مدخل إلى جريمة الاتجار في البشر بين النص والممارسة

تعتبر جريمة الاتجار بالبشر، من أخطر الجرائم التي تواجه الإنسان وتشكل انتهاكا صارخا لحقوقه، ومسا بكرامته وجريمة الاتجار بالبشر، تعتبر الإنسان بمثابة سلعة خاضعة للاستغلال والبيع، وقد تتخذ صور جرائم عابرة للحدود أو أفعال إجرامية داخل إقليم الدولة، وهي ليست مشكلة فردية تهم دولة واحدة بل تهم المجتمع الدولي برمته.
ورد تعريف جريمة الاتجار بالبشر في مجموعة من الاتفاقيات الدولية، والتي أجمعت “على أن استغلال النساء والأطفال أو محاولة استغلال الأشخاص من أجل الدعارة أو غيرها تدخل ضمن مفهوم الاتجار بالبشر”. ومن ضمنها:
1- اتفاقية الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير (الصادرة في 2 دجنبر 1949)
2- الاتفاقية التكميلية لإلغاء الرق والاتجار بالرقيق والأنظمة والممارسات المشابهة 1956.
3- اتفاقية منع التمييز ضد المرأة 1979 الصادرة عن الأمم المتحدة.
4- اتفاقية حقوق الطفل 1989،بالإضافة إلى الاتفاقية المتعلقة ببيع الأطفال ودعارتهم والصور الخليعة لسنة 2000.
كما أن منظمة الانتربول أعطت مفهوما للاتجار بالبشر،وعرفته بأنه شكل من أشكال الجريمة المنظمة الدولية والتي تدر مليارات الدولارات وتمثل الاسترقاق في العصر الحديث.

المشرع المغربي

اعتبارا لكون المغرب أصبح بلد عبور واستقرار للمهاجرين، ولتنامي ظاهرة الشبكات الإجرامية المنظمة والعابرة للحدود، والتي تستهدف الفئات الهشة النساء والأطفال والمهاجرين، والمهاجرات غير الشرعيين، سواء الهجرة إلى أوروبا، أو الهجرة الداخلية
كان من الضروري تعزيز الترسانة القانونية، وحماية الأمن العام، وأمام دستور2011 واستجابة للاتفاقيات الدولية، أصبح لازما ملائمة القوانين خاصة بعد رصد العديد من الصور للاتجار بالبشر كاستغلال الأطفال في العمل المنزلي – التسول –الدعارة ( في المدن السياحية)، فتم تعديل بعض مواد القانون الجنائي الصادر في 26 نوفمبر 1962 بفعل القانون 14/27 الذي صدر في الجريدة الرسمية 19 سبتمبر 2016، والمتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والذي نص على عقوبات مشددة والحماية للضحايا.).
فالمشرع المغربي وضع تعريفات في الفقرة الأولى من المادة 448 من القانون الجنائي، والتي تنص على انه يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أوتنقليه أوإيوائه أواستقباله أوالوساطة في ذلك بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة والنفوذ واستغلال الضعف أو الحاجة أو الهشاشة أو بإعطاء أوتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
فالمشرع المغربي من خلال قانون 14/27 في تعريفه للاتجار بالبشر رغم أخده من البروتوكول الاختياري ومنع الاتجار بالبشر وخاصة الأطفال والنساء، فإنه قام بتعداد الأفعال والأغراض المكونة لهذه الجريمة، مما جعل التعريف يتسم بالعمومية والغموض وبالتالي يمس بحقوق المتهمين ويخرق مبدأ قرينة البراءة أحيانا.
وقد خصصت له الفصول من 1-448 إلى الفصل 14-448 من الباب السابع المتعلق بالجنايات والجنح ضد الأشخاص في الفرع 6.وهذا القانون في تعريفه للاتجار بالبشر اعتمد المادة 3 من البروتوكول المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
وهو يقوم على 3 عناصرهي: الفعل، الوسيلة المستخدمة، والغرض سبق الإشارة إلى التعريف بالمادة 448 من ق ج.
وأهمية هذا القانون الجديد، تبرز في أنه أدخل مفهوم الاستغلال لأول مرة في القانون الجنائي، ليشمل جميع أشكال الاستغلال الجنسي لاسيما استغلال دعارة الغير،والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، والعمل القسري أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها،أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية عن الأحياء أو استغلال شخص للقيام بإعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة”.
والمشرع المغربي في المادة 448/1 حدد الأعمال التي يمكن أن تشكل اتجارا بالبشر،واشترط شروطا معينة على سبيل الحصر لتصبح هذه الأفعال مجرمة منها: التهديد الاختطاف الاحتيال الخداع، إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ استغلال حالة الضعف والهشاشة والحاجة …. الخ.
وهذه العناصر يمكن لأي منها أن يشكل جريمة إذا استوفى احد الفصول في القانون الجنائي .
ويمكن لفعل واحد أن يكون موضوع جرائم متعددة جريمة واحدة تتضمن عدة متابعات.
وهنا يطرح السؤال في حالة تعدد الجنايات والجنح أمام محكمة واحدة ما هي العقوبة الواجبة التطبيق؟
المشرع المغربي كان واضحا حيث وضع عقوبة واحدة سالبة للحرية ولا تتجاوز الحد الأقصى المقرر لمعاقبة الجريمة الأشد طبقا للمادة 118 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تنص على أن “الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها”.

الإجراءات المسطرية

لم يفرد المشرع المغربي إجراءات خاصة بتحريك الدعوى العمومية في جرائم الاتجار بالبشر، حيث يتعين الرجوع إلى القواعد العامة الواردة في قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بتحريك الدعوى العمومية، متى تعلق الأمر بجناية، حيث تحرك من السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في دائرة نفوذ المحكمة التي يكون مقيما فيها أحد المشتبه في مشاركته في ارتكاب الجريمة أو تم إلقاء القبض عليه فيها ولو لسبب آخر.
كما تحرك الدعوى من طرف المتضرر شريطة أن يكون الضرر شخصيا ماديا أو معنويا. 
– كما يمكن للمتضرر تقديم شكاية إلى السيد قاضي التحقيق (مدعمة بأسباب الوقائع  والتنصيب  كطرف مدني  واختيار موطن التخابر إذا كان يقيم بالخارج).
والمشرع المغربي أعفى ضحايا الاتجار من الرسوم القضائية المرتبطة بالدعوى المدنية. 
كما أن هذا القانون اقر في الفصل 14/448 مبدأ نفي المسؤولية الجنائية والمدنية عن ضحية الاتجار بالبشر إلا انه قيده بضرورة خضوع الضحية للتهديد.
تقييم حصيلة تطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر
سبق لوزارة العدل قبل استقلال النيابة العامة، إن استطلعت من المحاكم عدد الحالات التي طبق فيها هذا القانون، وكانت النتيجة سلبية، حيث أكدت محاكم الاستئناف عدم تسجيل أي قضية.
ويلاحظ أن تقرير رئاسة النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية، بدوره لم يتضمن أي إحصائيات حول هذه الجريمة، رغم أنه تضمن معطيات تتعلق بجرائم تدخل ضمن صور الاتجار بالبشر.
*استغلال دعارة الغير في إطار شبكات منظمة.
*استغلال النساء في الدعارة –بتسهيل دعارة القاصرين.
*استغلالهم في التسول.

تهريب المهاجرين

في حين نجد أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2018 أعطانا تفاصيل مدققة حول عدد جرائم الاتجار بالبشر التي سجلت بالمغرب، حيث أكد أن السلطات القضائية ببلادنا فتحت أبحاثا شملت 34 حالة محتملة للاتجار بالبشر سنة 2017 مقارنة مع 11 حالة سجلت سنة 2016، كما بلغت المتابعات تسع قضايا، شملت 20 متورط وأربع إدانات مقارنة مع أربع محاكمات و3 إدانات سنة 2016، وأكد التقرير أن هناك 8 قضايا تخص مهاجرين من دول جنوب الصحراء لهم ارتباط بشبكات الاتجار بالبشر إضافة الى 25 صالون تجميل وتدليك بالدار البيضاء، إضافة الى حالة صحافي .
وخلص التقرير الى الوقوف على عدة نواقص همت التطبيق أهمها:
* عدم توفير الحماية والدعم من طرف الحكومة لضحايا الاتجار بالبشر.
* عدم تفعيل إجراء تحديد هوية الضحايا خاصة المهاجرين الغير الشرعيين مما يجعلهم أكثر عرضة للاتجار بالبشر.ومن هنا يتبين أن قانون مكافحة الاتجار بالبشر اهتم بالجانب الزجري أكثر من حماية الضحايا.

بقلم الأستاذة: فتيحة شتاتو
 محامية بهيئة الرباط

Related posts

Top