مرافعة وطنية تلفزيونية

الشريط الوثائقي: “من تيندوف إلى العيون- طريق الكرامة”، الذي أنجزته قناة(ميدي1 تيفي) وبثته ليلة أمس الأحد، بعد أن كانت قد قدمته الجمعة في عرض خاص للصحفيين بمقر بيت الصحافة بطنجة، يعتبر مرافعة حقوقية وسياسية متميزة دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة.
القناة فكرت أن تصور معاناة ساكنة المخيمات في تيندوف، ونظمت كاستينغ اختارت عقبه إسناد هذه المهمة لصحفية إسبانية تنحدر من الباسك هي باتريسيا مدجيدي خويز، وهي لم يسبق أن اهتمت بالموضوع أو كتبت حوله، ولا تعرف عنه سوى ما يعرفه الكثير من الإسبان انطلاقا مما تروجه الماكينة الدعائية والإعلامية هناك، ومما تراكم من ترسبات وأحكام.
قضت الصحفية الإسبانية خمسة أيام في تيندوف ومثلها في العيون، وعرضت مشاهداتها وتصريحات الناس ضمن شريط وثائقي تزيد مدته عن ساعة.
وفِي خاتمة الشريط تكشف الصحفية عن تأثير ما شاهدته في تغير نظرتها للنزاع المفتعل في الصحراء، وعن حجم المغالطات التي يشحن الإعلام الإسباني بها عقول ووعي مواطنيها، وخلصت إلى ترديد القول المأثور بأن الحقيقة هي أن تقول رأيت والكذب أن تقول سمعت، وأن الفرق بين الحقيقة والكذب هو فرق أربعة أصابع بين العين والأذن.
في الشريط يروي الناس في تيندوف تفاصيل المعاناة المهولة، مع المعيش اليومي والاحتجاز والقمع والمتاجرة في المساعدات الإنسانية الدولية، ومع المنع من حرية الكلام والتعبير، وفِي العيون تكتشف باتريسيا أن المدينة حقيقية، وأن لا مخيمات هنا، وأن خفوت الإنارة هناك صارت مشعة هنا.
ومن اللحظات القوية في الشريط أيضا، لما تحضر الصحفية حفل زفاف في تيندوف وسط النساء، وتقول بأنه حتى في هذا الاحتفال النساء تخشى الكلام، ثم كذلك لما يصر الشاب محفوظ محمد محمود على التصريح لها بوجه مكشوف، رغم تحذيرها له من عواقب ذلك على سلامته، ويؤكد أنه تعرض من قبل للاختطاف والضرب والاغتصاب الوحشي، ولم يعد يخشى شيئا.
في الشريط تتحدث الصحفية الإسبانية بلغتها، والقناة ترجمت مضمون النص إلى العربية.
قناة ميدي1 تيفي اختارت إنجاز عمل مهني موضوعي، ووضعت ثقتها في صحفية إسبانية للقيام بهذه المهمة.
الصحفية باتريسيا، من جهتها، تحلت بالشجاعة وسافرت إلى تيندوف وقفزت فوق كل الحواجز والمخاطر وتوفقت في إتمام عملها الصحفي.
الفريق المهني والتقني للقناة عمل لساعات طوال لإعداد الشريط وتجهيزه للعرض.
ولهذا يستحق كامل هذا الفريق تحية الإشادة والتنويه على هذا المنجز الإعلامي الناجح، خصوصا المخرج الشاب، وأيضا الواقف على الفكرة عمر الذهبي، والصحفي الذي واكب عمل الصحفية الإسبانية وتابع الإنجاز، المبدع نبيل دريوش، دون أن نغفل تحية القناة على المبادرة، والصحفية باتريسيا على شجاعة الإنجاز وموضوعية ما نقلته للمشاهدين.
إن شريط “من تيندوف إلى العيون.. طريق الكرامة” يجب أن يقدم مباشرة باللغة الإسبانية للرأي العام الإسباني والطبقة السياسية والوسط الإعلامي والحقوقي هناك، ويجب أن يترجم إلى لغات دولية أخرى، ويستثمر ليكون مرافعة وطنية مغربية لفضح مأساة تيندوف أمام العالم كله.
صحيح، أن إنجاز مثل هذه الأعمال التلفزيونية يتطلب استثمارات مالية وإمكانيات تقنية وإعدادا مسبقا، وجرأة وشجاعة في التنفيذ، وتنسيقا مع خبراء ومتخصصين في المادة السياسية والمادة التاريخية، ولكن مثل هذه الأعمال الجدية هي مستقبل صناعتنا التلفزيونية الوطنية، وهي الكفيلة بجعل التلفزيون المغربي يحضر في قلب قضايانا الوطنية الكبرى، ويساهم في تقريب الناس من شأنهم العام، وأن يؤثر في الوعي والأفكار والمشاعر والأذواق…، وأن يقلل من نفور الناس من إعلامهم الوطني العمومي.
برافو “ميدي 1 تيفي”.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top