مستشار الرئيس السنغالي: العلاقات المغربية السنغالية علاقات روحية واستثنائية تتجاوز العلاقات السياسية

أكد الشيخ منصور مامون انياس، مستشار الرئيس السنغالي للشؤون الدينية ورئيس حزب التجمع من أجل الشعب، أن العلاقات المغربية السنغالية تتعدى العلاقات التقليدية التي تحكمها الأعراف الدبلوماسية والنظم والقوانين الدولية.
وقال منصور انياس، الذي يعد إحدى الشخصيات المؤثرة في إفريقيا، في حوار خاص مع جريدة بيان اليوم، إن المغرب يعد البوابة الرئيسية التي دخل منها الإسلام إلى إفريقيا.
وأبرز انياس، في الحوار الذي أجرته معه الجريدة، عقب زيارته للمملكة في إطار خاص بداية شهر أكتوبر، أن الاستراتيجية الملكية الحكيمة في الانفتاح على إفريقيا تقوم على صعيدين (رسمي وشعبي)، لا يغني أحدها عن الآخر في وجود علاقات جدية مثمرة لها طابع الرسوخ والاستمرار.
وشدد انياس الذي قصد في زيارته المدينة الروحية فاس وذلك بغية زيارة مقام شيخ الطريقة التجانية الشيخ أحمد التجاني، وعقد عدة لقاءات في مدينتي الرباط والدار البيضاء، على أن للعرش العلوي مكانة روحية خاصة في قلوب الأمة جمعاء والأفارقة بشكل خاص.

< كيف ترون العلاقات المغربية السنغالية؟
> بداية أتقدم بجزيل الشكر ووافر الامتنان إلى هذه الجريدة الطيبة المباركة على ما تقدمه من تثقيف وإنارة لقرائها الكرام وخاصة حول العلاقات التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ والجغرافيا بين الدولتين والشعبين المغربي والسنغالى، التي هي نموذج للعلاقات الطيبة والتعاون المشترك البناء وقاطرة السلم والتفاهم في إفريقيا ومنصة لنشر الإخاء والدفاع عن القضايا العادلة في العالم.
والعلاقات المغربية السنغالية سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، تتعدى العلاقات التقليدية التي تحكمها الأعراف الدبلوماسية والنظم والقوانين الدولية، لتكون علاقة محبة صادقة وانجذاب روحي وتطابق فكري وتشابك في المصالح والرؤى تجعلها علاقة خاصة يصعب وصفها وتصنيفها.

<كيف تفسرون هذه العلاقة الروحية التي تربط المغرب وإفريقيا؟
> إن المغرب هو البوابة الرئيسية التي دخل منها الإسلام إلى إفريقيا، لذلك تبدو الصبغة المغربية جلية على الإسلام الإفريقي وخاصة في منطقتنا (غرب إفريقيا)، فأغلب سكان هذه المنطقة، مسلمون، سنة أشعريون، مالكيون، جنيديون، كما قال عبد الواحد بن عاشر المغربي الفاسي:

في عقد الأشعري وفقه مالك
وفي طريقة الجنيد السالك

ثم جاءت الطرق الصوفية، من شاذلية وقادرية وتيجانية، لتعزز هذه الروابط الروحية القوية، وكل هذه الطرق الصوفية تتصل الأسانيد الإفريقية فيها بالأسانيد المغربية، فكانت رافدا قويا يشد الأفارقة بأشياخهم المغاربة ويقوي اللحمة الروحية والتواصل والترابط، وخاصة الطريقة التيجانية ذات المنشأ المغربي الخالص، والتي هي أكثر الطرق الصوفية انتشارا في إفريقيا والعالم، وقد فتحت هذه الطريقة سفارة للمملكة المغربية في قلوب مئات الملايين من الأفارقة، وجعلت فاس عاصمة روحية لإفريقيا كلها، وكان من أهم شيوخ هذه الطريقة التي نشروها في إفريقيا والعالم، ويعد أتباعهم اليوم بعشرات الملايين على امتداد القارة، هو والدنا صاحب الفيضة التيجانية الشيخ إبراهيم انياس رضي الله عنه.

<ما تعليقكم على الإستراتيجية الملكية القائمة على الانفتاح على إفريقيا؟
> تقوم الإستراتيجية الملكية الحكيمة في الانفتاح على إفريقيا على صعيدين (رسمي وشعبي)، لا يغني أحدها عن الآخر في وجود علاقات جدية مثمرة لها طابع الرسوخ والاستمرار، والذي يميز هذه الإستراتيجية بشكل أساسي هو بعدها الشعبي المباشر الذي يعطي لأبعاد العلاقات المغربية الإفريقية معناها الحقيقي بعيدا عن شكليات الرسميات وقيود البروتوكولات، فيحس المواطن الإفريقي أنه معني باهتمامات المغرب ويحمل همومها ويعيش توجهاتها بشكل مباشر، لا عن طريق تدخل في شؤونه ولا إملاء خارجي عليه، وإنما انطلاقا من حب هذا البلد وارتباطا به واهتماما بشؤونه، أما العلاقات التقليدية بين الدول، التي تديرها السفارات وتحكمها البروتوكولات والأعراف وتقوم على المصالح والاتفاقيات، فإن للمغرب منها الحظ الأوفر مع إفريقيا، لكنها لا تضاهي أهمية العلاقات الشعبية المباشرة في تعميق العلاقات بين الشعوب وترسيخها وإعطاء كل جانب منها حقه، فلا تقوم السفارات مجتمعة بعشر ما تقوم به هيئة الملك محمد السادس لعلماء إفريقيا في تنمية العلاقة بين إفريقيا والمغرب وخدمتها، ولا توجد سفارة في دكار أكبر ولا أهم من جمعية علماء السنغال والمغرب.
وقد كان لهذه الإستراتيجية دور بارز في تطوير التبادل بين إفريقيا والمغرب، سواء في مجال التجارة أو السياحة أو التعليم والبحث العلمي أو الثقافة والصحة وغير ذلك من المجالات.

< تم، مؤخرا، إنشاء هيئة محمد السادس للعلماء الأفارقة، كيف ترون دور هذه المؤسسة في تقريب وتوحيد الرؤية بين علماء إفريقيا؟
< > تعد هذه الهيئة صرحا مضيئا ينضاف إلى قائمة بركات المغرب على إفريقيا وشعاعا منيرا من أشعة العلم والثقافة التي تبزغ على إفريقيا انطلاقا من المغرب، وهي تجسيد للروابط الروحية والعلمية التاريخية التي تجمع المغرب بإفريقيا، ولهذه الهيئة دور محوري في تقريب وتوحيد الرؤية بين علماء إفريقيا أنفسهم من جهة، وبينهم وعلماء المغرب من جهة أخرى، لأنها إطار جامع ومجال للتشاور وتبادل الخبرات والتجارب، وخاصة في هذا الزمن المعقد المضطرب.

< تتمتع أسرتكم بوشائج خاصة وعلاقات روحية مع العرش العلوي، هل من رسالة توجهونها في هذا الصدد؟
> أجل لأسرتنا علاقات روحية ووشائج خاصة ضاربة في التاريخ بالعرش العلوي المجيد، تقوم على رصيد لامتناه من محبة أسلاف أسرتنا النبي صلى الله عليه وسلم وآله، وامتثالا لقوله تعالى على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم: “قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى”، ولهذا السبب كان للعرش العلوي مكانة روحية خاصة في قلوب الأمة جمعاء والأفارقة بشكل خاص وأسرة آل انياس بشكل أخص، وقد أخذت هذه العلاقة بعدا جديدا في عهد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه وصاحب الفيضة جدنا الشيخ إبراهيم انياس رضي الله عنه، فكأنه المغني بقول الشاعر:

قد كان ما كان مما لست أذكره
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

وإن كان من رسالة في هذا الصدد، فهو تذكير الأجيال الحاضرة بوجوب المحافظة على تلك العلاقة الخاصة وتنميتها فهي من أعظم ما ورثناه عن أسلافنا ويجب أن نورثه لأبنائنا وأحفادنا:

ورثنا عن الآباء حسن ودادكم
ونحن إذا متنا نورثه الأبناء

< زرتم المغرب في إطار خاص، كيف وجدتم زيارتكم للمغرب خصوصا المدينة الروحية فاس؟
> إن زيارة المغرب هي سياحة روحية، لكثرة ما يذكر فيها بالعلماء والصالحين، ففي كل زاوية منه وركن، يعبق التاريخ بأريجه وكنوزه، فتنتشي العين بآثاره وفنونه ويشرق القلب بأنواره وأسراره، أما زيارة فاس فهي ذروة سنام تلك السياحة الروحية، حين يكتمل الأنس في حضرة الزاوية التجانية وتشرق أنوار المعارف والفيوضات الربانية، وتنهمر العطايا والهبات الإيمانية.
إن زيارة ضريح الشيخ التجاني رضي الله عنه هي مناسبة لشحن القلوب وتزكية النفوس لتمتلئ بالأسرار والأنوار، كما أنها مناسبة لتجديد العهد بالسير على نهج هذا الشيخ المربي الدال على الله بحاله ومقاله، للتخلق بأخلاقه والاتصاف بأوصفافه.

< كلمة أخيرة؟
> أتقدم بالشكر الجزيل إلى طاقم هذه الجريدة المباركة وقرائها الكرام، وأسأل الله العلي القدير أن يديم على المملكة المغربية الشقيقة الأمن والأمان ويكرمنا جميعا بشفاء جلالة الملك محمد السادس شفاء لا يغادر سقما ويمتعنا بدوام صحته وعافيته، كما أسأله جلت قدرته وتقدست صفاته وأسماؤه، أن يحقق لأمتنا الإسلامية جمعاء ولقارتنا الإفريقية كل الأماني والرجاء ويأخذ بمجامع قلوبنا جميعا إلى طريقه المستقيم.

< عبدالصمد ادنيدن

Related posts

Top