محمد الثقال المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة لجريدة بيان اليوم

> حاوره: الحسين الشعبي

تستضيف مدينة تطوان في الفترة ما بين 9 و16 دجنبر الجاري الدورة الثامنة عشرة لعيد الكتاب.. التي تنظمها المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بتعاون مع الفرع الإقليمي لاتحاد كتاب المغرب بتطوان. ولتقريب هذا الحدث للقراء، أجرت بيان اليوم حوارا سريعا مع الأستاذ محمد الثقال المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة.. وهو واحد من الأطر المقتدرة والبارزة لوزارة الثقافة بحيث يحظى باحترام وتقدير كبيرين في الوسط الثقافي اعتبارا لما راكمه من خبرة واسعة في التسيير الإداري عبر تقلده لمهام عدة، كان آخرها تقلده بنجاح لمنصب المدير الجهوي لوزارة الثقافة بجهة مكناس تافيلالت، قبل أن يحط الرحال سنة 2012 بتطوان، حيث ساهم منذ ذلك الوقت في تنفيذ العديد من المشاريع المهمة، وتطوير بعض التظاهرات التي بدأت تحظى بصيت وطني ودولي، كالمهرجان الدولي للعود بتطوان وملتقى الأندلسيات بشفشاون، لالإضافة إلى احتضان مدينة وإقليم تطوان للدورة السابعة عشرة للمهرجان الوطني للمسرح التي شهدت نجاحا منقطع النظير… وفيما يلي نص الحوار:

> على امتداد 18 دورة، دأبت تظاهرة عيد الكتاب على الوفاء لنهجها الثقافي والحواري، لذا نجد برنامج الدورة الجديدة، التي تنظم في الفترة ما بين 9 و16 دجنبر الجاري، زاخرا بالندوات واللقاءات الفكرية والجلسات الأدبية للاحتفاء بالكتب والكتاب.. هلا حدثتمونا عن جديد هذه الدورة وما الذي تتميز به عن سابقاتها..
< أولا، اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر الجزيل لجريدتكم الغراء “بيان اليوم” التي طالما دعمت الحياة الفنية والثقافية ببلادنا وساهمت في تحقيق حركيتها المنشودة. أما بخصوص جديد دورة هذه السنة من “عيد الكتاب”، فإنها تأتي في سياق دينامية تسترعي الانتباه، سواء من حيث كم الإصدارات الجديدة بجهة الشمال، أو من حيث جودة معظم هذه الأعمال التي توج بعضها بجوائز عربية ووطنية مرموقة. وحتى نستأنس بالأرقام، ففي تطوان لوحدها صدر ما يفوق ثلاثين 30 كتابا نشرت فقط خلال الأشهر القليلة الماضية، منها 12 عنوانا في السرديات؛ و5 مسرحيات؛ و10 كتب في النقد والتاريخ، و7 دواوين شعرية، بالإضافة إلى مونوغرافيا أنيقة في الفنون التشكيلية صدرت بدعم من وزارة الثقافة.. وغالبية هذه الإصدارات سيتم توقيعها وتقديمها لأول مرة خلال هذا العيد بحضور مؤلفيها.
ولاستجلاء أسباب هذه الحركية، فلا مناص من استحضار مبادرة وزارة الثقافة الجديدة الخاصة بدعم مشاريع النشر والكتاب التي ولا شك لعبت دورا حاسما في هذه الوفرة؛ طبعا دون أن أغفل دور بعض الناشرين المحليين الذين يعملون في صمت ولم يسبق لهم الاستفادة من دعم الوزارة، ومع ذلك فهم يساهمون بحماس في هذه الحركية، مثل منشورات باب الحكمة وإصدارات مكتبة أم سلمى ومنشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، وإصدارات جمعية تطاون أسمير وغيرها..؛ وفي أحيان كثيرة هناك مبادرات ذاتية للكتاب أنفسهم لنشر وتوزيع أعمالهم.
هكذا، ستقدم دورة هذه السنة ثلاثين كاتبا معظمهم من تطوان، والجميل أنهم ينتمون إلى أجيال مختلفة (شبابا، مخضرمين وروادا) وهذا مؤشر إيجابي على وجود صيرورة، بالإضافة إلى استضافة خمسين ناقدا ومبدعا سيعملون على تقديم هذه المؤلفات، مع الانفتاح على جانب القراءات الأدبية، حيث سيعمل الشعراء والروائيون والمسرحيون على قراءة مقاطع من أعمالهم أمام الجمهور الحاضر؛ وهذا في نظري مهم جدا، لأن المبتغى في النهاية هو أن تصل هذه الأعمال إلى الجمهور الحاضر استشرافا لتشجيعه على اقتنائها واستهلاكها.
واعتبارا لكون الساحة الأدبية بتطوان فقدت مؤخرا واحدا من رموزها وصناعها، فقد خصصت دورة هذه السنة للاحتفاء بالراحل الدكتور محمد الميعادي، وهو عضو اتحاد كتاب المغرب، وأحد الذين ساهموا في السنوات الأخيرة في تنظيم هذا العيد وتطوير فقراته وبرامجه، تغمده الله بواسع رحمته. هذا طبعا مع الحفاظ على مكتسبات عيد الكتاب السابقة، خصوصا فيما يتعلق باستضافة عروض مسرحية للأطفال والكبار، ستقدم بكل من مسرح للا عائشة بالمضيق والمركز الثقافي بتطوان، وتنظيم ندوة افتتاحية بحضور وطني وازن حول موضوعة هذه الدورة “الكتاب وآفاق التلقي”، وزيارة معارض تشكيلية بعين المكان؛ وأقصد فضاء التظاهرة الجميل بمدرسة الفنون والصنائع بباب العقلة، وهي للتذكير معارض فنية أنجزها فنانون تطوانيون ضمن برنامج وزارة الثقافة لدعم قطاع الفنون التشكيلية لسنة 2015.

> لا شك أن هذا الحدث، كما يتبين من كلامكم، يشكل مناسبة للتواصل بين مختلف المتدخلين في صناعة الكتاب والمستهلكين والقراء.. هل لعبت تظاهرة عيد الكتاب بتطوان دورا ما في تقريب الكتاب من جمهور القراء على امتداد عمرها الزمني..
< لعل أهم ما يميز “عيد الكتاب” بتطوان وكذا معظم التظاهرات الخاصة بالكتابة والإبداع الأدبي كالندوات والتوقيعات التي تقام على مدار العام بتطوان، هو المواكبة الجماهيرية المكثفة. فما يثير انتباه الزائرين هو هذا الإقبال الجماهيري على كل الندوات والتوقيعات ربما بشكل ينذر تحققه في مدن أخرى قد يشتكي الأدباء والمنظمون فيها من قلة زوار المعارض والندوات. وقد يكون هذا راجعا لعدة عوامل منها ما هو ذاتي ويتعلق بعراقة هذه المدينة التي كانت سباقة إلى تنظيم أول تظاهرة للكتاب ببلادنا؛ مثلما قد يتعلق أيضا بعوامل موضوعية كوجود كليات نشيطة، ودعم متواصل من المديرية الجهوية للثقافة بحسب الإمكانيات المتاحة خاصة في مجال البنيات الملائمة لاحتضان برنامج سنوي متصل للندوات والتوقيعات، وأيضا لما لعبه “عيد الكتاب” على امتداد عقدين من الزمن من دور مهم في التحسيس بقيمة القراءة العمومية وتقريب الكتاب من قرائه. يكفي أن تعرف بأن بعض الكتب نفذت طبعتها الأولى ثم الثانية في أقل من سنتين وأستحضر هنا رواية “باريو مالقا” مثلا لمحمد أنقار. هذا هو السبب الذي من أجله سننظم خلال دورة هذا العام ندوة خاصة بذاكرة هذا العيد للوقوف عند أهم إشراقاته.
ولكن مع ذلك، فإن كل هذا لا يمنعنا من الإقرار بأنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به، بشراكة مع المنتخبين بالدرجة الأولى وأيضا مع اتحاد كتاب المغرب والجمعيات النشيطة في هذا المجال مثل جمعية تطاون أسمير.

> من المعروف أن تسمية التظاهرة “عيد الكتاب” ترسخت في أذهان التطوانيين قبل أن تبادر وزارة الثقافة لعقد معارض جهوية للكتاب.. بل حققت إشعاعا وطنيا ملحوظا، ومن ثمة فإن فقرات المعرض ما هي إلا جزء من النشاط العام للتظاهرة، إلى جانب أنشطة أخرى تتوزع بين الملتقيات الفكرية وجلسات لتقديم وقراءات كتب وفرجات فنية.. ألم يحن الوقت مع هذا السبق التاريخي والتراكم المحقق أن تتحول التظاهرة من بعدها الجهوي إلى امتدادات وطنية دون التفريط في الطابع الثقافي المحلي..
< ينبغي التذكير بأن عيد الكتاب تظاهرة ثقافية رائدة بشمال المغرب،  ولها بعد رمزي وتاريخي هام، إذ يرجع إحياؤها إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث أصدرت السلطات في شمال المغرب ظهيرا  خليفيا، مؤرخا بتاريخ 24 فبراير 1940م، يتم بموجبه إحداث “يوم الكتاب العربي”. ومنذ 1998 أصبح “عيد الكتاب” ينظم ضمن برنامج وزارة الثقافة للمعارض الجهوية للكتاب؛ وهذا يشكل إضافة نوعية لهذه التظاهرة. كما أن هذه المعارض تقام بمختلف الجهات ولا تقتصر فقط على أروقة لعرض آخر الإصدارات، بقدر ما تتضمن برنامجا للقراءة وتوقيع الإصدارات الجديدة مع إعطاء الأولوية للكاتب المحلي، وذلك تنفيذا لسياسة القرب الثقافي التي هي إحدى أولويات المرتكزات الخمس لوزارة الثقافة. لذلك، فإن هذا كله إنما يشكل دفعة قوية لتظاهرة عيد الكتاب التي تعد أول تظاهرة جهوية للكتاب ببلادنا، في أفق تحويلها مستقبلا إلى تظاهرة وطنية وعربية، ولم لا متوسطية كبرى على غرار صالونات الكتاب الدولية الشهيرة بفرنسا وإسبانيا والبرتغال… ولكن ذلك يظل رهينا بأن تنوجد مثل هذه الرغبة لدى شركائنا في التنظيم، وخاصة اتحاد كتاب المغرب – فرع تطوان، والجماعة الحضرية للمدينة.. حتى تتكامل الجهود لإيجاد مدعمين خواص يوفرون اعتمادات مالية إضافية لما توفره وزارة الثقافة، ومما سيسهم بلا شك في تحقيق هذا الطموح الذي هو ليس ببعيد. ولعل أول خطوة إيجابية في هذا الاتجاه هو خلق مؤسسة لعيد الكتاب من كافة الشركاء كما من فعاليات المدينة البارزة والنشيطة، بحيث تتوافق على صياغة برنامج للعمل على مدار السنة يتكامل مع أهداف وزارة الثقافة لتطوير الصناعات الثقافية والإبداعية الوطنية، ويكون عيد الكتاب بمثابة تتويج لهذا البرنامج وتعزيز لهذه الجهود المتواصلة الرامية لإرساء صناعة ثقافية إبداعية متينة في مجال النشر والقراءة.

> إلى أي حد يمكن الحديث اليوم عن صناعات ثقافية تؤثر في المجال الاقتصادي في علاقته بالتنمية، وهل يمكن للكتاب ودور النشر الانخراط في هذا البعد التنموي؟
< تحتل الصناعات الثقافية بمفهومها الواسع اليوم مرتبة متقدمة في التجارة الدولية، ولابد من التنويه إلى أن مفهوم الصناعات الثقافية الذي يشير إلى السلع والخدمات ذات القيمة الثقافية والإعلامية، ما يزال غير واضح المعالم في المجال الثقافي العربي، مثلما يحتاج إلى المزيد من التأصيل العلمي.
وبالنسبة للمغرب الذي يحتل اليوم موقعا متقدما على المستوى العربي، فإن مشروع دعم الصناعات الثقافية ورغم أنه لا يزال حديث الولادة، إلا أن نتائجه الأولية قد بدأت في التحقق عمليا على جميع الأصعدة، خاصة على مستوى الكم الملحوظ للإنتاجات المسرحية والأدبية والفنية التي أضحت تنشط المراكز الثقافية بكل ربوع المملكة. وعندما أقول بأن هذا المشروع حديث العهد، فأنا لا أقصد بذلك سياسة الدعم القديمة التي أقرتها حكومة التناوب والتي خصصت في معظمها للمسرح فقط، وإنما أصبح الأمر يتعلق مع هذه الحكومة بمشروع أشمل هو دعم الصناعات الثقافية والإبداعية الوطنية الذي رصد له السيد وزير الثقافة الدكتور محمد أمين الصبيحي اعتمادات غير مسبوقة، كما شمل رعاية كل القطاعات بلا استثناء: (المسرح، الفنون التشكيلية والبصرية، النشر والكتاب، الفنون الموسيقية والرقص،.. بالإضافة إلى دعم خاص للجمعيات الثقافية، وآخر للمهرجانات والإقامات الفنية، وهذه السنة ستشهد تخصيص برنامج جديد للدعم الاجتماعي للفنانين). كما أنه ولأول مرة، تعرف بلادنا هذا العدد الكبير والنشيط من المراكز الثقافية الوطنية التي أضحت تشتغل وفق برمجة شهرية تشمل العروض الموسيقية والمسرحية والمعارض الفنية والتوقيعات.. حيث صار المنتوج الفني والثقافي المغربي في متناول كل فئات المواطنين. وفي اعتقادي فإن هذا هو بداية الطريق الصحيح لربط المنتوج الثقافي بالتنمية الاقتصادية، عبر خلق فرص شغل متزايدة أمام خريجي المعاهد والمبدعين الجدد والفنانين والأدباء والمهنيين، الذين تجاوزوا مع الوزارة الحالية مرحلة اليأس والتذمر والبكائيات إلى مرحلة جديدة تزداد فرص العمل فيها بشكل ملحوظ.
أما على مستوى الكتاب، فإن آليات دعمه بشكل حقيقي، وعلى عكس المسرح مثلا، لم تنطلق بشكل فعلي سوى في السنة الماضية، حينما خصصت وزارة الثقافة مبلغ عشرة ملايين درهما لدعم النشر والإقامات الفنية للكتاب والمجلات الثقافية وتحديث وخلق المكتبات. وكانت النتيجة المباشرة أن تضاعف عدد الإصدارات السنوية ببلادنا وتنوعت العناوين وظهر جيل جديد من الكتاب في مختلف المجالات؛ فلقد دعمت وزارة الثقافة نشر أكثر من 300 كتاب وحوالي 50 مجلة ثقافية فقط خلال سنة 2015. ما جنب دور النشر أية خسائر قد تتعرض لها، خصوصا وأن هذه الأخيرة استفادت أيضا من دعم المشاركة في المعارض الدولية التي تلعب دورا مهما في الترويج للكتاب الوطني بالعالم العربي خاصة أمام انعدام سياسة عربية موحدة للتوزيع تمكن الكتاب المغربي من الوصول إلى المشرق، خصوصا وأنه أصبح مطلوبا جدا لدى القارئ المشرقي الذي يلمس فيه الجدة والانفتاح والموضوعية العلمية والتميز. ولو استمر الأمر على ما هو عليه مع سياسة المراجعة والتقويم التي تنهجها الوزارة بشراكة مع كل الفاعلين في المجال الفني والثقافي، فإنه بالتأكيد سنكون على موعد مع تحولات عميقة في المشهد الثقافي ببلادنا ستستجيب لا محالة للتطلعات التنويرية والتنموية التي هي المدخل الأساس لعالم الحداثة.

> هل تتوفرون على شركاء حقيقيين يؤمنون بدور الثقافة والكتاب في المجتمع، سواء من القطاع الخاص أو العام، ويوفرون دعما لائقا بتظاهرة “عيد الكتاب”؟..
< باستثناء الجماعة الحضرية للمدينة التي توفر مشكورة الإقامة للضيوف المشاركين من خارج الجهة، وولاية تطوان التي أستغل هذه الفرصة لأتقدم بالشكر الجزيل للسيد والي صاحب الجلالة على ولاية تطوان الذي لا يدخر جهدا لتوفير كل الظروف اللازمة لإنجاح عيد الكتاب بساحة باب العقلة، بل والإشراف بنفسه على افتتاحه في كل سنة، وطبعا الفرع الإقليمي لاتحاد كتاب المغرب الذي يسهر معنا على انتقاء المحاور والضيوف، فإن ميزانية عيد الكتاب بالكامل توفرها وزارة الثقافة برغم الإمكانيات المادية المحدودة، في غياب أي شريك من القطاع الخاص. متطلعين  إلى مزيد من الدعم من لدن السلطات العمومية  وانخراط  القطاع الخاص لتجاوز الإكراهات التي تواجه تظاهرة عيد الكتاب ومثيلاتها..

Related posts

Top