مسرحية “القسمة” ترصد حالات مجتمعية مترتبة عن سوء تدبير مسألة الإرث

وسط جمهور غفير ملأ قاعة العرض بمسرح محمد الخامس بالرباط قدمت جمعية “إيسيل” للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، أول عرض لمسرحية “القسمة” وذلك ليلة أول أمس الثلاثاء.
المسرحية وفي ساعة ونصف من الزمن قدمت للجمهور بالرباط عرضا شيقا طرحت فيه العديد من الإشكالات المرتبطة بقضية الإرث، لا سيما الحيف الذي يواجه المرأة أثناء تقسيم التركة، بالإضافة إلى تسليط الضوء عن الاضطهادات التي تعانيها المرأة من قبل أقارب زوجها حين وفاته أو من قبل إخوتها في حالة وفاة الأب، حيث تصبح في مرمى أطماع الجميع، وتصبح حياتها مهددة في أي لحظة، بالتشرد والفقر وما إلى ذلك.
العرض المسرحي، الذي تميز بتفاعل كبير من قبل الجمهور، قدم أزيد من 6 حالات اجتماعية تعاني فيها المرأة كحالة وفاة الأب ومحاولة الأعمام الاستفراد بالإرث بحجة أنهم أولى به وأن بناته ليس لهن الحق، تحت ذريعة أنهم سيتكفلون بهن. كذلك تقدم المسرحية حالة فريدة وهي المتعلقة بالكفالة، حيث تتعرض إحدى البنات إلى التشرد بعد وفاة أبويها بالكفالة واستفراد العم وابنه بالإرث رغم الوصية الشفوية التي تركها الأب لأخيه، هذا الأخير الذي توفي دون أن يهتم بالوصية ويترك الفتاة لقمة صائغة في فم ابنه الذي يشردها في آخر المطاف ويطردها من البيت.
إلى ذلك أيضا، أماط العرض المسرحي “القسمة” الذي أخرجه المسرحي مسعود بوحسين، وكتب نصه الدراماتورج عصام اليوسفي، وصمم سينوغرافيته الفنان رشيد الخطابي، ولعب شخوصه كل من الفنانين والفنانات، فضيلة بنموسى، وسيلة صابحي، بنعيسى الجيراري، سعيد آيت باجا، فريد الركراكي، (أماط) اللثام عن الحالات الاجتماعية المرتبطة بوفاة الزوج ومحاولة الإخوة أخذ تركته في إطار الإرث بدل زوجته، التي تتحمل تربية الأبناء ومواجهة قساوة العيش، كما طرح الإكراهات المرتبطة بنظام الوصية الذي لم يتطور بحسب السياقات الاجتماعية.
هذا وعقب العرض المسرحي، الذي نظم بشراكة مع مؤسسة “فريديريك إيبرت” الألمانية، قدم كل من الأستاذ محمد عبد الوهاب رفيقي، والأستاذ محمد بالمهدي والكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي قراءة في جوانب الموضوع، بحيث تطرق الأول للموضوع من المنظور الديني، حيث أكد فيه على ضرورة فتح باب النقاش في قضية “الإرث” وإنصاف المرأة في هذا الصدد تماشيا والمتغيرات الاجتماعية التي تعرفها المرحلة الحالية، خصوصا مع تغير البنية الأسرية، التي أصبحت تقتصر فقط على ما يسمى العائلة البيولوجية المكونة من الأم والأب والأبناء عكس ما كان عليه سابقا من تدخلات بين الأشقاء وأبناء العمومة وما إلى ذلك.
من جهة ثانية تطرق محمد بالمهدي للموضوع من جانبه القانوني، مبرزا الإشكالات المرتبطة بالقاعدة القانونية وعدم استجابتها للظروف الاجتماعية، بالإضافة إلى كشفه عن إكراهات العرف بالعديد من المناطق والذي يقتضي عدم حصول المرأة على الإرث أصلا، مشيرا إلى أن هناك إشكالات مرتبطة بتنزيل القاعدة القانونية التي من المفروض أن تحقق لنا العدالة الاجتماعية، لكنها في بعض الأحيان، يقول بالمهدي، “لا ترقى إلى ذلك في موضوع الإرث كحالة المرأة التي توفي زوجها وترك منزلا بحيث أن أبناء العمومة يرثون معها المنزل بقوة القانون ويتم بيعه في المزاد العلني فتصبح هذه المرأة عرضة للتشرد.
بدوره قدم الكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي قراءة في العرض المسرحي من جانبه السياسي، مؤكدا على أنه الجانب المهم لارتباطه مع صناع القرار من جهاز تنفيذي وجهاز تشريعي والإطارات المؤثرة في دواليب صناعة القرار، من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات المجتمع المدني… معتبرا أن مسرحية “القسمة” لا تطرح إشكال “الإرث” في حد ذاته بقدر ما أنها تطرح الحيف المسلط على المرأة في موضوع الإرث ومواضيع أخرى مرتبطة بقيمة المساواة وقيمة العدل والانصاف اتجاه المرأة.
الشعبي وفي سياق حديثه، أشاد بالفرقة المسرحية، التي قال “إنها أعادت إنتاج المعنى للمسرح من خلال مسرحيتها القسمة”. مشددا على أن “المسرح من الضروري أن يكون حمالا للمعنى”.

ارتسامات المتفرجين متقاربة

إلى ذلك وعقب انتهاء العرض المسرحي، استقت “بيان اليوم” آراء عينة من الجمهور الذي شهد العرض حيث توقفت الجريدة عند تقارب في الآراء بين عدد من المواطنين سواء الرجال منهم أو النساء.. في هذا السياق تقول “هند” وتبلغ من العمر 25 سنة، إن العرض المسرحي قدم نظرة مغايرة لنظام الإرث بحيث كشف عن الإشكالات المرتبطة به كتشريع لا يتماشى والسياقات الاجتماعية، مشيرة إلى أنه لا يتعارض مع المبدأ الديني لكنه يدعو للاجتهاد وإيجاد الأجوبة للتساؤلات التي تطرح عليه بالنظر لبعض الحالات الاجتماعية كترك الوصية للابنة المعاقة أو ترك الوصية للأطفال بالتبني كي لا يجدوا أنفسهم عرضة للتشرد. وذاته الرأي الذي أبداه سعيد (45 سنة)، مؤكدا في حديثه للجريدة أن هناك حالات اجتماعية كثيرة أضحت تعاني بسبب الحيف في تقسيم الإرث واستئساد الأقارب على المرأة وهضم حقوقها، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في منظومة الإرث.
هذا في حين يرى كل من محمد الهاشمي وجواد، 27 – 30 سنة على التوالي، أن النظام الإسلامي يقدم عرضا متكامل الأركان فيما يخص الإرث، إلا أن المشكلة بنظرهم تكمن في الفهم العام لدى الأفراد وفي المقاصد، مؤكدين على ضرورة تبسيط الفهم لجميع الناس كي لا يتم هضم حقوقهم وأساسا النساء اللواتي يتعرضن للنصب من طرف بعض الأقارب في حين أن الدين أنصفهن من ناحية “الإرث”.
من جهة أخرى توقفت فاطمة الزهراء (37 سنة) عند القضية المتعلقة بنظام الوصية، مؤكدة على أن السياق الاجتماعي الحالي يفرض تفعيلها والعمل بها مستشهدة في هذا السياق بكون أن العديد من الآباء لا يدرسون بناتهم وبالتالي لا يحصلن على عمل مقابل الإخوة الذكور، الذين يدرسون ويشتغلون ويضمنون مستوى عيش كريم، إلا أنه بعد الوفاة يأخذ هؤلاء الذكور النسبة الأكبر بالمقارنة مع أخواتهم اللواتي لا تشتغلن واللواتي لا يتوفرن على دخل يضمن لهن العيش الكريم، مشيرة إلا أن هذا يجعلها تعيش تحت رحمة الفقر وتجعلها تعيش تحت مستوى الكرامة معتبرة أن الحل هو إعادة النظر في نظام الوصية وملاءمتها مع السياقات المجتمعية، حتى يترك الأب المتوفى على سبيل المثال العدل مستشريا بين أبنائه ويضمن عيش بناته في مستوى الكرامة كالأبناء الذكور.

**

في سياق العرض المسرحي «القسمة» حدثت « بيان اليوم» كل من المخرج المسرحي مسعود بوحسين والأستاذ المختص في الشؤون الدينية محمد عبد الوهاب رفيقي، والكاتب المسرحي والصحفي الحسين الشعبي والمختص في القضايا القانونية محمد بالمهدي بالإضافة إلى البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية جمال كريمي بنشقرون الكاتب العام للشبيبة الاشتراكية، الذي حضر العرض مرفوقا بعدد من المناضلات والمناضلين، وذلك حول مضمون العرض المسرحي «القسمة»، إذ قدم هؤلاء وجهة نظرهم في العرض وموضوعه الأساسي المتعلق بالإرث، وفي ما يلي تصريحاتهم:

مسعود بوحسين:
العرض المسرحي “القسمة” نابع من نبض المجتمع

فكرة المسرحية هي نابعة من نبض المجتمع، والمسرح الحقيقي هو الذي ينصت لقضايا المجتمع ويبرزها في قالب فني. وهذا ما اشتغلنا عليه في مسرحية “القسمة” التي تطرقت لموضوع مهم نعيشه في مجتمعنا وهو “الإرث” وعلاقة هذا الموضوع بحقوق المرأة، فالمسرحية لا تقدم حلولا في الموضوع ولا تعالج الإشكالات القائمة في هذا السياق، وإنما تقدم أساسا الإشكالات وتطرح التساؤلات المرتبطة بالإرث في سياقات اجتماعية معينة ومن خلال عرض حالات مجتمعية تتعرض فيها المرأة للحيف بطريقة فنية وذلك قصد فتح النقاش في الموضوع من جوانبه العقلانية والقانونية والشرعية والسياسية أيضا، وهي بمثابة دعوة لأهل الاختصاص والقائمين على الشأن العام من أجل إيجاد حلول لهذه الإشكالات.. إذن فالعرض المسرحي “القسمة” يأتي من منطلق الالتزام والقناعة بضرورة التعريف بقضايا المجتمع وبالإشكالات التي يعانيها وتقديمها في قالب فني ساخر وسيتم عرضه في إطار جولة فنية بالعديد من المناطق والمدن بالمغرب، كما سيتم بالموازاة مع ذلك فتح نقاش عام بعد كل عرض حول الموضوع.
* فنان ومخرج مسرحي (مخرج مسرحية القسمة)

محمد عبد الوهاب رفيقي*:

يجب الاعتراف والإقرار أن هناك ظلما يلحق المرأة أولا ولا يمكن تجاوز هذا الموضوع ولا نفيه بأي حال من الأحوال، لأن الواقع يدل عليه، هذا من ناحية، من ناحية أخرى يجب أن نعي بأن الأحكام الدينية بنفسها خاصة ما يتعلق بالتشريعات المعاملاتية هي مرتبطة بسياقاتها الاجتماعية، وأن نظام الإرث الذي جاء به الإسلام قبل 15 قرن كان جد متطور مقابلة بما كان قبله، بحيث لم تكن المرأة ترث شيئا، بل كانت هي أيضا تورث. إذن فمن المفروض تطوير هذا التشريع وملاءمته مع المتغيرات الاجتماعية التي نعرفها اليوم، بالإضافة إلى أن الأمر ليس متعلقا بقضية المساواة بين الذكر والأنثى، والتي تثير حساسية كبيرة عند الناس، وإنما بأبواب أخرى داخل الإرث غير متعلقة بالمساواة لا بد فيها من تعديل، فيما يتعلق مثلا بنظام التعصيب، وما يتعلق بنظام الوصية، هذه الأحكام فيها ليست بالقطعية التي يتحدثون عنها فيما يتعلق بالمساواة، وبتنزيلها على الواقع الحالي كما نرى في قضية البنات مع أبناء العمومة أو أقارب المتوفى بشكل عام يكون فيها حيف كبير وظلم كبير وتحتاج عاجلا إلى اجتهاد في الموضوع.
* أستاذ وباحث في المجال الديني

**

الحسين الشعبي*:”القسمة” عرض مسرحي اجتماعي ساخر ينطوي على عمق فكري

“القسمة” عرض مسرحي اجتماعي ساخر ينطوي على عمق فكري وفني حقيقي.. فمسرحية “القسمة” أعادت المعنى للمسرح وأعادت له دوره كدعامة تربوية وتواصلية اتجاه الناس والجمهور، لأن المسرح من الضروري أن يكون حمالا للمعنى.. بطبيعة الحال الشق السياسي ربما هو الذي يجب جميع الجوانب باعتبار أن الشق السياسي هو الذي يستوعب القرار السياسي خصوصا وأنه مرتبط بذوي القرار من الجهاز التنفيذي، الحكومة، أو الجهاز التشريعي للبرلمان والأحزاب السياسية أو منظمات المجتمع المدني أو الإعلام العمومي. وأعتقد أن الموضوع المطروح اليوم ليس الإرث في حد ذاته بقدر ما أن الموضوع مرتبط بالحيف المسلط على المرأة في موضوع الإرث ومواضيع أخرى، إذن يكاد الموضوع يكون مرتبطا بقيمة المساواة أو قيمة العدل أو قيمة الإنصاف اتجاه المرأة، هذه القيم، وبدون أن ننزاح عن الجانب الديني، وحتى في هذا الجانب هناك مجموعة من التمثلات في الواقع المغربي المعاش التي تنتج عن فهم سطحي للدين. وحتى الممارسة الدينية الحقيقية تكون منفلتة عند مجموعة من الممارسين، وبالتالي فالشق السياسي مهم في تأطير المجتمع وفي تأطير النقاش العمومي، في إثارة الأسئلة الحقيقية، وهنا أشير إلى أن الفرقة المسرحية غير معنية بإيجاد الحلول بقدرما مطروح عليها عرض الظاهرة المجتمعية وتحليل الإشكالية، ومن تمة فالعرض طرح أسئلة مستفزة، من خلال رصد حالات معاشة، نحن علينا أن نتلقى هذه الحالات ونناقشها من الجانب الديني والعقدي، ومن الجانب القانوني وأيضا وأساسا من الجانب السياسي باعتباره الجانب الذي نلتجئ إليه وتتجه إليه جميع الاستغاثات في المجتمع، فاليوم الحيف مؤنث، الظلم مؤنث، والإقصاء أيضا مؤنث، فكلما أشارت الأصابع اتجاه أي ظاهرة سلبية تجد أن المتضرر الكبير منها هو المرأة وهذا ما يحدث مع قضية الإرث. ولعل مسعانا جميعا هو البحث عن العدل وتحقيق الإنصاف وذلك عمق المقاصد في الدين الإسلامي..
* (كاتب مسرحي وإعلامي/ رئيس تحرير بيان اليوم)

**

محمد بالمهدي*:مسرحية متناسقة ومحبوكة تعالج وتسلط الضوء على أنواع الظلم الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة

صراحة أعجبت بهذه المسرحية غاية الإعجاب، لأنني وجدتها مسرحية متناسقة ومحبوكة تعالج وتسلط الضوء على أنواع الظلم الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة، سواء بسبب الشق القانوني أو القاعدة القانونية أو في الأعراف والعقليات بالمجتمع، كبعض البوادي التي لا زال البعض فيها يعتقد أن المرأة لا ترث أبدا ويوزعون الإرث بعيدا عن المحاكم والمرأة هناك لا تستطيع رفع دعوة قضائية أو مواجهتهم، الشق الآخر يكمن في القاعدة القانونية التي من المفروض أن تحقق لنا العدالة الاجتماعية، لكنها في بعض الأحيان لا ترقى إلى ذلك في موضوع الإرث كحالة المرأة التي توفي زوجها وترك منزلا بحيث أن أبناء العمومة يرثون معها المنزل بقوة القانون ويتم بيعه في المزاد العلني فتصبح هذه المرأة عرضة للتشرد، إذ أن ما يميز هذا العرض المسرحي أنه يخاطب صناع القرار ويستعين بمجموعة من النماذج والتي تؤكد على أن القاعدة القانونية لا تحقق في بعض الحالات العدالة الاجتماعية.
* أستاذ مختص في الشؤون القانونية

***

جمال كريمي بنشقرون: المسرحية أعادت للمسرح دوره في إيصال الرسائل الأساسية المجتمعية

النص المسرحي “القسمة” نص ممتع أولا من حيث الحبكة الدرامية لموضوع الإرث وحقوق المرأة في هذا الباب. وثانيا من حيث الأهداف إذ أن المسرحية أعادت للمسرح دوره في إيصال الرسائل الأساسية المجتمعية، من بينها قضايا من هذا القبيل والتي تعتبر من قبلنا دعامات أساسية لا بد من تكوين المواطن في إطارها. الفن اليوم محدد رئيسي في معالجة العديد من القضايا المجتمعية، كما أشرت، والتي من الممكن أن نبلور لها حلولا من خلال التواصل والتمكين وتقريب وجهات النظر، واليوم استمعنا لموقف الأستاذ عبد الوهاب رفيقي وكان موقفه متقدما كرجل دين وأيضا الفنان والناقد المسرحي الأستاذ الحسين الشعبي الذي تطرق لهذا النص من حيث التمثلات السياسية للمسرح انعكاسا على قضايا المجتمع.. مقدما نوعا من النقد الإيجابي. كذلك على مستوى النص والحبكة الدرامية التي جاءت بمنطلقات أساسية ما أحوجنا إليها داخل المجتمع من أجل مراجعة عدد من الأمور مع تطور الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ببلادنا.
* برلماني عن حزب التقدم والاشتراكية والكاتب العام للشبيبة الاشتراكية 

محمد توفيق امزيان

Related posts

Top