ما حدث في قنصلية أورلي

قضية الخادمة المغربية وقنصلة المملكة في أورلي بالعاصمة الفرنسية، التي صارت على كل لسان، وتحضر بقوة في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، تستوجب من المصالح المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون أن تتكلم، وأن توضح للمغاربة حقيقة ما حدث، والإجراءات التي تم اتخاذها، وبالتالي الانتصار لصورة بلادنا وسمعتها وكرامة مواطنيها ومواطناتها.
لحد الساعة، لا نعرف سوى ما نقل عن الخادمة وما عمم عبر اليوتوب، وما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يفرض مبدئيا بعض التحفظ، والابتعاد عن الأحكام الإطلاقية ريثما تتأكد كل المعطيات والتفاصيل وتعرف كل الآراء، ولكن مع ذلك يحب التنبيه إلى حساسية موقع ووظيفة المتهمة، وإلى دقة السياق، بالإضافة إلى أن أوساط معادية للوحدة الترابية للمملكة لم تتأخر في استغلال القضية والركوب عليها للهجوم على بلادنا والتشنيع بصورتها العامة في فرنسا، وكل هذا يفرض على ديبلوماسيتنا ألا تترك الساحة فارغة، وأن تبادر إلى التوضيح، والقيام بخطوات إدارية وقانونية وإعلامية تنتصر لقيم القانون ودولة المؤسسات.
إن التحديات الكبرى التي يواجهها المغرب في سياسته الخارجية، والأوراش التي يخوضها اليوم على هذا الصعيد، لا تسمح بوجود ديبلوماسيين تنعدم لديهم المسؤولية وثقافة القانون وحقوق الإنسان، ولا يحترمون اعتبارية موقعهم الوظيفي، وليس لديهم أي حرص على صورة بلدهم أو أي وعي بالأفق الديمقراطي والإستراتيجي الذي يقود المسار العام لمغرب اليوم.
ما حدث في أورلي ليس شيئا ثانويا، ولكنه يضع صورة بلادنا كلها في مواجهة قيم بلد ديمقراطي كبير مثل فرنسا، وتقاليده العريقة في الانتصار لكرامة الإنسان، ومن ثم فسلوك طائش كهذا يستطيع أن يمسح إيجابيات ومكاسب سنوات كاملة من الجهد الديبلوماسي والسياسي والإعلامي، ومن هنا تبرز خطورة هذا السلوك الأرعن.
وعلاوة على هذا، فالأمر يتعلق باحتجاز وتعذيب واستعباد وقهر وظلم مورس من طرف المتهمة في حق مواطنة مغربية بسيطة أجبرتها الحاجة والظروف الاجتماعية على العمل في خدمة البيوت، وهذا يعاقب عليه القانون المغربي كذلك، ويمس حقوق مواطنة مغربية من واجب السلطات حمايتها وتطبيق القانون في حق من اعتدى عليها.
نحن المغاربة كذلك لا نقبل بما حدث، ولا نرضى لبلادنا سوى أن تكون دولة قانون ومؤسسات، وأن يجري تطبيق القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
قنصلة أورلي هي نموذج لمسؤولين آخرين، بما في ذلك هنا داخل الوطن، ولأسر ثرية، تقترف مثل هذه الممارسات المتخلفة والإجرامية في حق مستخدمين لديهم، وهم في الغالب من بسطاء الناس، والتعامل اليوم مع قضية خادمة أورلي يجب أن يكون درسا لأمثال هؤلاء، وأن يجسد إصرار بلادنا على تمتين بنيانها القانوني واحترامها لكل التزاماتها الحقوقية، ولحرصها على كرامة مواطناتها ومواطنيها.
ما حدث في أورلي أيضا يجب أن يفتح الأعين على مستوى بعض سفرائنا وقناصلتنا عبر العالم، وعن أسلوب التعيين في المناصب، وأن يعيد للبال حصيلة ما أنجز من طرف وزارة الخارجية بعد التعليمات الملكية الشهيرة.
قضية خادمة أورلي ليست عابرة أو بسيطة إذن، ولكنها يجب أن تفتح عين السلطات المركزية على مستوى أداء عدد من ديبلوماسيينا لوظيفتهم، وذلك من حيث كفاءتهم المهنية والسياسية والتواصلية أو من حيث الخدمات الموجهة لمغاربة العالم، أو أيضا من حيث نزاهتهم وصفاء ذممهم المالية ومصداقيتهم.
في هذه القضية يجب أن تبرز بلادنا منتصرة لكرامة الإنسان وحريصة على تطبيق القانون، وممسكة بسمعتها الديمقراطية والحقوقية وحريصة عليها.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top