مسرحيون.. النص هو الأصل والخشبة إبداع مشترك

قال المسكيني الصغير، إن النص المسرحي المغربي مر من مراحل كثيرة جدا، من تم كان يحين بشكل مستمر، إلى أن يصبح نصا قابلا للعرض فوق الخشبة، مؤكدا بأنه تعرض لتأثيرات كثيرة من الشرق أو الغرب على حد سواء.
وأوضح المسكيني، خلال ندوة “من النص إلى الخشبة”، التي نظمت بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، أن هذا التأثير جاء نتيجة، زيارة شخصيات مسرحية للمغرب، أو من خلال مشاهدة أعمالهم، فضلا عن ذهاب ثلة من المسرحيين إلى الخارج لدراسة هذا الفن بالمدارس الأوروبية بعدما كانوا هواة فقط.
وعلى مر هذه السنوات، أشار الناقد المسرحي، أنه تم كتابة نصوص مسرحية مختلفة، غير أن منها من لم يحترم اللغة المسرحية المتعارف عليها من قبيل؛ الإضاءة، والتشخيص، والإكسسوار، واللعب بالجسد، والحوار..
وشدد المتدخل، في الندوة التي سيرها، عبد المجيد شكير، على أن النص لا يمكن أن نقول عنه مسرحية إلا بعد أن يتم تجسيده فوق الخشبة وأمام جمهور المتلقين الذين من المفترض أن يؤثر فيهم، داعيا المبدعين إلى إنتاج نصوص مسرحية محلية-مغربية، على اعتبار النصوص المغربية لا زالت مرهونة بتجارب الآخرين.
بيد أنه بدأت في السنوات الأخيرة، تظهر بعض النصوص مع كتاب حاولوا الابتعاد عن نصوص الأجانب، وإنتاج نصوص خاصة بالمحيط الذي ينتمون له، بحسب المتحدث، الذي ختم حديثه وهو يلح بأن المسرح المغربي لا يمكن أن يتطور بدون اجتهاد في النص.

النص أولا

من جانبه، أسس رشيد منتصر، كلمته في الندوة الخاصة بالمسرح على ثلاثة مستويات، أولا؛ المستوى الصوتي، ثانيا؛ المستوى التركيبي، وأخيرا؛ المستوى البلاغي، مبينا بأن القيمة الأدبية للنص لا تنتهي بقراءة النص بل انطلاقا من تشخصيه عبر الجسد والصوت فوق خشبة المسرح.
فعلى مستوى النسيج الصوتي، أكد رشيد منتصر، مدير المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، بأن للصوت قيمة إضافية للنص المسرحي لاسيما أثناء الإلقاء، وهو ما يمكن أن يستفيد منه المخرج والممثل لتوظيفه بشكل شاعري من خلال اللعب بالمخارج الصوتية للكلمات، ومن تم التأثير جذب الجمهور والتأثير فيه.
والمستوى الثاني يتعلق بتركيبة الجملة، ذلك أن التركيبة النحوية وإحساس الممثل بالتوازن المنطقي في التركيبة العامة للحوار، يساعده على إيصال معنى النص بشكل جيد، بدون تشويش ذهني بركاكة أو فراغ في التركيبة العامة للجملة.
والركن الثالث، يتعلق بالصور الأدبية، مسجلا بأن الصور المجازية في النص المسرحي مختلفة عن الصور البلاغية الموجودة في الرواية والقصة.. مضيفا بأن الصور المجازية يمكن أن توجز الموضوع العام للنص المسرحي.
وختم رشيد منتصر في الأخير، مداخلته بالقول إن كل هذه العناصر أو الأركان يمكن أن تشكل لذة خاصة في المسرحية، من خلال التعبير بالصوت، وتركيبة الكلمة، وكذا الصور الأدبية البلاغية التي توجز المعنى العام للعمل المسرحي.
وشهدت الندوة ذاتها، مشاركة أحمد مسعية، الذي عنون مداخلته بـ “Métamorphose de texte” (تحول النص)، حيث استهل كلمته بحكاية طريفة حول القرد الطبيب والحمار المريض، يبين من خلالها العلاقة الجدلية بين النص والعرض المسرحي.
ودافع مسعية، عن أطروحة أن النص هو الأصل، ولا يمكن أن يموت، مشبها إياه بطائر الفينيق الذي يموت لينبعث مجددا من رماده، وهي التي تجعل من العمل المسرحي المنجز قويا لاسيما إذا كان النص مفتوحا، ويساعد الممثلين، والمخرج.. على إعادة تمثيله فوق الخشبة.
وإذا كان النص بحسب الكاتب والناقد المسرحي، قويا على مستوى الكلمات والحكاية، بفعل ذكاء المؤلف في إنتاج النص، فإن المخرج يشحنه بطاقة دلالية تعبيرية، استنادا إلى توظيف أدبيات المسرح، من قبيل؛ الحوار، والتشخيص، والإضاءة..
وأكد أحمد مسعية، في الأخير، بأن النص هو المركز الأساسي للمسرحية، وكل ما يحتاجه هو أن يوضع في يد مخرج محترف يحوله من مادة خام إلى عمل مسرحي فوق الركح، يشخصه ممثلون محترفون في تفاعلهم مع نص الحوار والخشبة.

اجتهاد في التشخيص

من جهته، قدم مصطفى الرمضاني الذي أتى من عاصمة الشرق وجدة، ليقدم ورقة له في الموضوع هو الآخر، مركزا بالمناسبة عن فكرة أن النص تابت وما حوله متحرك، مشددا على أن كل الحركات والسكنات أصلها النص.
وشرح فكرته بالقول، إن “النص قد يكون واحدا، بيد أن تشخيصه فوق الخشبة سيكون متعددا، ومن وجهات نظر مختلفة، بحيث سيعالجه كل مخرج انطلاقا من رؤيته الخاصة للنص، الذي يبقى جوهر العمل المسرحي، على اعتباره يحدد زمكان الحكاية، بالإضافة إلى الشخصيات”.
وميز الناقد المسرحي الرمضاني، بين النص المسرحي والنص الممسرح، ذلك، أن هذا الأخير يقصد به، النص الذي يرجع أصله إلى الرواية أو القصة، إذ يتم تحويل النص بـ”الفعل” إلى عرض بـ”القوة”، من خلال عنصر التخييل، وذلك، لإمتاع المتفرج وتحقيق “الفرجة”.
وذكر الرمضاني، بأن النص لكي يكون جاهزا للعرض فوق الخشبة، يجب على المخرج أن يختار المنهج الذي سيقتفي أثره في تقديم العمل، حيث تتعدد المناهج وأساليب المعالجة، فإما بشكل ساخر، أو كوميدي، أو درامي.. وكل هذا من أجل أن يكون العرض ناجحا.
وأنهى المتحدث كلمته، بالإشارة، إلى أن العمل المسرحي يجب أن يكون متوفرا على عنصر التخييل، حتى يحرك المتلقي ذهنه، لاسيما وأن المخرج يترك بعض الفراغات للجمهور الذي يتكلف بمهمة ملء هذه الثقوب، موضحا بأن البياض من سيم النص.
والمداخلة الأخيرة في الندوة كانت من نصيب الممثلة لطيفة أحرار، التي انطلقت في مداخلتها من التجارب الشخصية فوق الخشبة، وكذا الأعمال التلفزيونية التي شاركت فيها، مبرزة بأن النص المسرحي بالرغم ما يمكن أن يقال عنه، فهو الآخر يبقى جنسيا أدبيا.
وأوضحت لطيفة أحرار، بأن العلاقة التي تجمع النص والخشبة، هي علاقة جدلية، مشيرة إلى أن النص المسرحي هو إبداع أدبي، ولتحويله إلى عرض فوق الركح، فهو في حاجة إلى اجتهاد في التشخيص من خلال اللعب بلغة الجسد، كما أنه في حاجة إلى الإضاءة، وحوار قوي..
وقالت أحرار، إنه أثناء مرحلة الدراسة يجب أن يمر الطالب الممثل من النصوص المسرحية الكلاسيكية العالمية، قبل أن يتمرس فيما بعد، ويشتغل على نصوص مسرحية محينة بحسب السياق والمكان، بحيث تختلف أساليب التعبير من وسط لآخر مغاير عنه.

< يوسف الخيدر

Related posts

Top