محمد الصبار: نحن مهتمون بمواكبة عملية إعادة الإدماج عبر الإبداع كرافعة وقناة مستمرتين

يسعدني جدا أن أحضر مرة أخرى، باسم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، افتتاح فعاليات الجامعة الخريفية في هذه المدينة، على مدى يومين، والتي اخترتم لها موضوع «تقوية القدرات الإبداعية للسجناء: رافعة للإدماج»، وهي عملية تدخل في صميم عمل المندوبية وتشكل أحد مجالات الاهتمامات الأساسية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إطار حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وغاية من غايات المؤسسة السجنية، التي لا تنحصر فقط في الحرمان من الحرية كعقوبة، ولكنها أساسا مساهمة في مسلسل إعادة الإدماج للفئات المستهدفة بكل الطرق ومنها تشجيع ودعم الإبداع، وبالضبط عبر العمل الإبداعي، إبداع واسع ومتنوع يشمل كافة أشكال ومظاهر الإبداع بمختلف تجلياته وحمولاته، والتي تعكسها محاور برنامج الجامعة الخريفية التي نحضر افتتاحها، وغايتها المساهمة في إعادة الإدماج عبر وبواسطة أشكال إبداعية متعددة، وبالتالي صناعة رافعة هذا الإدماج وتسهيل تحقيق غاياته، والمساهمة في تحقيق تراكم كمي ونوعي قد يرقى في القريب إلى مستوى الممارسات الفضلى، كما وردت في تقرير اجتماع فريق الخبراء المعني بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، المنعقد في فيينا، خلال يناير – فبراير من سنة 2012، والذي تم تكليفه من لدن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتنقيح قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء القائمة لتـضمينها آخـر مـا تم التوصّـل إليـه في مجـال علـم الإصـلاح.
حضرات السيدات والسادة
إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي أصدر تقريرين موضوعاتيين حول السجون وتقارير دورية عن زياراته العديدة والمتعددة إلى مختلف المؤسسات السجنية عبر التراب الوطني، لم يتردد في مواكبة تنظيم المندوبية العامة للسجون للجامعة التي أصبحت تقليدا راسخا حيث بلغت نسختها الخامسة خريفا، علاوة على نسختيها الربيعية والصيفية، مما يتيح فضاء منتظما، عبر امتداد فصول السنة للتلاقي والتداول في أوضاع وقضايا السجن ووظائفه الإدماجية، وليس العقابية فقط، بمشاركة عدة مشاركين من آفاق متنوعة وبمساهمات وازنة للسجناء.
كما يتابع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من منطلق اختصاصاته التي تعززت في قانونه الجديد الذي خوله احتضان آلية الوقاية من التعذيب، ومن خلال برامج عمله، يتابع عن قرب الجهود الملموسة التي تبذلها الإدارة الحالية للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في إطار التعاون المستمر بين مؤسستينا. ومن هذا المنطلق فنحن مهتمون بمواكبة عملية إعادة الإدماج عبر الإبداع كرافعة وقناة مستمرتين. إبداعات تحتاج هي ومبدعوها دعما لجعلها تتجاوز الأسوار وتحلق بعيدا في فضاءات للتواصل مع الجمهور الواسع، العادي والمتخصص في الميدان، بشراكة مع كافة المعنيين، مستندين في ذلك على التفاعل الإيجابي لإدارة السجون المُقتنعة بحتمية الإدماج والمُدركة لجسامة تحدياته الكثيرة.
ولعل لقاء اليوم يشكل فرصة لتبــادل المعلومــات عــن الممارســات الفــضلى وعن التشريعات الوطنية والقانون الدولي الساري، وعن قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء القائمة لتـضمينها آخـر مـا تم التوصّـل إليـه في مجـال علـم الإصـلاح والممارسـات الفضلى، ومنها موضوع هذه الجامعة الخريفية. صحيح أن المسار طويل وتحفٌه صعوبات وتحديات، ففي كثير مـن البلـدان، شـكِّل اكتظـاظ الـسجون تحـدّيا بـالغ الأهميـة أمـام إعادة تأهيل السجناء على النحو المناسب وأمام تنفيذ القواعد النموذجية الدنيا.
فالقاعدة 66 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء تنص بوضوح على استخدام جميع الوسائل المناسبة للتنمية الشخصية للسجين، مع مراعاة قدراته ومواهبه الجسدية والذهنية وهي أساسية لتنمية المؤهلات الإبداعية موضوع لقاء اليوم، وهذه المؤهلات ينبغي أن تكون موثقة في السجل الخاص بكل سجين ضمن معطياته الشخصية لدى الإدارة، لتكون أحد عناصر خارطة الطريق المفيدة في برنامج إعادة الإدماج ومقاصده.
وبهذه المناسبة أقترح على السيد المندوب العام التفكير في إدراج تشجيع الإبداع وتقوية القدرات الإبداعية للسجناء كرافعة للإدماج ضمن المشاريع الكبرى المفتوحة من لدن المندوبية العامة، وعلى نفس درجة الأهمية مع «الرفع من الطاقة الاستيعابية» و»تأهيل البنية التحتية للسجون»، و»مواصلة تحسين التغذية ومحاربة الإدمان على المخدرات والأمراض المعدية بالوسط السجني» ورهان مراجعة القانون 98-23، المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، ومواصلة الترافع لدى كافة الجهات المعنية لتطبيق الفقرة الأولى من القاعدة النموذجية 81 المتعلقة بمساعدة ذوي الطاقات الفنية الخارجين من السجن على العودة إلى احتلال مكانهم في المجتمع. وختاما أتمنى كامل التوفيق والنجاح لفعاليات هذا اللقاء الإبداعي والحقوقي في ذات الآن.

Related posts

Top