مغربية الصحراء من خلال الشعر الملحون

تميز شاعر الملحون كغيره من الشعراء ، بحس مرهف ، وإدراك سليم لما يدور حوله ، ودقة في ملاحظة ما يجري في مجتمعه . وهي مميزات تكاد تنسحب على كل شاعر وفنان .. وإذا ما تحققت فعلا ، فإنها حرية أن تشده إلى تلك القضايا والمشكلات التي يعيشها . ولعل مشكلاته الخاصة لا تنفصل عن مشكلات وقضايا وطنه . ومعلوم أن كثيرا من الأشعار قد ارتبطت عبر العصور وفي مختلف البيئات بقدر هائل من القضايا والمشكلات .. فكل مجتمع كان وما يزال ، له قضاياه المحلية الخاصة .. ومن هنا يتضح مدى التزام الشاعر بالتعبير عن هذه القضايا ، والتزامه يتضح في مدى انهماكه وفهمه لها ، واتخاذ موقف منها . لذلك ، فالتزام الشاعر بموقف ما ، أمر طبيعي وضروري حتى يكون لشعره وزن وقيمة وفعالية .
ويبدو بديهيا أن يكون موقف الشعر الملحون ، هو نفس الموقف العام . وإذا كان الهدف البعيد للشاعر هو تحقيق الانسجام بينه وبين مجتمعه ، فانه إنما يعبر بذلك عن الهدف الذي تسعى الجماعة نفسها إلى تحقيقه . لهذا ،” كانت الأحداث الحربية السياسية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية تبعث الشاعر الشعبي على الأمل ومحاولة البحث عن الأسباب والمسببات واستخراج العظة والعبرة ، يغلب فيها عليه أن يعتبرها قضاء وقدرا من الله ، وأن يقف منها موقف الضعيف العاجز، متألما باكيا رافعا أكف الضراعة الى الله أن يفرج الكرب ويجود بالعفو .. ” وحتى لا ننسى ، فقد سجل التاريخ بفخر واعتزاز كبيرين كفاح الشعب المغربي بكل فئاته إلى جانب ملوكه ، من أجل وحدة التراب الوطني من الشمال إلى الجنوب .. وهو أمر أكدته غير قليل من الوثائق التاريخية والمستندات الوطنية والأجنبية .
وخير دليل على ذلك ، هذه الوثيقة التي بين أيدينا وهي تؤكد على مغربية الصحراء والتي تفيد بأن ساكنة تندوف لا ترغب في المشاركة في تقرير حق مصير الشعب الجزائري من الاستقلال عن فرنسا ، بداعي أنهم ليسوا جزائريين بل مغاربة .
ولا يخفى على أحد ، أن المغرب كان دائما مستهدفا ،نظرا لموقعه من جهة ، ولما حباه الله من نعم وخيرات من جهة ثانية . فليس من الغريب إذن أن تتطلع إليه أطماع الغير . لكن بهمة ملوكه وقوة شكيمة شعبه ، ظل المغرب صامدا أمام كل الأطماع والإكراهات والتحديات . ولعل التاريخ خير منصف للمغرب رغم أطماع الطامعين وحقد الحاقدين . وليعلم هؤلاء وغيرهم أن الصحراء كانت دائما مغربية .. لولا ما أصابها من أطماع أجنبية ، حيث تزايد الاهتمام بالسواحل الجنوبية للمغرب ، وذلك انطلاقا من اتفاقية
” الكوسباس ” بين البرتغال وإسبانيا ، ثم معاهدة ” سانترا ” التي وقعت بين الطرفين المذكورين سنة 1494 .. وعلى هؤلاء وأولئك أن يعلموا بمختلف الزيارات التي كانت لملوك المغرب نحو الصحراء لتفقد رعاياهم هناك . ونشير في هذا الصدد إلى زيارة السلطان السعدي سنة 1543 حيث قام بتعيين ابن عزوز واليا عليها ، كما عين السلطان أحمد المنصور الذهبي ابنه أبا فارس خليفة له على الصحراء عام 1580 .. ويذكر التاريخ أن السلطان العلوي مولاي إسماعيل قد وصل إلى تخوم السينغال ، وصاهر أهل شنقيط ، حيث عقد على السيدة خناثة ابنة الشيخ بكار المغافري ، وهي أسرة معروفة بالصلاح والاستقامة وحين زيارته للصحراء عام 1678 اجتمع برؤساء القبائل الصحراوية وعين منهم الولاة والقياد ، كما نصب ابنه عبد المالك خليفة على ما وراء درعة .. دون أن ننسى كذلك زيارة المولى عبد الله سنة 1730 وزيارة ابنه سيدي محمد بن عبد الله عام 1755 . وفي عهد المولى عبد الرحمن ، وقعت معاهدة تسمح لإسبانيا بالصيد على طول الساحل الصحراوي وذلك سنة 1779 ، وهي المعاهدة التي حفزت الأسبان على احتلال الصحراء المغربية .
وتتوالى زيارة الملوك المغاربة للصحراء ، حيث قام السلطان الحسن الأول سنة 1880 بزيارتها للتأكيد على استمرارية الروابط بين شمال المغرب وجنوبه الصحراوي متوغلا فيها إلى أن نزلت جيوشه بالساقية الحمراء متفقدا أحوال رعيته هناك .. وكان في زياراته للصحراء يقوم بتعيين الولاة والقياد ويستمع إلى شكاوى المواطنين من التعسف الذي يلاقونه من الإسبان ومحاولاتهم اغتصاب واحتلال هذا الجزء من الوطن .
إضافة إلى ما سبق ، فقد أرسل السلطان مولاي عبد العزيز وفدا إلى الصحراء بغية تنصيب بعض المسؤولين من قياد وموظفين وتسليمهم ظهائر تعيينهم . وهكذا ، حلت هذه البعثة بمدينة السمارة واجتمعت بالشيخ ماء العينين أحد أعيان الصحراء ” الذين رفضوا المساومة في قضية وحدة المغرب الترابية ، وعانوا من أجلها النفي والبعد عن الوطن ” .
وحين تمت المعاهدة الفرنسية في شأن المغرب سنة 1911 ، وضعت خريطة لتحديد البلاد المغربية ، فكانت تحد بالجزائر وإفريقيا الوسطى والسينغال .. وتدخل في الحدود بطبيعة الحال الصحراء المغربية
ولهذه الوثيقة وزنها وقيمتها ، فهي تؤكد مغربية الصحراء بكل ما في الكلمة من معنى .
والأمر سيان على عهد المغفور له محمد الخامس ، إذ مباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله ، طالب في خطابه يوم 25 فبراير 1958 في محاميد الغزلان بضم موريتانيا التي كانت لا تزال تحت نير الاستعمار الفرنسي إلى المغرب ، معبرا عن تشبث المغرب بصحرائه . وللتذكير ، فقد استقبله وجهاء وشيوخ وممثلي القبائل الصحراوية لتجديد البيعة والولاء . وفي 11 أبريل عام 1981 ، زار الحسن الثاني قدس الله روحه المنطقة نفسها أي محاميد الغزلان وقال في خطاب ألقاه هناك : ” إن الذاكرة ترجع بنا إلى الوراء سنة 1958 حينما زاركم والدنا المنعم محمد الخامس ، وإننا لنذكر تلك الزيارة باعتزاز، لأن من هنا انطلق صوته رحمة الله عليه مطالبا باسترجاع الأراضي المغربية حتى تتم الوحدة الوطنية .
ولا ننسى أيضا ما جاء في خطاب المسيرة الخضراء لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله يوم 06 نونبر من سنة 1917 ، حيث ذكر بخطاب جده محمد الخامس في محاميد الغزلان قائلا بأن ” خطاب محاميد الغزلان شكل محطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية ..” ولا يغيب عنا خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله ورفضه لأي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه ، ومبادرة الحكم الذاتي التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها . كان ذلك بمناسبة تخليد المغرب للذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء . وهكذا يبدو كيف أن ملوك المغرب ظلوا دائما متشبثين بالصحراء من خلال تصديهم للغزو الخارجي للصحراء المغربية من جهة ، وللحاقدين الذين يكنون العداء لهذا الوطن ، إذ مهما فعلوا ، فلن يصلوا أبدا إلى مبتغاهم الفاشل .
وسيبقى المغرب دائما في مستوى رسالته التاريخية ، وهي رسالة من محاورها الأساسية الوحدة والسعي الحثيث إليها .
ومن هذا المنطلق ، كانت دعوة شاعر الملحون الى الجهاد ضد العدو الذي يسعى للاستيلاء على المغرب. لهذا يرى الحاج ادريس أن الأمل في الجهاد مع التقوى والصبر .. يقول :
ليس ايقوم لجهاد يا لامت لخوان دون التقوى امع الصبر هاذو باثنين ..
وعلاوة على ما سبق ، نذكر قضايا أخرى عبرمن خلالها شاعر الملحون عن مواقفه اتجاهها ، كقصيدة الشيخ اسماعيل المراكشي، حين فرضت فرنسا أول ضريبة على المغاربة ، وقصيدة الشيخ بن عمر في ” أزمة البون ” ، وقصيدة أخرى في نفي محمد الخامس ، وغيرها من القصائد التي ترتبط بالوطن وغيره من بلاد العروبة والإسلام .
وهكذا يبدو كيف عاش شاعر الملحون متجاوبا مع مجتمعه ، مهتما بمشاكله وقضاياه ، وما يتعرض له من وقائع وأحداث.وكان لا بد لشاعر الملحون كغيره من الشعراء أن يستمر في رفع التحدي وإثبات
الحق لدويه إيمانا منه بسلامة مواقفه تجاه وطنه ، فلم يتوان عن الدفاع عن هذا الوطن ، وتبيان شدة ارتباطه بمختلف قضاياه الوطنية التي يعيش لها شعب يريد الاحتفاظ بمقوماته النفسية ، وذخيرته الروحية وطابعه الأصيل .. لأن الصراع الذي ظل محتدما مع الاستعمار ، قد ساعد على خلق جو موبوء ، غاظ المستعمر وأقض مضجعه وأقلق راحته ، فانبرى شعراء الملحون يعبرون عن آلام الشعب من جراء ممارسات الغطرسة الاستعمارية ، ويدعون إلى النضال والمواجهة . وقد واكب هؤلاء الشعراء ـ كما
رأينا قبل قليل ـ كل الأحداث ، وقاموا بدور التسجيل والتصحيح للحقائق التي قام الاستعمار بتزييفها ومحوها ، فصوروا في شعرهم حبهم لوطنهم وتعلقهم بوحدته الترابية ، وتغنوا بغد أفضل تسوده الحرية ويتاح فيه للمغاربة أن يتفتحوا على الخير والسلام . يقول الشيخ محمد الرباطي :
حين ايتوك البدر عل الوطان ويبان سلطانا بن السلطان روح لوطان
به الوقت ادعا وحان يا إنســــــــان لنا ادنا اهلا وسهلا مرحبا بمجيه
جميع السرور تكمل به ونطرب به ونرنن فقصايد ونفخر بـــــــــــــه
في اوطانا وانقول أسعدي بــــــــــه سعد الحال حان السرور واحتفال ..
نعم، لقد استطاع شاعر الملحون أن يرسم المعالم التي تبرز المناضل المغربي الدي كتب تاريخ بلاده
بدمائه الزكية ، وببطولته المستميتة ، وهي لا شك بطولة مغربية أصيلة ، لا تعرف البوار ولا الهوان .
يصور شاعر فاس العيساوي الفلوس هده البطولة قائلا :
هومن اغرس فالوطن غرس امحكم بحكمتو الحاكم الحكيم اللنعــــــدم
هو المهتم بالوطن واعزم واقــــــدم وارمى روحه لا خشى قول اللوام
هومن وقف للعدا فالحلق اعظــــــم هو روح المغاربة من غير امــلاح
هو الشجيع الزمان البحر اللطــــــام هو السيف الصقيل أفساعة اللطــام ..
ولعل ما زاد من مضاعفة اهتمام شاعر الملحون بقضايا وطنه ، قضية الصحراء المغربية ، إذ كلما
سمحت له الفرصة للتعبير والأكيد على مغربيتها ،إلا ونظم في ذلك ما يمكن أن يظهر للعالم حقيقة الأمر ، في عزم لا يلين وإرادة قوية ، حافزه في دلك حماسه الوطني وإيمانه الصادق بوحدة وطنه.
لهدا ، مند الإعلان عن المسيرة الخضراء سنة 1975 التي توجت باسترجاع الصحراء المغربية إلى حظيرة الوطن ، وشاعر الملحون لا يفتأ يذكر بمغربيتها وبما أصبحت تعرفه من منجزات وأعمال جليلة
ودلك على الرغم من الروح القبلية التي كان الاستعمار وأذنابه يذكونها ، لأن سكان الصحراء كانوا دائما
يعتقدون ويؤمنون بأن مستقبلهم في الانضمام إلى باقي تراب المغرب المحرر ، لترا بطهم به روحيا وسلاليا وتاريخيا ودينيا من خلال عقد البيعة .

ومن هذا المنطلق ، هب شاعر الملحون للدفاع عن الوحدة الوطنية ، مؤكدا على مغربية الصحراء من خلال ما عرفه هذا الجزء الجنوبي من وطنه من منجزات أشرق بها تاريخ أمتنا المغربية ، فظلت وضاءة لا تزيدها الأيام إلا جدة وإشراقا . وإلى هذا يشير الشاعر مولاي إسماعيل العلوي سلسولي بقوله :
عمت البشرا في اخطاب الحسن بلفاظ ظاهرا امر شعب ايزور صحـــــرا
مغربية معرقة بشواهـــــــد أبرهــــــان
وشاعر الملحون وهو يؤكد على مغربية الصحراء ، ويعتبرها جزء لا يتجزأ من الوطن قادر على أن يفدي صحراءه بكل غال ونفيس ، ودون مساومة ، إذ للمغرب جنوده الأشاوس الذين يقاومون العدو كلما دعت الحاجة إلى ذلك ، ومن يريد معرفة ذلك ، فليسأ ل عن معركة ” كلتت زمور ” و “الزاك ” و” بئر أنزران ” .. يقول الشاعر :
نفدوا الصحرا ابكل غالي ما فيها شي محاورا
امع قومان قجرا القات اجنود تقاوم في كل أوان
لمعارك كبـــــرا سل كلتت زمور لجيوش قاهرا
عديان إلى تجي فخطـــــــرا فالزاك اسمعت ما وقع وفبير أنزران
في عيد الصحرا كتقدم مشموم بنسام عاطـــــــرا ..
ويواصل شاعر الملحون حديثه عن الصحراء ، مبرزا استعداد الشعب للتضحية من أجل إثبات الحق وإزهاق الباطل ورد ظلم البغاة الظالمين الذين تجرعوا كأس الغصة . يقول الشيخ الحاج عمر البوري :
قام الشعب للفدا سرع صغيرو وكبيرو شبل وسبع
على عديان الدين نفكع يغضب ويخرب ما رضا طمع
وزعيمو ذكي عبقري شجيع ورثها عن جده راكب المنــع
والظالم نبشع ذاب بالفزع يبكي للغصة كاسها جــــــــرع
إننا كلما تعمقنا في مثل هذه الأبيات ، بدت لنا الأهمية الخاصة التي كان يفردها شاعر الملحون للوحدة الترابية والتأكيد على مغربية الصحراء ، وكأن شعورا قد تيقظ فيه ، فجعله يتطلع أكثر فأكثر إلى سلام
شامل يعم وطنه ، مؤكدا على تمسكه بحقه ، آ ملا أنه سيبلغ مراده .. يقول الشاعر عبد المجيد وهبي :

ويعم السلام كل بقعة واتقر اعياني
بتحرير كل ابلاد باقية حقنايرجع لنا
حقنا به متمسكيـــــــــــــــــن
ابجهد الله واخليفتو فأرض الحسن الثاني
أبعزيمة ارجالنا ورايسنا اللي حامينــــــا
انبلغوا ما احنا قاصــــــد يــــــــــــــــــن
ويشير الشاعر الجيلالي الشبابي إلى أن الصحراء مغربية مهما كان الأمر ، وستبقى كذلك بعد أن تم تحريرها من يد العدو . . إذ لا بد من أن تحظى هذه الصحراء بما كانت تنعم به سابقا ، أي قبل أن يستبد
بها المستعمر . يقول :
حرر الصحرا ولم لخـــــــــــــــــوان وحــد أرضنـا وجمعنـي بخوانـــــــي
رجع الصحرا كيف كانت ساير لزمان الصحرا مغربية وصاينا فيها عشراني
من أرض المغرب ما تزول من قادم للآن
كانت مغصوبة منا وفيد العديــان لكن الملوك ليس يرضا وا لختــــــــــلا ني
لكن الملك العظيم حين ادوا بلسان قال الصحرا ديالنا ترجع لوطـــــــــــــا ني..
ومن هذا المنطلق ، كان التعبير الصادق عن فرحة المغاربة بانطلاق المسيرة الخضراء نحو الصحراء ،
وهي فرحة تحمل أكثر من قيمة ومعنى ، لما لا قته هذه المسيرة من قبول منقطع النظير ، من أقصى المغرب إلى أقصاه .. يقول الشيخ الحاج عبد الله بنحيدة :
مسيرا مختــــــــــارا فحفظ الله المعين جابت النصـــــــر
لبطال المغرب زاهرا ولاملكنا المحبوب عينو يا منــــــان
نادى بجهــــــــــــــارا أمام الملأ ما بقى اصبر تكوين المسيرا الخضرا
تبقى تاريخ من بعد جيلنــا عــــــــز وشـــــــــــــان
عمت لبشـــــــــــــارا لا واحد فالشعب اتخلى عل لهجــــــر
فخطاب البهج الحمرا نهضت لفواج من كل انواح بالشجعا ويمان
حضرت ليغـــــــــارا واشتركوا فالمسيرا من كل اقطـــــــــــر
أهل الإيمـــــان واهل الغيــــــــــرا دول الشرق والغرب وهل السودان ..
وإلى ذلك أيضا يشير الشاعر مولاي اسماعيل العلوي قائلا :
بالتباته والمسيرة تسير بوفود العربــــــان شاركونا حتى لعجام معجزة فزمانــــي
وبعدها رجوع الصحرا يشمل لعيون فأمان والسمارة واد الذهب ما ابقى شي براني ..
وهكذا ، ينعم هذا الجزء من الوطن بنعمة الحرية بعد أن سلبته يد الاستعمار الغاشم .. يقول الشيخ ناصح الفيلالي :
صحرتنا برضاك اتسر لنظار صحرا حرة بنعايم متمورا
ولم يخف شعراء الملحون فرحتهم وحبهم العميق بعد أن تحررت الصحراء المغربية و تم التلاقي مع الإخوة والخلان بعد فراق طويل .. فهم اليوم ـ كباقي أفراد الشعب المغربي ـ لن يدخروا جهدا فـــــي
المساهمة في تنمية هذا الجزء من الوطن الذي ظل سليبا لفترة زمنية سحيقة . يقول الحاج عمر بوري :
فرحي يا صحــــرا حررك الحسن التقي
بعد اسنين من الفــــــــــــراق
تقدير الحي الباقي وحبك لنا فالاعمــاق
نتمناو التلاقـــــــي تشمرنا ليك لاشواق
من بين يدين اللي تــــــرق
ودخلوا بالنفاقـــــي ليك حنا واجب نعتاق
اتولي جنة بسواقــــي ومصانع شــلا رواق
في غاية الروناقـــــي وقداك حنا باللي صداق
علمنا نعم الراقـــــــي بالمسيرا قـال نسبـــــاق
ياك الصحرا سطال عزنــــــا
وكتاب الله ارفاقــــــي لا غيره لنا ارفـــــــاق
كممنا الشداقــــــــــــي وكسرنا لعدونا الســاق
الساق ولهنا كم الاســــــواق
و لا ينسى الشاعر محمد نجمي الروداني أن يحيي صلة الرحم مع احبابه وعشيرته بالصحراء :
واليوم أنا قررت نوفي بوعدي نحيي صلة الرحم وما نروم أدا
وإذا جاروا وتعداوا ، نوجد زندي نطلب منهم شرع الله قبل ما نبدا
والشعب كله مستعد بروحه يفدي المسيرة د السلام هدف ومبــــدا
لكن وللأسف ، لم يكن استكمال الوحدة الترابية للمغرب ، يرضي بعض الأطراف الجاحدة التي تتنكر لمغربية الصحراء .. ومثل هذا الأمر ، أجج نار الثورة والتمرد في نفس شاعر الملحون الذي لم يتردد
في الرد على هؤلاء على حد ما نجد عند الشاعر محمد نجمي :
الجاحد يلقى فعله منحـــوس حقده في عضاه يفصل نار ما تخبا
هذا غير الجار فيه جاره تنكر للخير
ورسل كلابه الحايـــــــــــــــــــــرة
دا المرتزقة النازقة قومان التزويـــر
ورجعه بفلول خايـــــــــــــــــــــرة
وخابت ظنون الذي دعا بالتدميـــــــر
ظلت اخبـــــاره مواتــــــــــــــــرة
وضحت اخـــــلا قـــه امكــــــــدرة
وفاتو باللي انجاحنا صدر عن تفكير
و إحاطة بالسر مـــا جـــــــــــــرى
لعياد بالله من الحقد إذا ملك الغيــــــر
وجعل اعصابه امـــــــوتـــــــــــــرة
لكن احنا اقلوبنا رطبة من الحريــــــر
وبالأخوة امنــــــــــــــورة ..
وأمام هذا الجحود والنكران والتسويف نحو القضية المغربية ، يكشف شاعر الملحون على أن للصحراء أبطالا يردوا عنها كيد الكائدين ، مشيدا بالجنود المغاربة الساهرين على الدفاع عن ترابه ووحدته ..
يقول شاعر الملحون :
فتخوم الصحرا ابطالها هبوا للتطهير
وقاموا بعمال سارة
ديما بالمرصاد ما منعهم حـــر الهجير
على أننا ينبغي ألا نفهم أن مثل هذا الأمر حديث العهد ، بل منذ فترة طويلة ـ خاصة بعد أن سلب
المستعمر أرض الوطن وعتا فيها عتوا كبيرا ـ لم يفتأ الجيش المغربي تحت إشراف ملوكه وقادته ، يدافع
عن حوزة الوطن ، وفي هذا الجزء الصحراوي بالذات ، وهذا ما يؤكده شاعر الملحون الشيخ مولاي اسماعيل العلوي بقوله :
هاذوا ملوك صايلين فالمملكة الزاهرا نقدوا لعباد
داروا همة أوفايـــــــــــــدا
على قوم الجور بالجيوش المغربية الصامدة طول الأبـــــــــــــــاد
واليوم باقي امجــــاهــــــدا
فالصحرا تفني كل من جا لحداهـــــا
من اصحاب البهتان والكذوب ابغاوا الصحرا اتكون عندهم هي لبلاد
هيهات للقوم ناكـــــــــــــــــــدا
اجنود المغرب –مع الحسن ارعاها..
وهكذا يستمر شاعر الملحون معتزا ومتباهيا باستكمال الوحدة الترابية ، كلما سنحت الفرصة ، واتيح له التعبير عن ذلك ، على حد قول الشيخ محمد بن ابراهيم نجمي في قصيدة له بعنوان :” بعيدك زهرات لقلوب ” :
عيد عرشك يا من وحدت التراب واسترجعتي أراضينا السليبـــــا
عيد فيه نمجدو جهادك باسهاب والجاحد يظفر فجحاده ابخيبــــا
الصحرا لي كانت من قبل اخراب رجعت فيامك ياثاني اخصيبــــا
وضحا للأمن في ربوعها استتباب وفي الحدود جيوشنا موجدة الوتبا..
أما محمد العلمي ، فلا يزال ينتشي بروح الوحدة الترابية واسترجاع المغرب لجزء من أرضه ظل مغتصبا لسنوات عديدة .. يقول :
عدنا أمة اموحدا ببياني فرحنا امنور ســــانـــــــــــــــــــــــي
وإذا كان المغاربة قاطبة ، يحافظون بجدية وفعالية على صلاتهم بالصحراء المغربية ، فإن حفاظهم عليها يظل دائما حقيقة قائمة تابثة ، ولم يكن مرد ذلك راجعا إلى الإيمان بوحدة الواقع الجغرافي والسلالي واللغوي ، ولكنهم ما انفكوا يعتبرون الوحدة الترابية لوطنهم كيانا قائم الذات .
ولعل شاعر الملحون كان أحسن من غيره في التعبير عن مثل هذا التوجه الوحدوي .. وفي هذا الصدد يرى الشاعر عبد القادر برادة أنه باستكمال الوحدة الترابية واسترجاع الصحراء المغربية ، زالت الأحزان وارتاح الفؤاد وتعانق الإخوان ، بينما أصبح أعداء الوحدة في كدر وحزن ، يقول :
زالت لحـــــزان وزالت لشواك ولحجــــر
والفؤاد ارتاح والفكر وتعانقت لخــــــــــــــوان
والحساد صبحت كــــــادرا
فتراب الوطـــــــن تتعانق الشمس ولقمــــــــر
والفرحة فقلوبنا اكثر بارك يا رحمــــــــــــــــان
وحفظنا يا خالق لــــــو ر ا …
وهكذا تتبين هذه الملامح ا لــوحدوية التي دعا إليها شعراء الملحون من خلال ما نظموا من قصائد تطفح بالعمق الوحدوي المتجذر في نفوسهم .. وهي فلسفة شعبية ” تقوم على الالتحام بين الأفراد بعضهم مع بعض في المجتمع الواحد من جهة ، ومن جهة ثانية ، الالتحام بين هذا المجتمع كأفراد ، وبين الأرض التي يعيش عليها هؤلاء الأفراد .. ”
وحين إلى شاعر الملحون على نفسه التركيز على مغربية الصحراء في شعره ، إنما كان يسعى إلى إبراز ما في روحه الشعبي من رؤية خاصة قائمة على تقديس ذلك الرباط الذي يجمع ” بين المجتمع والأرض والدفاع عن هذه الأرض التي يعيش عليها ذلك المجتمع ..”
ومن هذا المنطلق ، عبر شاعر الملحون عن أصالة فكره ، على اعتبار أن الأصالة إبداع ، والأديب الأصيل هو ” الذي يبدع أشياء تجد نفسها أو تجد صدى لها عند متلقين لهم نفس الأحاسيس ونفس المكامن والمشاعر ” . وبذلك يحصل التجاوب والانسجام ، ومن أجل هذا ، وجدنا شاعر الملحون يخدم مختلف قضايا وطنه .. فقد كان دائما معبرا عن هذه ا لقضايا ، ومناضلا قويا لا تلومه في الله لومة لائــم.

<إعداد : الدكتور منير البصكري الفيلالي*

* أستاذ التعليم العالي ـ أسفي

Related posts

Top