محمد كلاوي: تراكم نقد الأفلام يبني تاريخ السينما

نظمت الجمعية المغربية لنقاد السينما “إقامة نقدية” بمدينة مراكش لمدة يومين ليشرح فيها كل ناقد كيف يكتب؟
وبهدف التقاسم العملي للتجارب، وبغرض تجنّب التنظير الفضفاض، أحضر كل متدخل من النقاد نصاً سبق أن كتبه ووزع نسخاً منه على الحضور، وانبرى يشرح منهجه في الكتابة.
كان من ضمن المتحدثين محمد كلاوي، وهو قيدوم النقاد السينمائيين المغاربة المنتجين كتابياً لا شفوياً. ولد في عام 1952، حاصل على دكتوراة في العلوم السياسية. يكتب بالفرنسية ونشر كتاب “النقد المتعدد” عام 2002. كما نشر مقالات عديدة.
واكب كلاوي تكوين الأندية السينمائية في بداية السبعينيات من القرن الماضي وكتب عن الأفلام المؤسسة للسينما المغربية. هو ناقد متشبع بمرجعية ثقافية عميقة يتوفر نصه على زخم معرفي ووضوح أسلوبي. نصه دقيق وواضح مشبع بالمفاهيم الفنية الروائية والبصرية.
وهذا النص هو تسجيل لنقاط مداخلته ثم جلسة بعدية لإطلاعه على النص المحرر لإضافة توضيحات وتعليقات.
في بداية مداخلته، لاحظ كلاوي أن الناقد السينمائي ليس صحافياً بالضبط، وسجل أنه ليس لدى الناقد المغربي أي وضع محدد، وشرعيته ليست محددة من طرف جهة ما، بل هو من يصنعها بقلمه. وأكد أن الناقد المغربي قد ساهم بإحداث قفزة نوعية في النقد السينمائي العربي. وقد سمحت المرحلة الاستعمارية واستمرار التواصل الثقافي مع فرنسا لهذا الناقد بالاطلاع المبكر على الأدبيات السينمائية الفرنسية. كما استفاد الناقد المغربي من تصوير مخرجين عالميين لأعمالهم في المغرب؛ فمثلاً صوّر أورسن ويلز (عطيل) في 1952، وديفيد لين صوّر (لورنس العرب) في 1962.
بعد ذلك، والتزاماً بأرضية الإقامة النقدية تناول كلاوي نصاً كتبه يستعرض فيه النقلة التي عرفتها السينما المغربية في تسعينيات القرن الماضي، وهو نصّ ينصب على مرحلة، وليس على فيلم واحد.
وفسر كلاوي اختياره:
كانت تلك مرحلة مهمة من لم يعشها لن يحكم على تطور السينما المغربية. كان هناك سؤال محدد مطروح حينها: هل نريد سينما فنية ثقافية أم سينما تسترضي الجمهور؟
كان النقاد المغاربة يقضون عاما كاملا يتناقشون حول فيلمين أو ثلاثة قبل أن تشرّع الدولة المغربية سياسة تمويلية واضحة للأفلام، والنتيجة أنه بدل ثلاثة أفلام في السنة صار النقاد أمام عشرة ثم عشرين فيلما، ومن هنا نهض سؤال جديد: هل سنستمر في تصوير أفلام تظل حبيسة الرفوف؟
أجاب: لا. لذا هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الأقلام النقدية.
أمام هذا الكم الفيلمي سجل كلاوي قلة النصوص النقدية لأن قراءة الأفلام صعبة. وتفسيره هو: تميزت المرحلة الأولى للنقد السينمائي المغربي بمساهمات شفوية أكثر من المستوى الكتابي لأن الناقد تدرب وعمل طويلا في النوادي السينمائية. كان السينيفيلي يناقش لساعات ولا يكتب.
بعد تشخيص سياق تطور الممارسة النقدية في المغرب تساءل كلاوي: ما الذي يحفزني كناقد؟
أجاب قائلاً:

1 ـ يحفزني سحر التفكير في الصورة. في كل فيلم سحر magie، ابحث عن سحر الفيلم ابحث عن مخرج يضيف، لديه ترافلينغ (صيرورة) إبداعي، لديه أداء… بالنسبة لي المخرج هو الذي يعرف كيف يحكي بالصورة ويستطيع أن يغير طريقته في الحكي مع مرور الزمن.

2 ـ يحفزّني أن أجد في الفيلم ما يثيرني، حتى لو كان الفيلم شهيرا قد لا يثيرني. وقدم مثالاً لفيلم مثير هو (المخدوعون)، 1972، لتوفيق صالح. وقد كانت فكرة الانعتاق “الفردي” من جحيم واقع سياسي واجتماعي مرير، عن طريق الهجرة السرية خارج حدود الوطن، هي أساس البناء السردي في هذا الفيلم والذي لا يزال يتصدر إلى اليوم، وعن جدارة، أحد أهم الإنتاجات في لائحة الأفلام العربية والعالمية. فهذا الفيلم المستقى من رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس”، يعرض محنة ثلاثة فلسطينيين (أبو قيس وأسعد ومروان)، يمثلون مختلف الأجيال، حكم عليهم التشرد الناجم عن النكبة بالهجرة إلى الكويت، عبر فيافي الصحراء القاحلة، بحثا
عن المال والاستقرار. وقد أفلح المخرج سينمائيا في إبراز العلاقة المتوازية بين واقع فضاء الصحراء “العاري” والحقيقة “العارية” لشباب أعادته لفحات الشمس الحارقة إلى نفي ذاته من قيم التضحية والوفاء، ودفعتنا كمشاهدين للتساؤل عن مغزى النضال ما دام المال والثروة اللذان ترمز إليهما الكويت، حيث تفجر الذهب الأسود، يتقدمان لديه كل المبادئ والأخلاق.

3 ـ يكتب الناقد ليس لكسب المال بل لخلق معنى. والنقد السينمائي ليس ريبورتاجا صحافيا بل هو حفر في عمق الفيلم. أضاف كلاوي: في منهجي في الكتابة ألتقط الفكرة وأحتاج وقتا لبلورتها. أحفر في فكرة الفيلم قبل تحريرها. يحتاج شهرا ليكتب مقالا. وشبّه كتابته بالطبخ. مع الزمن يصير من الصعب الكتابة عن فيلم. ولاحظ أن النقد صار أكثر تخصصاً، واعترف أنه مع الزمن تصير الكتابة أصعب. وقد حيا جرأة الشباب وشجاعتهم في الكتابة. واستغرب من أن من هؤلاء الشباب من يكتب في الظلام أثناء المشاهدة وبالتالي يتم إنجاز المقال بالتزامن مع عرض الفيلم.

4 ـ قال: تحفزني أفلام محددة ولست مرتبطاً بقضايا عامة (مثل المرأة في السينما والخبز في السينما والنضال في السينما). تحفزني صلة بطل الفيلم بسياق اجتماعي محدد، أشار إلى فيلم (صالون الموسيقى)، 1981، لساتياجيت راي وفيه يتدهور وضع فيودالي ووضع مجتمع بكامله. يضيف كلاوي: تهمني سيناريوهات تتناول اللحظة التاريخية، الخطير الآن هو أن التيار الظلامي اكتسح العالم العربي في هذه اللحظة، وهذا ما جعل تأثير الإبداع صعباً في مجتمعات غير مستقرة.
5 ـ في حديثه عن النقد المغربي ذكر مصطفى المسناوي، وأضاف أن المسناوي ناقد قومي عروبي قريب في كتاباته من النقد المصري، ووصف كلاوي نفسه بأنه نقيض هذا وأنه لا يستسيغ النقد السينمائي المصري الذي يكثر من سرد أحداث الفيلم وتفسير سيكولوجية الشخصيات للقارئ.
سألت كلاوي عن بديل السيكولوجيا والسوسيولوجيا فأجاب: أركز أساسا على بلاغة الصورة في كتاباتي النقدية، بمعنى أن المهم بالدرجة الأولى هو كيفية إيصال المعنى من طرف المخرج من خلال توظيفه لتقنيات السينما: التأطير، موقع الكاميرا، إدارة الممثل، توظيف مؤثر
للمونتاج، الموسيقى… طلبت من كلاوي مثالاً ينطبق عليه شرطه فذكر ستانلي كوبريك وحلل عدة مشاهد طويلاً.
6 ـ ختاماً سجل أن المشهد السينمائي حيوي. فالمغرب ينتج أكثر من عشرين فيلما طويلا وأكثر من خمسين فيلما قصيرا سنويا. لكن من زاوية النقد السينمائي التي تهمه لاحظ كم من مهرجان يمر ولا يكتب مقال واحد عن الأفلام التي عرضت فيه. وفي أفضل حال يتم نشر بلاغ النتائج وبلاغ أعضاء التحكيم. ونادرا ما تتوفر تغطية للندوات وتحليلات نقدية للأفلام، وهذا ضروري لنشر الثقافة السينمائية وتمكين الفنانين من فيدباك (تغذية راجعة) تساعدهم على تطوير إبداعهم.
لتحقيق هذا المطلب على الناقد تقدير ظروف القارئ ومتطلباته. في مرحلة ما كان خبر صدور فيلم حدثا مهما، وكان الناقد يساهم في الحدث. الآن صار المخرج يعلن عن فيلمه بنفسه على الفيسبوك، لذلك تحددت مهمة الناقد في التحليل لا في الإخبار، وهدف التحليل هو كشف المسكوت عنه والوقوف على الأساليب الفنية المستخدمة في الأفلام. وهكذا فإن تراكم نقد الأفلام يبني تاريخ السينما.

> محمد بنعزيز

Related posts

Top