مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 17-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

انخرط الناس في التنبؤات المتعلقة بالمجيء الثاني للمسيح

لا يعرف معظم الناس أنّ الانتفاضات المسيحية الحربية كانت شائعة

في أوروبا بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، كذلك كانت في فلسطين في العهدين اليوناني والروماني. ولا يعرفون أنّ الإصلاح البروتستانتي كان في جوانب عدة نقطة الأوج أو نتيجة ثانوية لهذه الاضطرابات المسيحية. كما كان الأمر ينطبق على ما سبقه في فلسطين كان اندلاع الحماسة المسيحية في أوروبا موجها ضد احتكار الثروة والسلطة اللتين تقبض عليهما الطبقات الحاكمة. وتفسيري لهوس السحر هو أنه كان مبتدعا وبرعاية الطبقات الحاكمة كوسائل لقمع هذه الموجة من الخلاصية المسيحية.

ليس الأمر مصادفةً أن يحظى السحر بهذه الأهمية المتزايدة جنبا إلى جنب مع الاحتجاجات المسيحية العنيفة في مواجهة المظالم الاجتماعية والاقتصادية. أذن البابا باستخدام التعذيب ضد الساحرات قبل وقت قصير من الإصلاح البروتستانتي، ووصل هوس السحر إلى أوجه في أثناء حروب وثورات القرنين السادس عشر والسابع عشر، التي رسمت النهاية لعهد الوحدة المسيحية.

بالنسبة إلى الجماهير الأوروبية، كان العبور من الإقطاع إلى الملكيات الوطنية القوية مرحلة شديدة التوتر؛ إذ دفع تطور التجارة والأسواق والمصارف ملاك الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال إلى إقامة المشروعات الهادفة إلى الحصول على الحد الأقصى من الأرباح. ويمكن أن يتم ذلك من خلال تحطيم العلاقات الأبوية المحدودة التي تميز ملكيات المزارع الإقطاعية وبلدات القلاع فحسب. لذلك تعرضت حيازات الأراضي للتقسيم، وحل الفلاحون المستأجرون والمرابعون المحاصصون محل الأقنان والخدم، وتحولت الإقطاعات ذات الاكتفاء الذاتي إلى زراعة المحاصيل المربحة. وهكذا فقد سكان الريف الأجزاء من الأراضي التي كانوا يعيشون منها ومساكنهم العائلية، واندفع عدد كبير من الفلاحين المحرومين الذين سعوا للحصول على وظائف مأجورة إلى الضواحي ومنذ القرن الحادي عشر وما تلاه، صارت الحياة أكثر تنافسية، وأكثر بُعدًا من الشخصانية، وذات طابع تجاري محض، محكومة بالربح بدلا من الأعراف.

عندما تفاقم الإفقار والاغتراب انخرط كثير من الناس شيئا فشيئًا في التنبؤات المتعلقة بالمجيء الثاني للمسيح. ورأى كثيرون نهاية العالم تتكشف أمام أعينهم من خلال خطيئة الكنيسة وترفها واستقطاب الثروة، والمجاعات والأوبئة، وتوسع الإسلام، والحروب المتواصلة بين الفصائل المتنافسة في أوروبا عصر النبلاء.

كان يواكيم الفيوري هو المنظر الأول لخلاصية أوروبا الغربية، الذي اعتُبرت منظومته النبوئية من المؤرخ نورمان كوهن «المنظومة الأكثر تأثيرًا في أوروبا حتى ظهور الماركسية». واكتشف يواكيم الذي كان رئيس دير كلابريا، بين عامي 1190 و 1195 كيف يحسب الموعد الذي سيفسح فيه عالم المعاناة الحالي المجال أمام مملكة الروح. اعتقد يواكيم أن العصر الأول للعالم كان عصر الأب، والثاني هو عصر الابن، والثالث هو عصر الروح القدس. أما العصر الثالث فيجب أن يكون يوم السبت أو زمن الراحة، حيث لن يكون ثمة حاجة إلى الثروة أو الملكية أو الكدح أو الطعام أو المأوى؛ سيكون الوجود روحانيًا خالصًا، وستكون الحاجات المادية كلها غير ضرورية وسوف يُستبدل بالمؤسسات الهرمية كالدولة والكنيسة مجتمع حر مؤلف من المكتملة. وتنبأ يواكيم أن عصر الروح سيبدأ بحلول عام 1260. سيصبح التاريخ غاية لعدد من الحركات الخلاصية الحربية المستندة إلى الإيمان بأن الإمبراطور فريدريك الثاني (1194-1250) هو الذي سيفتتح العصر الثالث.

تحدى فريدريك علنا سلطة البابا، الأمر الذي تسبب بوضع مملكته تحت الحظر والتحريم البابوي للمعمودية والزواج والاعتراف والطقوس الدينية الأخرى. جاء الدعم لفريدريك من الجناح الفقير المتعصب للنظام.

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top