مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 21-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

مهرجان الشتاء

يحمل بعض أنماط الحياة المحيرة الموجودة في المتحف الإثنوغرافي  العالمي أو معظمها، آثارًا تدل على وجود ميل معروف باسم «ابتغاء المكانة الرفيعة». يبدو أن بعض الناس يتوق إلى الاستحسان كما يتوق آخرون إلى اللحوم. والأمر الذي يبعث على الحيرة ليس تعطش الناس إلى الاستحسان، بل أن يصبح هذا التوق أحيانًا قويًا جدًا لدرجة البدء في منافسة بعضهم بعضهم الآخر بغية الحصول على مكانة رفيعة، كما يتنافس الآخرون على الأرض أو البروتين أو الجنس. حتى إن المنافسة تصبح في بعض الأحيان شرسة لدرجة تبدو فيها غاية بحد ذاتها. وبعد ذلك تتحول إلى هاجس بمعزل عن الحسابات العقلانية للتكاليف المادية، وبشكل متعارض تماما معها.

عزف فانس باکارد على وتر حساس عندما وصف الولايات المتحدة بأنها أمة من الساعين المتنافسين على المناصب. ويبدو أن كثيرين من الأميركيين يمضون حياتهم كلها منهمكين في تسلق أعلى الهرم الاجتماعي بغية إذهال بعضهم الآخر وحسب.

ويبدو أننا نهتم إلى حد كبير بالعمل من أجل حتّ الناس على الإعجاب بثرواتنا وليس من أجل حصولنا على الثروة الفعلية عينها، التي غالبا ما تتألف من حلي الكروم والمقتنيات الباهظة أو عديمة الفائدة. من المدهش كم هم الناس جاهزون للكد من أجل الحصول على ما وصفه ثورشتين فبلن باللذة البديلة لكون المرء خطاء بالنسبة إلى أعضاء طبقة لا يتعين عليها أن تعمل. تنقل عبارات فبلن اللاذعة الاستهلاك الاستعراضي» و«التبديد الاستعراضي شعورًا برغبة شديدة وغريبة في أن مواكبة المعارف» تتجلى في التطوير المتنامي الدؤوب في صناعة السيارات والأجهزة والملابس. فوجئ علماء الأنثروبولوجيا، في وقت سابق من القرن الحالي، باكتشافهم أن بعض القبائل البدائية تشارك في الاستهلاك الاستعراضي والتبديد لاستعراضي إلى درجة لا يضاهيها حتى أكثر الاقتصادات الاستهلاكية الحديثة المغالية في الإسراف كان الرجال الجشعون التواقون إلى المناصب ينافس بعضُهم بعضهم الآخر لنيل الاستحسان عبر إقامة ولائم ضخمة. ويقوم أصحاب الولائم التنافسية بعضهم بناء على مقدار الأغذية المقدمة، ولا تكون الوليمة ناجحة ما لم يتمكن الضيوف من تناول الطعام إلى أن يصيبهم الخدر ويذهبوا مترنحين إلى الأحراش، حيث يقحمون أصابعهم في حناجرهم حتى التقيؤ، ثم يعودون طلبًا للمزيد.

اكتشفت الحالة الأكثر غرابة من بين حالات البحث عن المكانة بين الهنود الحمر الذين سكنوا سابقا المناطق الساحلية من جنوب ألاسكا وكولومبيا البريطانية وواشنطن. هناك مارس الباحثون عن المكانة ما يشبه حالة هوس في الاستهلاك الاستعراضي والتبديد الاستعراضي، أو ما يُعرف باسم مهرجان الشتاء. يقوم مهرجان الشتاء على التنافس بين اثنين حتى يمنح أو يتلف أحدهما ثروة أكثر من الآخر. فإذا كان القائم على مهرجان الشتاء زعيما قويا، فإنه يحاول إلحاق العار بمنافسيه وكسب الإعجاب الأبدي من أتباعه عبر إتلاف الغذاء والكساء والمال حتى إنه في بعض الأحيان ربما يسعى إلى المكانة الرفيعة من طريق إحراق منزله الخاص.

ذاع صيت مهرجان الشتاء من طريق روث بنديكت في كتابها أنماط الثقافة الذي يصف كيفية إقامة مهرجان الشتاء لدى الكواكيوتل، وهم السكان الأصليون الجزيرة فانكوفر. ظنّت بنديكت أن مهرجان الشتاء جزء من نمط حياة ثقافة الكواكيوتل المتأثر بجنون العظمة بشكل عام. كان مثل «كأس» منحها الله لهم ليتجرعوها فكثيرا ما كان مهرجان الشتاء يذكر بالاعتقاد القائل إن الثقافات هي إبداعات لقوى غامضة وشخصيات مجنونة. ونتيجة لقراءة أنماط الثقافة، خلص الخبراء في الكثير من المجالات، خلال محاولتهم تفسير أنماط الحياة من حيث العوامل الحيوية والدنيوية، إلى أن ابتغاء المكانة الرفيعة يخلق حالة من الفوضى.

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top