مناقشة كتابDésirs de ville» » واحتفاء بمؤلفه محمد الناصري قيدوم الجغرافيين وأحد بناة الجامعة المغربية العصرية

أولا: مبادرة محمودة لجمعية “سلا المستقبل” لتقديم الكتاب والاحتفاء بمؤلفه الأستاذ محمد الناصري

يعتبر تقديم الكتاب والاحتفاء بمؤلفه الأستاذ محمد الناصري، أطال الله في عمره، مبادرة محمودة، وتكريما مستحقا، لأحد بناة الجامعة المغربية العصرية “جامعة محمد الخامس”، وأحد قيدومي الجغرافيين المغاربة الذين تتلمذ على أيديهم مئات الباحثين في بداية مشوارهم الجامعي كأستاذ ومنسق لشعبة الجغرافيا بأول جامعة مغربية تبنى مباشرة بعد الاستقلال سنة 1957. وبهذه المناسبة، افتخر شخصيا كأحد قدماء طلبته في الإجازة (1968-1972) بشعبة التاريخ والجغرافيا، ثم كزميل له منذ التحاقي كأستاذ “مساعد” بكلية الآداب بنفس الجامعة سنة 1980، وكرفيق له، مناضل في النقابة الوطنية للتعليم العالي وعضو في الجمعية الوطنية للجغرافيين المغاربة.
يعتبر سي محمد الناصري، المربي والأستاذ الجامعي المقتدر والمفكر الغزير الإنتاج، من مدرسي الرعيل الأول الذين شيدوا أركان وبنية الجامعة المغربية الفتية. ومن الذين نهلوا العلم من كبار الجغرافيين، ومنهم جون دريش الذي تأثر به كأستاذ وباحث في الميدان، وجاك بيرك. من ميزة الباحث، أنه جغرافي منفتح على مختلف التخصصات المجاورة للجغرافيا في العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفي مقدمتها التاريخ، وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والاقتصاد وعلم السياسة… ولذا عالج مواضيع بحث تهم الظاهرة الحضرية، وقضايا الأرياف والجهوية من عدة جوانب.
ويرجع الفضل لسي محمد الناصري، في كونه كان أحد الذين ساهموا في مغربة الجامعة، وفي بناء القسم العربي بشعبة التاريخ والجغرافيا، إلى جانب فطاحل أساتذة الجغرافيا آنذاك، ومنهم المرحومين حسان عوض وأحمد الغرباوي، وعزيز أمين، وفطاحل أساتذة التاريخ المرحومين جرمان عياش، ومحمد زنيبر ومحمد حجي، والأحياء منهم عبدا لله العروي، وإبراهيم بوطالب، ومحمد القبلي وآخرين أطال الله في عمرهم. هؤلاء المفكرين الكبار هم الذين عاصروا أساتذة من عيار ثقيل في شعبة الفلسفة ومنهم العميد المرحوم محمد عزيز لحبابي (عميد كلية الآداب بالرباط)، وبكلية الحقوق الأساتذة عبدالعزيز بلال، وعبدالله ابراهيم، وعلال الفاسي، ومحمد الحبابي، وبالمعهد الزراعي بول باسكون، ولازاريف وعبدالكريم الخطيبي، وغيرهم من الأساتذة الذين نفتخر بهم، وبعلمهم والتزامهم كمفكرين ومثقفين عضويين لخدمة البحث العلمي، وبناء هياكل الجامعة المغربية بشعبها ومجالسها.
ولا يغيب عن الأذهان أن سي محمد الناصري، كان المبادر الأول لتأليف أول كتاب مدرسي في مادة الجغرافيا باللغة العربية، موجه لتلاميد الإعدادي بالمدرسة المغربية. ويعتبر من اهم المؤلفات الجغرافية المدرسية باللغة العربية، شكلا ومضمونا. وقد قدم لجيلنا كمدرسين للاجتماعيات التي عربت في مطلع سبعينيات القرن 20، خدمة تربوية وعلمية ومنهجية من مستوى عالي، سهلت علينا وعلى الجيل الذي جاء بعدنا تهيئ دروس الجغرافيا في المدرسة العمومية (1972-1980). الكتاب المدرسي المؤلف بالعربية، كان من تاليف جماعي بتنسيق سي محمد الناصري الذي سميت باسمه “سلسلة الناصري”. وشاركه في التأليف زملاؤه المغاربة آنذاك، أساتذة آمنوا بالمسألة التربوية والهوية الوطنية المغربية، وفي مقدمتهم زميله في التدريس إسماعيل العلوي أطال الله في عمره، والخلافي وعبد العزيز أمين رحمهم الله، وآخرين.
وكان تأليف الكتاب المدرسي فتحا مبينا بصم بمحتواه المغربي التقدمي الأصيل والمنفتح، أجيالا من شباب المدارس والثانويات العمومية المغربية. وقد تم تأليفه بالعربية، بعدما كان رائجا في الساحة الجامعية كتابان هامان باللغة الفرنسية من تأليف جماعي (كلهم فرنسيين فيما يخص جغرافية المغرب منهم مراتان وجوفير ومرير، ونوان، جون لوكوز، عوض … “Géographie du Maroc”. وفيما يخص تاريخ المغرب ساهم فيه عدد من المغاربة ومنهم ابراهيم بوطالب وعزيز أمين إلى جانب فرنسيين ومنهم برينيون “Histoire du Maroc”، وكان الكتابان متداولين لدى طلبة جامعة محمد الخامس بالرباط آنذاك، بشعبة الجغرافيا ولدى مدرسي الاجتماعيات بالثانوي.
إنه افتخار واعتزاز لنا بأن تتلمذنا على أيدي هؤلاء الرواد من الأساتذة الفطاحل، مباشرة في مدرج الإدريسي وقاعات المنوني رحمه الله، لتهيئ إجازة التاريخ والجغرافيا بكلية الآداب وبالعلوم السياسية بكلية الحقوق، في الفترة (1968-1972)، ومنهم استاذنا المحتفى به محمد الناصري الذي كان منسقا ورئيسا لشعبة الجغرافيا في تلك الفترة، قبل انتقاله مضطرا إلى معهد الحسن الثاني لمتابعة مشواره في البحث والتدريس لعقود، لظروف صعبة عاني من محنها التقدميون بالجامعة المغربية بعد “طردهم” منها، أمثال “شمعون ليفي”، وإسماعيل العلوي، وعبدالواحد الراضي. ولذا لم أتررد في المشاركة في مناقشة جانب من الكتاب “متع المدينة Désirs de ville”، الغني بأفكاره والمتنوع في موضوعاته والعميق في تحليلاته، إلى جانب زملاء لنا من الرعيل الثاني الذين حملوا المشعل، للاستمرار على نهج الرواد. وسأقتصر على مناقشة جزء من الكتاب حول “علاقات المدن بالبوادي أو “الأرياف”.
ثانيا: مناقشة في موضوع “علاقة المدن بالبوادي” (من كتاب: متع المدينة لمؤلفه المفكر الجغرافي الملتزم محمد الناصري، 2017)

أقسام الكتاب تعكس الحضور المكثف للباحث في المنتديات العلمية بالداخل والخارج

بداية، ومن خلال قراءة عامة لأقسام كتابه “Désirs de ville” يتبين حضور الباحث في عدة منتديات علمية وازنة بالداخل والخارج على مدى ثلاثة عقود أنجز خلالها 21 مقالات في الفترة (1980-2008). في هذا الصدد، أود أن اذكر بميزة لدى الأستاذ الباحث الجغرافي سي محمد الناصري، كجغرافي أصيل، بأفكاره واقتراحاته البناءة، وكباحث ومفكر ملتزم بقضايا وهموم المغرب خاصة، وقضايا الجغرافيا البشرية والجيوسياسية والتحضر السريع والتمدن عامة. وبحكم تجاربه العلمية وتمكنه من مادة تخصصه، استطاع أن يرقى إلى خبير دولي في قضايا وإشكاليات التمدن خاصة في البلدان النامية. ولذلك، كان مرحب به ومطلوب في مناقشة عدة مشاريع تنموية من قبل أصحاب القرار، عبر الاستشارة والتوجيه في مجال المدينة المغربية وعواقب التحضر السريع والتمدن الناقص، يعكسها محتوى الكتاب الذي نناقشه اليوم.
تميز المؤلف خلال حياته الفكرية بالشجاعة في انتقاداته الموضوعية لمالكي القرار، مع تقديم الاقتراحات العملية المساعدة على الحل، لكونه رجل ميدان لا يعيش في برج عاجي بعيد عن قضايا المجتمع، وخبيرا ساهم في إعداد عدة مشاريع تهيئة وإعداد التراب والتنمية بالمغرب. لذا كان يستشار في الداخل والخارج من قبل عدة مؤسسات وهيئات وطنية ومنظمات دولية. وقد أشار في عدة إحالات إلى مساهماته في بناء تلك المشاريع التنموية. وله قلم سيال في هذا المضمار، لا يتوقف عن الكتابة، كأحد رموز المدرسة الجغرافية الأصيلة، في تخصص جغرافية المدن والتهيئة والإعداد وصيانة التراث المعماري بالمدن القديمة، في علاقتها بالبوادي والأرياف. ولم يكتفي مؤلف الكتاب بمعالجة قضايا المغرب فقط، بل عالج في مقالات أخرى قضايا مغاربية وعربية وبلدان نامية تبرز ضمن هذا الرصيد الوارد في الكتاب، إضافة إلى القاعدة المفيدة من المصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في تحرير مقالاته، والتي تعكس همومه في جانب من البحث ومشاركاته بمداخلات في ندوات وطنية، ودولية، وموائد مستديرة ولقاءات علمية ومناظرات، انطلاقا من تجاربه المتعددة. وهو يمثل قوة هادئة في البحث العلمي، ينتقد ويعبر عن أرائه وأفكاره بدون إثارة زوابع. كما ظل الباحث مؤمنا بأن إشراك السكان في ابداء رأيهم وانخراطهم في مشاريع التنمية التي تهمهم وتبنيهم لها، هي قاعدة ومفتاح إنجاح تلك المشاريع…
على مستوى المنهج واللغة، يتميز الباحث بأسلوبه السلس والسهل الممتنع، خاصة في اللغة الفرنسية، وبوضوح الأفكار المعبر عنها، المتسلسلة في منطق علمي كباحث مؤمن بالتغيير المجتمعي، في الاتجاه الايجابي. بل يستنتج من كتاباته أن له رسالة مجتمعية؛ فهو لا يبحث من أجل البحث، بل لعلاج قضايا مجتمعية ومجالية ونظرية، وأساسا، إشكالية التمدن وعواقبها في الحاضر والمستقبل، خاصة في المغرب الذي عرف قفزة نوعية في نسبة سكانه الحضريين من 8% في مطلع القرن 20 إلى أزيد من 60% حسب إحصاء 2014.
علاقة المدن بالأرياف
من خلال أقسام الكتاب

لقد عالج المؤلف إشكالية الجهوية ودور المدينة والمدن بصفة عامة في هيكلتها (منذ 1988). (“التراب مقابل الجهة، والتخطيط الترابي والسلطة الجهوية”) منتقدا الدولة التي تخشى من تفويت جزء من اختصاصاتها كمركز، لبناء سلطة جهوية، في إطار اللامركزية واللاتمركز في هياكل الدولة.. كما عالج مختلف التجارب في البلدان المغاربية الثلاث مقارنا بين تونس والجزائر والمغرب فيما يخص هيكلة المجال عبر التقسيم الإداري، عبر التسميات التي اطلقت على الوحدات الإدارية، الذي كان يهدف إلى مراقبة التراب. ويبرز ما نتج عنه من تباينات وتفاوتات جهوية واختلالات مجالية. ويفسر أسباب فشل بناء مغرب كبير، نظرا لضعف التنسيق الاقتصادي والتنافر السياسي والأديولوجي وعوامل أخرى، رغم التكامل الواضح بين اقتصاديات الدول المغاربية.
وقد تناول مؤلفه، مجمل قضايا المدينة في علاقتها بالأرياف خلال ثلاثة عقود من الزمن: مترجمة في محتوى أقسام كتابه “متع المدينة” باللغة الفرنسية: من الريف إلى الحضر، والتحضر والمجتمع والثقافة، ومن الواحة إلى المدينة وعلاقات المدينة بالبادية، وختمها بالمقال المحرر باللغة العربية عن تاريخ مدن المغرب…
ونظرا لمساهمته العلمية والعملية وتتبع البرامج الدولية، تمكن من إشراك الباحثين وقراء الكتاب في الاطلاع على تجارب عالمية متباينة، فيما يخص العلاقة بين البوادي والمدن، وأساسا في البلدان النامية بمختلف القارات. وقدم أمثلة حية عن سياسات ذوي القرار عندما غلبت في سياستها كفة المدينة على البادية (تجربة ايران زمن الشاه) أو العكس (تدمير المدينة) زمن حكم الخمير الحمر، بالكمبودج منتصف السبعينيات من القرن الماضي؛ وغيرها من التجارب المتعددة بالهند ودول امريكا اللاتينية (البرازيل والمكسيك) ودول آسيوية كالفتنام والصين والهند، ودول افريقية (تانزانيا والمزنبيق). وهي تجارب غنية تفيد القارئ في تنوعها واختلافها حسب الخلفيات الإيديولوجية والحضارية والسياسية التي تنطلق منها، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. وهي بذلك، تبين بأن العلاقة بين المدن والأرياف تتباين في الزمان والمكان، وحسب الأنظمة الاقتصادية والسياسية، وكذا الأيديولوجية المسيطر على الحكم في البلاد…
وفيما يخص المغرب، أبرز في تحليله، العلاقة الثلاثية التي كانت تنظم المجتمع المغربي: المخزن، القبيلة والزاوية قبل الحماية. وقد وضع فرضيات حول العوامل المتفاعلة فيما بينها التي اضعفت إشعاع المدينة وقلصت نفوذها، فلم تستطع القيام بنفس الأدوار التي قامت بها مدن أوربا بحيث كانت قاطرة للتغيير السياسي والمجتمعي والنمو الاقتصادي، نظرا لضعف اقتصادها (الحضري) وحدود تأثيرها علي المجال المحيط بها، وطبيعة التكوينات الاجتماعية كمجتمع غير قادر على حماية نفسه أو الدفاع عن مدينته، وتدبير شؤونه بنفسه، والصراعات الداخلية، مما جعلها خاضعة لسلطة المخزن الذي يحميها، ويمنحها الامتيازات، ويتحكم فيها؛ مستندا في ذلك على ما ورد في مقدمة ابن خلدون وفي وصف أهل المدن والبدو، مستنتجا بأن المدينة لم تكن لها مقومات مادية ولا سلطة معنوية لتدبير شؤونها، ولم تكن لها القدرة على تطوير بنياتها، فظلت تحت نفوذ سلطة المخزن الذي ظل المتحكم والضابط للنخب الحضرية.. وفي هذا الصدد، يذكر كيف أن المخزن، كان يعين على المدن في فترة العصور الوسطى زعماء قبائل وأعيان من أصل قروي على رأس السلطة التي تمثله في المدن (قياد وعمال..)؛ وأن هؤلاء يتزوجون من نساء نفس المدينة، ويختارون أعوانهم وخدمهم كمخزن، من سكان تلك المدينة. وهذا ما يجعل المدينة تحت نفوذ القبيلة وأعيانها، ومحاصرتها في أحيان كثيرة.. وبين كيف أصبحت المدينة والبادية تحت مراقبة وحكم الإدارة الاستعمارية في فترة الحماية. وأبرز حقيقة أخرى، هي أن أسر الأعيان التي كانت تخدم المخزن في فترة الحماية، هي نفسها التي تقلدت المناصب القيادية واستمرت في معظمها في خدمته بعد الاستقلال..
وفي معالجته إشكالية العلاقة بين البوادي والمدن، نادى بضرورة سن سياسة فلاحية وريفية لتلبية حاجيات الفلاحين الصغار. وأوضح بأن مغرب مدن اليوم، يعكس أزمة عالم الأرياف. وعكس من كان ينتقد ظاهرة أحياء الصفيح، حين كانت الدولة تحيطها بجدران لإخفائها، فقد اعتبر أن غياب استراتيجية ناجعة أدى إلى غياب حلقة أساسية في بنية الدولة، تهم سلطة محلية تمثيلية منتخبة للسكان. وبذلك، يعتبر هذه الظواهر (انتشار أحياء القصدير) نتيجة عدم قدرة السلطات على التحكم في ظاهرة التحضر. وتقدم باقتراحات لمعالجة ظاهرة الصفيح. وإليه يرجع الفضل في استعمال مصطلح تعمم في العالم “السكن الغير مندمج” (l’Habitat sous intégré) المرتبط بوضع اجتماعي ومؤسساتي ويندرج في إطار دينامية متطورة. و”السكن الغير المنظم”. ووجه انتقادا للنخب التي تحكمت في المجال لخدمة أغراضها ومصالحها ولم تعمل على تنميته (التحكم أم تنمية التراب)؟ وهذا ما جعل الدولة تخفق في وضع سياسة حضرية ، بل اكتفت فقط بسياسة “الإسكان”.
كما انتقد بشدة إهمال المدن العتيقة بمعمارها وتراثها التاريخي، ومعاكسة برامج دولية لتأهيلها وترميم المباني الآيلة للسقوط، خاصة بعد أن غادرها أهلها وحل محلهم سكان آخرون (الحضروين الجدد)، لا يهمهم تاريخ المدينة وأهمية معالمها التاريخية والتراثية. ولم يتم الاعتناء بها إلا مؤخرا (فاس…)، وخاصة من أجانب قاموا بشراء رياضات وترميمها لتكون سكنا ثانويا لهم، ولاستقبال السياح الأثرياء في إطار سياحة النخب (رياضات مراكش، فاس، الرباط..).
وإذا كان اهتمام المؤلف بمدينة فاس التي خصص لها عدة مقالات (النسيج الحضري، المدينة القديمة، أخطار النفايات…إشكالية الماء..)، فإنه عرج على كتابة مقال حول الواحات في بعده البيئي (سكان القصورعلى قارعة الطريق: هجرة مغادرة، وتحولات مجالية للسكن في واحة تنجداد)، ويصفها بالتحولات الخطيرة التي تعرفها الواحة. في هذا الصدد، نبه إلى أن الادعاء بصون القصور عبر ترميمها، وإهمال الواحات كتراث إيكولوجي، سيؤدي لا محالة إلى القضاء النهائي على الواحة نفسها. وهذا لا معنى له، إذا اندثرت الواحات كنقط خضراء داخل الصحراء. وانتقد التفريط في التقاليد المحلية التي اختفت في مركز أنشئ بالقرب من قصر “أسرير” المتخلى عنه، حيث يظل مفتوحا على هبوب الرياح، وتعرض ساكنته لحرارة الشمس في منطقة صحراوية يعتبر التحصين من الزوابع وتوفير الظل للحماية من أشعة الشمس أساسي للسكان للتكيف مع الطبيعة الصحراوية القاسية. ولكن في نفس الوقت، فطموح يرى من جانب آخر، أن مغادرة القصر كلما توفرت الإمكانيات المادية هو تطور طبيعي مواكب لحياة العصر، حيث يحتاج القاطنون بالقصر إلى سكن ذي مساحة أكبر وبيوت أكثر (عامل الضغط الديموغرافي) وإلى نوعية الحياة عبر التزود بالكهرباء والماء والتفتح على الطريق..
خلاصة

في الختام أود أن اشير إلى التواضع العلمي التي تميز به مؤلف الكتاب في تقديمه، حيث أعطى لمحة مركزة عن كل الشخصيات التي احتك بها في الميدان بفاس وخارج فاس، باحثين مغاربة وأجانب، وشخصيات سياسية ومنتخبة، وخبراء، وكذا مؤسسات وطنية ومنظمات دولية ومنتمية للمجتمع المدني التي اشتغل في إطارها، مما مكنه من فهم عدة قضايا معقدة ومركبة حول الظاهرة الحضرية، والسكن، وسهلت عليه إنتاج علم مفيد وغزير كإرث ثقافي وحضاري مميز. والميزة الثانية المرتبطة بالأولى، تتمثل في الأمانة العلمية المترجمة في التوثيق لأغلب المصادر والمراجع والوثائق التي اعتمدها في إنجاز أبحاثه، عبر عشرات الإحالات في ختام اٌقسام الكتاب. وتنويهه بالباحثين الذين تفضلوا بتقديم الكتاب من تخصصات حضرية وريفية وخبراء لهم وزنهم لتسهيل قراءة الكتاب. كل ذلك، سيفيد الباحثين الشباب وينير طريقهم، وكل باحث مهتم بالعلوم الانسانية والاجتماعية وفي مقدمتها الجغرافيا كمادة تربوية جامعية، وتخصص مساهم في تعميق البحث العلمى والقضايا التنموية. ويعتبر الكتاب بمثابة خارطة طريق للشباب الجامعي الصاعد، في ميدان البحث العلمي المتنوع في إشكالياته، وأساسا قضايا المدن والعمران والتعمير في علاقتها بعالم الأرياف، بارتباط بالتهيئة وإعداد التراب.
والشكر موصول لمسوؤلي وأعضاء جمعية “سلا المستقبل” ورئيسها الأستاذ سي إسماعيل العلوي، التي ربطت الماضي بالحاضر والمستقبل، عندما +تعاونت ونسقت هذا النشاط مع الجيل الصاعد من الباحثين الجغرافيين الشباب، متمثلا، في إشراك جمعيتهم “منتدى الجغرافيين الشباب للبحث والتنمية” في التنظيم وتغطية الحدث عبر “قناتهم الجامعية المغربية”، هؤلاء الذين تجندوا لإنجاح تقديم كتاب أحد قيدومي الجغرافيين سي محمد الناصري، الممزوج بتكريمه المستحق.

> بقلم: موسى كرزازي
 أستاذ فخري لجامعة محمد الخامس
Professeur Emérite

Related posts

Top