مركز البطحاء متعدد الاختصاصات بفاس..ملجأ للنساء ضحايا العنف

يوجد عدد كبير من النساء ممن يتم تعنيفهن يوميا، سواء من قبل أزواجهن أو أسرهن أو ممن كن ضحايا اغتصاب وغيرها من أشكال العنف المبنية على النوع، يكفيك زيارة إحدى مراكز الرعاية الاجتماعية، لتعرف معاناة هذه الفئة المسحوقة وإلى أي حد تصارع من أجل الحصول على حقها في العيش الكريم.
وهو ما تمكنا من معاينته من خلال زيارتنا لمركز البطحاء المتعدد الاختصاصات لتمكين النساء بمدينة فاس، واستماعنا لشهادات بعض النساء المعنَّفات، والمشرفات عليهن من المؤطرين المتخصصين في المساعدة الاجتماعية والنفسية بالمؤسسة.
قصص من بين أخرى تظهر معاناة نساء ذنبهم الأوحد أنهن نساء، قاسمهن المشترك العنف وقهر الزمن.
تعنيف الزوج أشد مضاضة من المرض

بهذه العبارة بدأت زهور”اسم مستعار” الحديث عن تجربتها، وهي امرأة أربعينية حكت لنا عن معاناتها الأمرين، مرض السرطان وتعنيف الزوج. زهور امرأة بسيطة تنحدر من إحدى البوادي متزوجة ولها ثلاثة أطفال.
كانت تكابد المرض وهي تتعرض للضرب المبرح والشتم من قبل زوجها، وعلى مرأى من الأبناء وسكان القرية، فوحدها المسكنات كانت تخفف عنها شدة الألم الذي يخلفه الورم السرطاني من جهة، ونوبات انفعال زوجها من جهة أخرى، إلى أن ازدادت حالتها سوءا ونُقلت إلى مستشفى عمومي قضت به مدة ليست بالقصيرة.
تحكي زهور أن زوجها لم يقم بزيارتها في أثناء بقائها بالمستشفى، ولم يكن يتحمل مسؤولية نفقاتها، قبل أن تلجأ إلى مركز البطحاء المتعدد الاختصاصات لتمكين النساء الذي قدم لها بعد أن عاين حالتها الدعم النفسي والمادي اللازمين، من أجل تسوية وضعها ومساعدة أبناءها عبر نقلهم إلى فضاء سليم، إضافة إلى مرافقتها في الإجراءات القانونية التي اتخذتها ضد زوجها.
زهور في الوقت الحاضر تتابع علاجها، وتستقر رفقة أبنائها الذين استأنفوا دراستهم في منزلهم الجديد، ويساندها شقيقها الذي تمتن له باعتباره إلى جانب صلة قرابتهما الشخص الوحيد، تقول زهور.

البحث عن الملاذ

نجاة شابة في مقتبل العمر، كانت هي الأخرى من بين ضحايا العنف الذين احتضنهم مركز البطحاء، فهي واحدة ضمن نساء عديدات ممن يقع على عاتقهن تحمل مسؤولية أطفالهن بمفردهن، أمام إهمال أزواجهن وامتناعهم عن تحمل واجباتهم تجاه أبنائهم، حتى إن منهن من تجد نفسها بلا مأوى، بعدما ترفض أسرتها فكرة طلاقها من زوجها وتجبرها على العودة إليه، فيصبح الهروب في هذه الحالة هو الحل الوحيد.
تقول نجاة بأنها عانت من أبشع أنواع العنف في بعديه الرمزي والجسدي الذي كان يمارس عليها من قبل كلا الطرفين، زوجها وأسرتها، لكنها تمكنت من استجماع الشجاعة الكافية للانتفاض على هذا الوضع، واللجوء إلى مركز البطحاء أملا في إيجاد سبيل للنجاة من حياة وصفتها الضحية بالجحيم.

وقد تمكنت بالفعل من تحقيق ذلك، بعدما استقبلها المركز الذي لا زالت تقيم به إلى حدود الوقت الراهن وأشرف على حالتها، وأدمجها في دورات التكوين المهني، وهي مستعدة الآن لدخول سوق الشغل.
زهور ونجاة نموذجان من النماذج الكثيرة والمختلفة التي يستقبلها مركز البطحاء، والتي يفوق عددها ألف حالة سنويا، حسب ما جاء على لسان فوزية إحدى المساعدات الاجتماعيات المتخصصات في المؤسسة ممن طرحن عليهن بعض الأسئلة بخصوص تدخل المركز:

< كم عدد النساء اللواتي تستقبلهن سنويا؟
> نستقبل ما يفوق ألف حالة في السنة، فمثلا في المدة المتراوحة بين 16 نونبر 2020 و15 نونبر 2021 استقبلنا 1078 حالة جديدة، إضافة إلى عدد الحالات التي تأتي للمتابعة ويقدر عددها بـ 900 حالة.

< ما هي الإجراءات التي يقوم بها المركز عند استقبال حالات جديدة من ضحايا العنف؟
> بعد استقبال الضحية، تتم معاينة حالتها إذا ما كانت تعاني من عنف اجتماعي أو اقتصادي أو نفسي وما إلى ذلك، حيث تتم إحالتها بعد جلسة الاستماع إلى الخدمة المناسبة لوضعيتها، ومرافقتها في الإجراءات القانونية بتنسيق سواء مع النيابة العامة أو الشرطة، كما يتم إحالتها إلى الفحص الطبي إذا كانت في حاجة إلى شهادة طبية. نحن نحاول ما أمكن جعل النساء يكتسبن المعلومات الكافية واتخاذ التدابير اللازمة لوضعهن، وذلك لكي نعودهن على الاعتماد على أنفسهن، ونحن يكون دورنا في هذه الحالة المرافقة والتوجيه.
المعاينة النفسية

بعد مرور النساء ضحايا العنف من خدمتي الاستماع والمساعدة الاجتماعية تتم إحالتهن إلى المعاينة النفسية، فاطمة الزهراء الجويلي من ضمن فريق التدخل النفسي تجيب عن أسئلة بيان اليوم:

< ما هو دور المعاينة النفسية؟
> نحرص في جناح الخدمة النفسية على متابعة الضحايا نفسيا، خصوصا بالنسبة للنساء اللواتي يلجأن إلى المؤسسة في حالة انهيار نفسي تام كضحايا الاغتصاب على سبيل المثال ومرضى الوسواس القهري، حيث إن معظم الحالات التي استقبلناها كانت تعاني من اكتئاب حاد، ولديهم أفكار انتحارية وهو ما يستدعي تدخلا سريعا من المتخصص النفسي، كما نحاول تمكين أكبر عدد من النساء من التشخيص والمتابعة النفسيين في ظل تزايد عدد الضحايا ومحدودية الأخصائيين النفسيين الموجودين في المؤسسة…
التمكين الاقتصادي

طرحنا على هاجر السعيدي منسقة قسم التمكين الاقتصادي ثلاثة أسئلة حول الإمكانيات المادية للمركز:

< ما هي الجهة أو الجهات التي تمول مشروع تمكين النساء في مركز البطحاء؟ وكم عدد النساء المستفيدات؟
> تتكلف مؤسسة تحدي الألفية (MCC) التابعة للكونغرس الأمريكي بتمويل مشروع تمكين النساء وإدماجهم في سوق الشغل الذي انطلق السنة الماضية، فمن بين ألف امرأة مسجلة عندنا، استفادت 600 حالة من التكوينات التي ينظمها المشروع من أجل تأهيلهن مهنيا لسوق الشغل، سواء تعلق الأمر بكيفية إنجاز سيرة ذاتية، أو كيفية الاستفادة من الضمان الاجتماعي، أو معرفة أنواع عقود العمل (عقد دائم CDD، عقد مؤقتCDI…) والحد الأدنى للأجور، وما إلى ذلك. كما نقوم من جهتنا بتشجيع النساء على العمل في مهن يعتقدن أنها حكرا على الرجال على غرار العمل في قطاع السيارات.

< هل يتم تمويل المشروع على دفعات، وما هي المعايير التي تضعها مؤسسة تحدي الألفية لاستمرار تقديمها الدعم الاقتصادي؟
> يتوقف دعم المشروع على نتائجه، أي من حيث عدد المستفيدات من التكوينات المهنية، والفئة التي تمكنت من الالتحاق بسوق الشغل، وهو ما تقوم مؤسسة التمويل بمعاينته من خلال التقارير التي تتوصل بها من موظفي المركز المنخرطين في المشروع.

وليد اتباتو

باحث في الإعلام

Related posts

Top