريخ البشرية، بل هي أساس النظام الذي شرعه الله تعالى، وهو ما يستدعي ضرورة الحفاظ عليها ودعمها، وذلك من خلال آليتين أساسيتين ترتبطان بمصطلحي الحكامة والمعروف في القرآن الكريم.
وأضاف التوفيق أن الجمع بين المصطلحين السابقين هو الذي يدعم الوساطة في أبعادها القانونية والاجتماعية بغية الحفاظ على الأسرة وإشاعة المساكنة بين أفرادها، خاصة بين الزوج والزوجة، وما يترتب على ذلك من حماية لحقوق الأطفال.
وأشار التوفيق إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومنذ خطاب أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس سنة 2008 بتطوان، تقوم بتزويد 50 ألف من الأئمة المغاربة خلال اجتماعاتهم الشهرية بالتفسيرات العملية اللازمة لما ينبغي أن يكون عليه الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان (الوساطة لدى الأسر).
من جانبها، أشادت مديرة إدارة شؤون الأسرة بمنظمة التعاون الإسلامي، فضيلة كرين، بالجهود التي تبذلها المملكة في مجال حماية الأسرة، والتي تتجسد في بلورة سياسة عمومية تحفظ كرامتها وتنهض بأوضاع أفرادها وتحمي استقرارها.
وأشارت كرين، في كلمة بالمناسبة، إلى أن مواضيع تعزيز قدرات الأسرة والحفاظ على قيمها من بين المواضيع التي تستأثر باهتمام منظمة التعاون الإسلامي، من خلال الاستشارة والحوار وحماية المرأة وكبار السن، انسجاما مع قيم الدين الإسلامي الحنيف، مذكرة، في هذا السياق، بالأنشطة المتعددة التي تقوم بها المنظمة في هذا المجال، وذلك من خلال تنظيم، مؤتمرات وزارات المرأة والطفولة والشباب، على الخصوص.
ويأتي تنظيم هذا المؤتمر الدولي في ظل مواجهة الأسرة للعديد من التغيرات السوسيو-اقتصادية والثقافية التي أثرت عليها بشكل مباشر، بما أعاقها أحيانا عن أداء دورها المحوري في التنشئة الاجتماعية السليمة التي تنعكس آثارها على أداء المجتمع برمته. وفي أفق بلورة سياسة عمومية مندمجة للنهوض بالأسرة ومعالجة هذه الاختلالات بما يحقق استقرارها، جاء التفكير في تنظيم هذا المؤتمر الدولي لتدارس الوساطة في مختلف أبعادها ومقاربتها باعتبارها وسيلة لتعزيز التماسك العائلي وتدبير النزاعات.
كما يندرج تنظيم المؤتمر في سياق تعميق النقاش حول المفاهيم المؤطرة للوساطة الأسرية، والمساهمة في بلورة رؤية موحدة ترتكز على معايير تنطلق من القوانين والتشريعات الوطنية والمواثيق والعهود الدولية، والإطلاع على آليات ومنهجية مأسسة الوساطة الأسرية في التجارب الدولية، وتقاسم الممارسات الفضلى والتجارب الميدانية لفاعلي المجتمع المدني.
وحاول المشاركون في هذا اللقاء تقديم مقترحات علمية وعملية حول منهجية مأسسة الوساطة الأسرية، انطلاقا من السياق الوطني، وإعداد وثيقة ترصد المفاهيم والتجارب الوطنية والدولية ووضعها رهن إشارة الفاعلين، باتجاه رسم معالم نموذج أمثل يراعي خصوصية المجتمع المغربي في النهوض بأوضاع الأسرة وإصلاح ذات البين، بالإضافة إلى تعميق التفكير في مرتكزات وتوجهات استراتيجية النهوض بالأسرة المغربية على الصعيد المغربي.
وتضمن برنامج هذا المؤتمر، الذي شارك فيه أيضا العديد من الأساتذة الجامعيين المغاربة والأجانب وفعاليات المجتمع المدني، مقاربة، على الخصوص، مواضيع تتعلق بـ “الإطار المفاهيمي والمرجعي والتاريخي لتطور الوساطة الأسرية” و”مأسسة الوساطة من خلال التجارب الدولية” و”تطوير خدمات الوساطة الأسرية من خلال مبادرات المجتمع المدني” و”تكوين الوسطاء الأسريين”.

Related posts

Top