محاصيل مهددة بالانقراض على كوكب الأرض بسبب تغير المناخ

من المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى انقراض أكثر من ثلث أنواع النباتات والحيوانات على الأرض بحلول عام 2050، إذا استمرت مسارات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النشاط البشري بالازدياد.

يرتبط غالباً مفهوم “الأنواع المهددة بالانقراض” في أذهاننا بالسلحفاة البحرية الخضراء والدب القطبي، والبطريق لكن الحديث عن خطر الانقراض لا يقتصر فقط على الأنواع الحيوانية، بل يشمل أيضا أنواعا واسعة من النباتات. وسوف يتأثر كثير من المحاصيل بسبب تغير المناخ، منها ما يشكل غذاء رئيسيا لا يمكن الاستغناء عنه، أو مكملات أصبحت جزءاً من أسلوب حياة الأفراد والشعوب.

ومن المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى انقراض أكثر من ثلث أنواع النباتات والحيوانات على الأرض بحلول عام 2050، إذا استمرت مسارات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النشاط البشري بالازدياد، ما يعني خسارة كارثية من شأنها أن تقلل التنوع البيولوجي في الطبيعة، وتؤثر بشكل كبير على النظم البيئية والمجتمعات البشرية في جميع أنحاء العالم.

وربما تختفي القهوة من جلساتنا الصباحية نتيجة تأثر زراعة البن في أمريكا اللاتينية بتغير المناخ، أو تحرمنا ظاهرة الاحتباس الحراري طعم الشوكولاتة اللذيذة، لكن الخطر الأكبر أن يصل هذا التأثير إلى محاصيل حيوية مثل القمح والذرة والأرز وفول الصويا وهي محاصيل تزود البشرية حالياً بنحو 75% من السعرات الحرارية، إما بشكل مباشر وإما من خلال الحيوانات التي تتغذى على هذه المحاصيل ويتغذى الإنسان على لحومها.

وبشكل عام فإن ارتفاع درجة الحرارة سيكون بغاية السوء لبعض المحاصيل، كما يقول وولفارم شلينكر، الأستاذ المساعد في الشؤون العامة والدولية في جامعة كولومبيا، والذي شارك في دراسة تظهر أن إنتاج الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة سيشهد انخفاضا حادا بعد تخطي درجة الحرارة 30 درجة مئوية.

هل نودع قهوتنا الصباحية مع الشوكولاتة؟

تعتبر القهوة المشروب المفضل في العالم وثاني أكثر السلع تداولا بعد النفط، وترتبط إنتاجية البن ارتباطاً وثيقا بالتقلبات المناخية. يعتبر متوسط درجة الحرارة المناسبة للبن العربي هو 18-21 درجة مئوية، وعند درجات حرارة أعلى من ذلك تنمو الثمار بشكل أسرع، ما يؤدي إلى فقدان جودتها. كما يتراجع النمو أيضا في المناطق التي يقل فيها متوسط درجة الحرارة عن 17 إلى 18 درجة مئوية، وقد يؤدي حدوث الصقيع، ولو كان متقطعاً، إلى الحد بشدة من النجاح الاقتصادي للمحصول.

ويتنبأ بعض الدراسات، اعتماداً على النمذجة الدقيقة لتأثير تغير المناخ على البن العربي والذي يعتبر من الأنواع الحساسة لتغير المناخ، أن ينخفض عدد المواقع الملائمة لزراعة هذا المحصول بنسبة 65٪ بحلول عام 2080.

أما الكاكاو والذي يعد أحد أهم المحاصيل في غرب إفريقيا فسيتأثر بشكل كبير أيضاً بتغير المناخ. تزدهر أشجار الكاكاو فقط في ظل ظروف محددة، بما في ذلك درجات الحرارة المنتظمة إلى حد ما، والرطوبة العالية، والأمطار الغزيرة دون رياح، بجانب التربة الغنية بالنيتروجين.

وسوف تصبح حبوب الكاكاو، المكون الخام في الشوكولاتة، أقل وفرة خلال العقود القليلة القادمة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض إمدادات المياه. إذ من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في الدول الإفريقية في غانا وساحل العاج بمقدار درجتين مئويتين على الأقل بحلول عام 2050. وهذا بدوره سيزيد التبخر في أشجار الكاكاو، ما يؤدي إلى فقدان مزيد من الماء وتقليل محصولها.

محاصيل أخرى تحت تهديد تغير المناخ

تعد المكسيك أكبر منتج للأفوكادو في العالم، وهو المكون الرئيسي في السلطة المكسيكية الشهيرة “جواكامولي”. ويعتبر الأفوكادو من المحاصيل الشرهة للمياه، إذ يتطلب 72 جالوناً من الماء لإنتاج ثمرة واحدة، ويعاني مزارعو الأفوكادو في المكسيك من انخفاضات كبيرة في الإنتاج بسبب درجات الحرارة الشديدة والجفاف الذي يؤثر على قوام التربة، كما تعاني مزارع الأفوكادو في كاليفورنيا أيضاً من ظروف مماثلة من موجات الحر والجفاف.

تبدأ أشجار الأفوكادو في الموت عندما تنخفض درجة الحرارة عن (-2) درجة مئوية أو ترتفع فوق 38 درجة. وإذا أصبح الطقس باردا ورطبا خلال فترة الربيع القصيرة عندما تتفتح الأزهار، فلن ينتقل النحل إليها لتلقيحها، ولن تنمو الثمار.

من ناحية أخرى، يتطلب الفول السوداني مناخا مستقرا لينمو، ويمنع شح الأمطار البذور الإنبات، كما أن الحرارة الزائدة تحرق البراعم التي تنتج بذور الفول السوداني. كما يمكن أن يتسبب هطول الأمطار الغزيرة في تعرض الفول السوداني للعفن وأمراض أخرى، ما يجعل المحاصيل غير صالحة للأكل.

يعد الحمص ثاني أهم محصول للبقوليات في العالم، ويزرع على نطاق واسع عبر حوض البحر الأبيض المتوسط ​​وشرق إفريقيا وشبه القارة الهندية والأمريكيتين وأستراليا. يزرع 90% من الحمص في العالم زراعة بعلية لذلك يعتبر الجفاف أحد القيود الرئيسية التي تحد من إنتاجيته، وانخفض الإنتاج العالمي للحمص بنسبة 40-50% بسبب ظواهر الجفاف المرتبطة بتغير المناخ.

كما يؤدي الطقس الحار أكثر من المعتاد إلى تأخير إزهار ثمار الفراولة، ويشير الاتجاه إلى انخفاض دائم في إنتاج الفراولة، فضلاً عن زيادة السعر.

وشهدت البلدان الرائدة في زراعة الموز، مثل الهند وساحل العاج والبرازيل، انخفاضاً في المحاصيل نتيجة تغير المناخ، إذ يزدهر الموز في مناخات دافئة ورطبة تتراوح ما بين 27 إلى 35 درجة. ويؤدي تغير المناخ إلى تسريع مخاطر الإصابة بأمراض المحاصيل التي تنتشر في درجات الحرارة المرتفعة.

إن هذه التهديدات الخطيرة تتطلب من العالم الاستعداد والاستجابة للضغوط المناخية ومحاولة التعافي منها، إلى جانب البحث عن موارد غذائية جديدة، والابتكار في أساليب الزراعة بما يتكيف مع تغير المناخ.

لنفكر أيضا بزراعة الفضاء!

قد تبدو فكرة إنشاء مزارع خارج كوكبنا بعيدا عن تأثيرات التغير المناخي لدعم الأمن الغذائي لسكان الأرض فكرة خيالية بكل تأكيد، خصوصاً وأن مشكلة الزراعة على ظهر الكواكب الأخرى تكمن في طبيعة “التربة” هناك، والتي عادةً تكون صخرية أو بركانية فقيرة بالمغذيات، كما يحتوي بعضها على أملاح سامة للبشر كما في المريخ.

وتسعى وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) للوصول لتقنيات زراعية في هذه الأوساط الصعبة، والمكان الوحيد المتاح حاليّاً لإجراء هذه التجارب خارج الأرض هو مختبرات محطة الفضاء الدولية.

وباتت بالفعل المزارع الفضائية حقيقة، وأصبح بعض أنواع الخضروات الطازجة في متناول فريق المحطة الفضائية الدولية، في مسعى تعويضهم عن الطعام المجفف القادم من الأرض الذي يفقد كثيراً من ميزاته وفوائده مع شهور التخزين الطويلة.

لكن زراعة النباتات في الفضاء تواجه تحديات كبيرة جدا تتمثل بالدرجة الأولى في انخفاض أو انعدام الجاذبية والضوء. كما أن توفير الضوء صناعياً في الفضاء يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة، لذلك يجرى تطوير مصابيح خاصة لتوفير الإضاءة للنباتات دون استخدام كثير من الكهرباء.

وبجانب ذلك، يعمل الباحثون على تطوير حاويات زراعية تشغل مساحة أقل، ويمكنها استيعاب مجموعة متنوعة من الخضروات والنباتات المختلفة في وقت واحد، أول هذه الحاويات هو صندوق متنقل لزراعة النباتات، يسمى (Veggie)، جرى إرساله إلى محطة الفضاء الدولية في عام 2014.

وتبلغ مساحة حديقة الخضروات هذه حجم حقيبة الأمتعة المحمولة وعادةً تحتوي على ستة أنواع من النباتات، ينمو كل نبات في كيس يشبه الوسادة مملوءاً بوسائط النمو والأسمدة، وتساعد هذه الوسائد في توزيع الماء والمغذيات والهواء بشكل متوازن وصحي حول الجذور.

في البداية، زرع رواد الفضاء الخس وفشلوا عدة مرات، ولكنهم في النهاية حصلوا على أول محصول من الخس المزروع في الفضاء عام 2015. ونجح نظام(Veggie) الآن في زراعة ثلاثة أنواع من الخس، إضافة إلى الملفوف الصيني واللفت الأحمر الروسي وخردل ميزونا الياباني وبعض الزهور في الفضاء.

ولدى محطة الفضاء الدولية أيضا نظام أكثر تطوراً لنمو النباتات يسمى “الموئل النباتي المتقدم” (Advanced Plant Habitat) وهو نظام آلي مغلق مزود باتصال تفاعلي يجرى التحكم به من الأرض. ونجح رواد الفضاء في استخدام هذا الموئل النباتي لزراعة الفلفل الحار، إذ حصدوا الفلفل وأكلوا قليلاً منه قبل أن يرسلوا الباقي إلى الأرض لتحليله.

من المؤكد أن هذه الخطوات الأولى في زراعة الفضاء سيتبعها خطوات أخرى أكثر تسارعا، وقد ينجح الإنسان قريبا في إنشاء مستعمرات زراعية خارج حدود الغلاف الجوي، في محطات عائمة في الفضاء أو حتى على سطح الكواكب. وقد تكون هذه المحاصيل “الفضائية” أحد الحلول في مواجهة الظروف المناخية القاسية التي تتصاعد آثارها يوماً بعد يوم وتهدد بفقدان الزراعة على سطح الأرض.

Related posts

Top